دورُ منبر ِالجمعةِ في تحقيقِ الأمنِ الفكريِّ للمجتمع
الكاتب : خالد سراقبي
الثلاثاء 14 أغسطس 2018 م
عدد الزيارات : 2078
دور خطبة الجمعة في وقاية المجتمع من الاختلال الفكري:
ويتمثل بالتنبيه على الأفكار المنحرفة وطرائق وفودها على المجتمع وتأثُّرِ الناس به، سواء أبدأت جذورُها تتولد في الوسط الاجتماعي أم أنها لم تجد قبولاً أو رواجاً.
ولعل عمليةَ التصحيحِ الفكريِّ تبدأ من نقطة حفظِ المسجدِ من وباء الفكر المنحرف أولاً، عبر منعِ استغلالِهِ من بعض العناصر الضالة لنشر أفكارهم، وذلك بإعداد الخطيب إعداداً فكرياً تاماً متكاملاً، حتى يخطو بالمرتادين والمستمعين نحو أفق السلامة من كل خطر، ولتحقِّقَ رسالةُ الجمعةِ هدفَها في حفظ الأمن الديني الفكري.
وكما أنّ إنسانَ اليومِ ابنُ ماضيه، فمستقبلُ الغدِ –كما يقال- يُصنع في الحاضر، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: 39-40]. 
فإن الوصول إلى إنسانٍ مؤمنٍ بقضية الأمة وفكرها، صاحبِ هدفٍ واضحٍ فيها، لا تؤثِّرُ فيه الشبهات، ولا تَكسِرُ عودَ الحقِّ عنده الأوهامُ، يقف كالجبل الأشم في وجه العاتي من الرياح المنحرفة المضلة، لا يبدأ إلا بإعداد هذا الإنسان وتهيئته بالزاد الفكري الصحيح الذي يكون كترياق رادع، يكون به العبد محصَّناً معافىً مما قد يتعرض له، وهنا يبرز دور الخطيب في محفل الجمعة، كمحصِّن للمجتمع، ومعالجٍ في آن واحد، وذلك عبر رسم أهدافٍ وتحديد غايات تشكِّلُ سياساتٍ إصلاحيةٍ وتصحيحيةٍ للمجتمع، وتحقِّقُ جزءاً كبيراً من أهداف الأمة.
وسأذكر هنا جملة من الوسائل التي ينبغي على الخطيب أن يأخذها بالاعتبار خلال خطبه، فتكون كمراهم وقايةٍ للمجتمع من أن يشوشه أي داخلٍ فكريٍ:
1-تحريرُ فكرِ السامعين: إن للمنبر دور مهم في بيان مسؤولية الفرد ليكون فاعلاً مؤثراً وبشكل إيجابي في الجانب الفكري في مجتمعه، من خلال ما يطرحه الخطيب من صورٍ مشرقةٍ تحثُّ على النهضة الفكرية في شتى مجالاتها الاجتماعية والعلمية والسياسية.
وهذا يبدأ بالعمل على تحرير العقل البشري من أغلال العادات البالية وقيود التعصب المشبوه التي تقيده وتحُدُّ من حرية حركته، ثم إنارة معالم فكرية مشرقة على طريق البحث الاكتشاف، أو على طريق النظر والتأمل قبل الاعتناق الحقيقي لأي فكرة، فتخبو بذلك شعلة الهوى وتنطفئ نار الشهوات، ويسمح العبد لفكره بالتجول في أروقة الآراء والمفاهيم وهو ضامن من نفسه متأكد من شخصيته على مقاومة التأثيرات والشبهات.
2-توجيهُ الخطبةِ لبناء العقل: يمكننا الجزم بأن خطبة الجمعة المنهجية يمكن أن تكون غذاء عقلياً أسبوعياً، عبر توجيه الطاقات العقلية الضائعة أو الزائغة بالأفكار الصحيحة النقية، وتوجيهها التوجيه الصحيح في فهم الواقع أولاً، وإدراك حقيقة الحرب الفكرية القائمة على الأمة، وذلك من خلال ما تحمله في طياتها من تجديد الطرح وتوضيح الفكرة الغائبة وتبيين الطريق، مما يهيئ المجتمع لأن يكون متنبهاً لمواطن الغفلة وحاملاً لبذور العلاج لأي من المشكلات الحيوية التي قد يتعرض لها، أو قد يستغلها أعداء الأمة في تشويش المجتمع.
بل إنّ البناء العقلي الصحيح يجعل من المستمعين مهيئين للتمييز على الأقل بين الصحيح والسقيم من الأخطاء، واختيارِ ما ينفع وإهمالِ ما يضر، هذا كما أسلفت هو أسلوبٌ نبويٌّ في علاج الغلط الفكري، وهو أيضاً أسلوبٌ وقائيٌّ في حفظ الفكر الصحيح من غزو المفاهيم الخاطئة، وهذا ظاهرٌ في دعوة نبي الله عيسى عليه السلام إذ قال: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الزخرف:63].
وقد أمر القرآن النبي عليه الصلاة والسلام الاستفادة من حادثة خلق آدم لقياس ميلاد عيسى عليها من أجل للتدليل على وحدانية الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59-61].
ففي كلا الآيتين يستعمل الخطابُ الوقايةَ لقطع دابر كل فكرة يمكن أن تتطرق إلى المجتمع فتثير شجون الفساد فيه.
3-إحياءُ التراثِ الإسلاميِّ وتنقيتُهُ: إن تباعدَ الفجوة بين المجتمع وتراثه الإسلامي عاملٌ مهمٌّ من عوامل الانحراف الفكري، لما يحمل هذا التراث النقي والصافي من حلول لكثير من المشاكل وإجابات على كثير من الشبه التي قد تعتري الفكر المسلم.
كما أن إعادة إحيائه حتماً ستؤدي إلى غلق الطريق أمام أعداء الأمة وناشري الانحراف الفكري المعتمدين بالدرجة الرئيسية في أسلوب بث سمومهم على تشويهه، انظر بعض التشويه المفرط في الكراهية للإسلام والمسلمين فيما نقله د. ناصر الحنيني في كتابه القيم: التطرف المسكوت عنه، ص: (85)/ السعودية/ الإصدار الأول/ سنة: (1426)هـ لقيامه على الحقيقة والنور، واعتماده في أسسه وأصوله على الصالح من العلماء والقيم من الفكر والبعيد عن المحاباة وأهواء السلطان، كما أن في توجيه الأمة إلى معرفة التراث دعوة إلى الصمود في وجه المحن والتصدي لسوء الفِكَر، وهنا يبرز دور الخطبة والخطيب.
إن في هذه الوسيلة حرفاً للأمة عن تراث الفكر المختل والتشبه بأربابه، إذ عندما تخلو جِرارُ المجتمع من قيم تراثية صحيحة إسلامية، فإنها بغير شك ستسعى لمحاكاة الغرب وتقليد تراثه. انظر: تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع/ لمحمد الغزالي/ نشر: دار نهضة/القاهرة/الطبعة: الأولى/ سنة: (1408) هـ 
وقد ارتكزت رسالة نبي الله عيسى على تقييد العباد بشريعة الله التي أنزلها الله على بني اسرائيل وتصحيح مفاهيمهم حولها، {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 48-51].
4-التوعيةُ الفكريةُ الصحيحةُ: وذلك بنشر الأفكار الصحيحة والدلالة عليه، واعتمادِ أسلوبٍ خطابيِّ مقنعٍ بما يحمل من حجج وأدلة على الفكر المستقيم المستنبط من الكتاب والسنة.
إن اكتشاف الانحلال الفكري باكراً من خلال المؤشرات والدلائل التي تُشير إليه ومعرفة أسبابه سيسهل حتماً من إيجاد الوسائل المناسبة في التصدي له، "فكلما تم التصدي للانحراف الفكري في بداياته، مع التخطيط لذلك التصدي، كان ذلك أجدى وأنفع". مسؤولية المجتمع عن حماية الأمن الفكري لأفراده ص: (180) / عادل بن علي الشدي
5-رصدُ الخطيبِ للفكر المنحرف وبيانُ خطرِهِ ومفاسدِهِ: إن حقيقةً الإصلاح الفكري تكمن في معرفة صحيح الفكر من سقيمه، وهنا يبرز دور خطبة الجمعة في إرشاد الناس ودلالتهم على الحق والخير وتحذيرهم من الشر والفساد.
لا شك أن المواعظ هي لهجةٌ عامةٌ في الخطب، لكن لو صُرِفت هذه المواعظُ نحو تبيين الوافد من الأفكار، وإيقافِ العامة أمامَ مسؤوليتهم، وتحذيرهم من التهاون في التصدي لها.
إن تجاهل ذلك لذو تأثير واضح في إيصال رسالة الجمعة على حقيقتها، لما له من دور في التخلصِ من إرثِ الانحراف الفكري الذي قد تعيشُه الأمة.
إن نقد وتفنيد الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الأفكار المختلة وذلك بدحض حججها وبيان بطلانها، مع شيء من التركيز على بيان حقيقة الإسلام ومزاياه العظام، لهو خيرُ وسيلةٍ لتقوية الاعتزاز بالفكر القويم وتشديد أواصر الارتباط به.
يقول الشيخ محمد الغزالي: "وطبيعيٌّ أن تتعرض الخطبة إِلى درء المفاسد النفسية عن أبناء الأمة، ووظيفة الخطبة في الإِسلام عندئذ أن تتجنب الأخذ والرد والجدال السيئ... ولكن تعرض الحقائق الإِيجابية في الإِسلام بقوة، وترد على الشبهات دون عناية بذكر مصدرها لأن المهم هو حماية الشريعة الإسلامية.. وليس المهم تجريح الآخرين وإِلحاق الهزائم بهم". بتصرف عن: توجيهات للدعاة ص: (551) / محمد الغزالي/ضمن بحوث مؤتمر رسالة المسجد المنعقد برابطة العالم الإسلامي/ السعودية - مكة المكرمّة/ سنة: (1395) هـ، وهو موجود في أسلوب خطبة الجمعة/ لعبد الله بن ضيف الله الرحيلي/ نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - السعودية/ سنة: (1419) هـ
وهذا واضح جداً في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ يختصر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدور ببيان دور الرسل في مكافحة الانحراف الفكري قبل وقوعه كما بعده، فيحذّر من جملةٍ من الانحرافات التي تزعزع على الأمة كيانَها وتهدِّدُ عليها وحدتها وتعكِّرُ صفوَ حضارتها، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ)، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: "سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي"، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ". رواه مسلم في الإمارة باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول رقم: (1844)، وأبو داود في الفتن باب ذكر الفتن رقم: (4248)، والنسائي في البيعة باب ذكر من بايع الإمام وأعطاه صفقة يده رقم: (4191)
وهذا يظهر مدى تأثير هذه الخطبة على من سمعها وكل من وصلت إلية ولو بعد حين، كما لا يخفى استباقها للأحداث.
دورُ خطبةِ الجمعةِ في علاج الفكر المختل في المجتمع:
إذا كانت خطبة الجمعة ذات أثر في منع انتشار الفكر المختل والوقاية منه، فإن تأثيرها ودورها في دحر رواسب ومخلفات لانحلال الفكري القاع في الوسط الاجتماعي لا يكاد يخفى على متبصر، وذلك من خلال ما تطرحه من أطروحات علاجية تسهم في تذليل الصعاب أمام الجماعة المسلمة خلال عملية هدم الاختلال الفكري بأساليب ونتائجه.
يقول محمد الغزالي: "فإن الخطيب يجب عليه أن يشخّص الداء الذي يواجهه، وأن يتعرف على حقيقته بدقة، فإذا عرفه واستبان أعراضه وأخطاره رجع إلى آي الكتاب والسنة فنقل الدواء إِلى موضع المرض، وذلك يحتاج إِلى بصيرة وحذق فإن الواعظ القاصر قد يجيء بدواء غير مناسب فلا يوفق في علاج، وربما أخطأ ابتداء في تحديد العلة فجاءت خطبته لغواً وإِن كانت تتضمن مختلف النصوص الصحيحة". بتصرف عن: توجيهات للدعاة ص: (551) / محمد الغزالي/ضمن بحوث مؤتمر رسالة المسجد المنعقد برابطة العالم الإسلامي/ السعودية - مكة المكرمّة/ سنة: (1395) هـ، وه موجود في سلوب خطبة الجمعة/ لعبد الله بن ضيف الله الرحيلي/ نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - السعودية/ سنة: (1419) هـ
إن من أولى أولويات الخطبة الدينية عامة والجمعة بشكل أخص التصدي للاختلال الفكري عبر الكشف عن شبهه ومظاهره، وتبيين أسبابه وآثاره ومخاطره، وذلك عبر جملة من الخطوات أهمها:
1-رصدُ الانحرافِ الفكريِّ وبيانُ مظاهرِهِ وأسبابِهِ: وهذا يشترك بعض الشيء مع الدور الوقائي، إلا أن الفارق بينهما أن الدور الوقائي يقوم على رصد الأفكار التي قد يعتنقها المجتمع وتهدد أمنه الفكري، أما هنا فيقوم على رصد الانحراف القائم بالفعل والذي قد تعتنقه بعض فئات المجتمع وتمارسه واقعاً.
2-مواجهةُ وسائلِ الانحرافِ الفكريِّ: ذكرنا قبلُ بعض الوسائل التي اعتمد عليها أعداء الأمة في حرفها عن مسارها الفكري المستقيم، لذلك وبالبداهة فإن سبيل التصحيح لأي منهج فكري لا يكون إلا بالتعريف بوسائله أولاً ثم بالدعوة إلى مواجهتها ومحاربتها وكفاحها، إذ إن دور المواجهة الذي يقوم به خطيب الجمعة يتمثل في الكلمة الصادقة التي تدخل القلوب فتزحزح الشبه وتدعّم الحقائق وتهدي إلى الرشد، فخبو ظلمات الانحراف وتشرق مقاليد الخير.
لقد علم المنافقون دور المسجد، فأرادوا حرف وظيفته لخدمة أهوائهم، وذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار أبو عامر الراهب على أشياعه من المنافقين بتأسيس مسجد ضرار ليكون مقراً ومنطلقاً لنشر فكرهم المسموم، إرصاداً لمن حارب الله ورسوله، لقد جعلوا من المسجد وسيلة شر وطريق خيانة للصد عن سبيل الله ولحرف المؤمنين عن دينهم، وليكون منطلقاً لتنفيذ مؤامراتهم وشرورهم على الإسلام وأهله.
ولقد عالجه رسول الله بأمر الله عز وجل، أولاً بترك الصلاة فيه، وبذلك زعزع شرعيته، ثم بتحريقه وتدميره وترك المرور بالطريق الذي كان فيها، ثم اتخذه موضع كُناسة تلقى فيها الجيف والأقذار والقُمامات. الجامع لأحكام القرآن ص: (8/ 258) / أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت: 671هـ) /نشر: دار الكتب المصرية/ مصر – القاهرة/ الطبعة: الثانية/ سنة: (1384) هـ - (1964) م.
فهو بهذا لم يكتف برصد التيار المنحرف فكرياً والتخويف منه وكشف وسائله، بل قام بمكافحته توضيحاً وعم.
وهذا ما ذكره الله لنا في كتابه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 107-110].
لقد اتصف هذا الخطاب بصرف الأنظار إلى الوسائل الخبيثة وإن كانت تتستر بلبوس الخير، ومقابلتها بالوسائل النافعة لتحقيق الغايات الكبرى، بصورة بيانية تغرس في القلب حب الثاني وبغض الأول.
قال ابن القيم: "وهُوَ مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ فِيهِ، لَمَّا كَانَ بِنَاؤُهُ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَأْوًى لِلْمُنَافِقِينَ، وَكُلُّ مَكَانٍ هَذَا شَأْنُهُ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ تَعْطِيلُهُ، إِمَّا بِهَدْمٍ وَتَحْرِيقٍ، وَإِمَّا بِتَغْيِيرِ صُورَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ مَسْجِدِ الضِّرَارِ فَمَشَاهِدُ الشِّرْكِ الَّتِي تَدْعُو سَدَنَتُهَا إِلَى اتِّخَاذِ مَنْ فِيهَا أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْهَدْمِ وَأَوْجَبُ". زاد المعاد في هدي خير العباد ص: (3/500)، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت:751) هـ/نشر: مؤسسة الرسالة/ لبنان – بيروت/ الطبعة: السابعة والعشرون/ سنة: (1415) هـ (1994) م.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إمام المسلمين وقد تصرف بذلك بصفة الزعامة السياسية للأمة، فإنه لا أقل على الخطيب يوم الجمعة من أن يحذر من وسائل الصد عن سبيل الله، ويخوف المسلمين من اتباعها بعد أن يكشف عارها ويبن زيفها ويظهر مطاعنها.
3-بيانُ الآفاتِ الناتجةِ عن الاختلال الفكري: سواء تلك التي تؤثر على العقل والتفكير، أو التي تؤثر على العادات والأخلاق الصحيحة أو تلك التي تؤثر على المعنى الشمولي للدين وأحقيته في الوجود.
ويأتي دور بيان هذه الآفات كجانب مهم في وقاية وحفظ الفرد ومجتمعه والإبقاء على سلامته، بل وزيادة قوته وتثبيت وجوده، إذ إن خطبة الجمعة بذلك تقوم بدورها الواقعي وتحقق صفتها الموضوعية في الحد مما قد يعتري الإنسان من شهوات أو مؤثرات قد تضعف همته في البحث عن الحقيقة، وتحمله على الركون إلى ما غلفه العدو من أفكار خاطئة، تجمد له فكره وتلبس الأمر على عقله، فيضل ويطغى، بل تقوم باستثارة عقله ليحذر ويتقي.
كما لا يخفى على أحد أن التعرف على هذه الآفات بحيث تصبح معرفتها من ضمن الثقافة العامة للمسلمين سبيلٌ جيدٌ للتخلص من آثارها بل ومن مسبباتها ومظاهرها وصورها.
إن آفة الفكر المختل إذا جُهلت وتسترت استولت على عقل الآدمي فأحالته إلى بهيمة تساق وتقاد، تارة بنار العادات، وتارة بقيد التعصب، كنتيجة حتمية لغياب العقل.
لقد مثلت هذه الآفات المنتشرة في الوسط الاجتماعي عقبة من أشد العقبات على الأنبياء في دعواتهم، سواء تلك التي تمثلت نتائجها بصورة العادات الخاطئة، أم بصورة الانحرافات الفطرية المرذولة، كما يقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
ثم جاء العلاج التصحيحي الدامغ الذي خرست بعده كل الأصوات: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 24].
إن الانطلاق نحو مجتمع يكون القانون المحكّم فيه هو قانون الله عز وجل كاملاً غير منقوص، وتهميش دور كل ما سواه في حياة المسلم، وقلب موازين الفكر في المجتمع لترسو الموازين التي أراد الإسلام لها أن ترسو، لا يكون إلا بالقضاء على كل آفة فكرية هدامة، بمعرفتها أولاً ثم باختيار الأسلوب الأقوم -حسب ظروف العصر والمصر–لمكافحتها، لتشيد مكانها حقيقة علمية راسخة ترشف من فيض الفطرة البشرية والمنهل الإسلامي العذب.
4-دعوةُ المخطئ إلى الرجوع عن خطئه: وذلك ببيان فضيلة التراجع عن الخطأ والعود إلى الحق والصواب، وترك الباطل وعدم التمادي فيه، إذ هذا منهج شرعي رباني ونبوي دعا إليه الإسلام، وأمر به الأنبياء، وحثوا على انتهاجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ). رواه الإمام أحمد في مسنده ص: (20/344)، رقم: (13049) / والترمذي في صفة القيامة، باب المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه رقم: (2501) / وابن ماجة في الزهد، باب ذكر التوبة رقم: (4251) / والحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب التوبة والإنابة رقم: (7617) / والدارمي في الرقاق، باب في التوبة رقم: (2727) كلهم عن أنس ابن مالك وإسناده حسن
5-التحذير ُمن الإمّعية: والإمّعة هو الذي لا رأي معه، فهو يتابع كل أحد على رأيه، وتنحل شخصيته فيما يستهويه، فيكون مَرَّة مع هذا، ومَرَّة مع هذا، وذلك لضعف رأيه، لا يثبت مع أحد ولا على رأي، لذلك فإن العبد المؤمن ليس إمعة، بل هو تبع للحق لا يستهويه إلا الحق. انظر: غريب الحديث (1/ 426) / لابن قتيبة (ت: 276 ه) / نشر دار الكتب العلمية/ لبنان - بيروت/ الطبعة الأولى/ سنة (1408) هـ (1988) م، وشرح مشكل الآثار ص: (15/407) / لأبي جعفر الطحاوي (ت: 321هـ) / نشر: مؤسسة الرسالة/ الطبعة: الأولى/ سنة: (1415) هـ (1494) م
وقد نبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الوقوع في التقليد الأعمى، يقولَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا). رواه الترمذي في سننه في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في الإحسان والعفو، رقم: (2007)، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من هذا الوجه، وضعفه الألباني
لذلك يجب على الخطيب أن يرتقي في خطابه للناس، بحيث يصل إلى أسماعهم وقلوبهم بما يرقى بفكرهم، عبر تحذيرهم من التقليد الأعمى والانخداع بكل ما هو زائف، فلا تنخدع قلوبهم ببهرجة الأفكار ولا بما تثيره من غرائز وكوامن تستند إلى شيء قليل من العلمية، ثم تبتعد عن الحق كل البعد، كما يجب عليه أن يسعى ليكسبهم قدراً من العلم والفقه مع مقدار غير قليل من الثقة بالنفس والفكرة، بحيث يجعل منهم جيلاً قادراً على تمييز صحيح الكلام من سقيمه وغثه من سمينه، وهذا ظاهر واضح في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديثه.
6-تجنبُ أسلوبِ التيئيسِ وما يولِّدُ الإحباطَ عند المخاطَبين: خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة ص: (8) / لعبد الغني أحمد جبر مزهر/ نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد/ السعودية/الطبعة: الأولى/ سنة: (1422) هـ
دورُ خطبةِ الجمعةِ في التصحيح وبناءِ الفكر القويم:
بعد العلاج الفكري الذي أصاب المجتمع والفكر فلا بد من مرحلة جديدة من البناء الفكري وتقويمه، ويمكن لخطيب الجمعة بناء الفكر الصحيح بالاعتماد على:
1-العمل على تأصيل العقيدة الصحيحة: إذ إن العقيدة الراسخة القائمة على الإيمان بالله عز وجل إيماناً لا يتزعزع تُعدُّ ركيزةً قويةً وعاملاً منيعاً لتحصين المسلم والمجتمع ضـد كلِّ خللٍ فكريٍّ، كما أن العقيدة عادة ما تكون منبع الأفكار والعلامة التي تحدد سيرها وصفتها، لذلك ينبغي على الخطيب أن ينطلق في بناء الفكر الصحيح لجمهوره من تأصيل قواعد العقيدة الصحيحة وركائز الإيمان القويم.
2-الحض على نشر ثقافة التصحيح: وذلك عبر تعريف الناس بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أركاناً وأسلوباً ومفاهيماً، إذ إن التصدي للباطل وتجفيف منابعه لا يكون إلا بفهم مجتمعي لمعاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يكون بمثابة إصلاح ذاتي لما له من دور في إشاعة أمر الله تعالى وبث ثقافة الانصياع لطاعته.
والأمة التي تطبق هذه الفريضة تعتبر ذات حصانة فكرية كبيرة، إذ لا يمكن أن يصل إليها أي فكر منحل لوجود حائط صد مدعم بقوة الأمة الفكرية.
3-التركيز على نقاط الاتفاق الجامعة: إن مما يجب الانتباه له في طور البناء والتصحيح، أن لا يحمل الخطاب لوناً ولا توجهاً غير اللون والتوجه الإسلامي العام المتفق عليه بين الجميع، فتكون الكلمة الموجهة لقلوب الجميع تحترم الجميع بشتى ألوانهم وأشكالهم وأعراقهم، ويحاول صاحبها أن ينزهها عن ألوان التحيز الحزبي أو الميل العاطفي أو الخلاف الفقهي، أو الشقاق الهامشي، الذي لا يؤثر في بناء الأمة وجوده، فتلك وسيلة عظيمة مهمة في فتح أبواب للخير وغلق أبواب الشر، كما في ذلك نفي لريح الحقد وتنفير من سوء الظن وإبعاد لمقتضيات الشقاق والوقيعة وتجسيد لصور الاتفاق بين المسلمين.
وفي مثل هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ). رواه ابن ماجه في سننه كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم باب من كان مفتاحا للخير، رقم: (237)، عن أنس بن مالك، قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف من أجل محمد بن أبى حميد فإنه متروك، قلت: إلا أن له من الشواهد ما يقويه والله أعلم، لذلك فقد حكم الشيخ ناصر الألباني عليه بأنه حسن
إنّ النأي بالنفس عن الصراعات الحزبية والخلافات الشخصية تديم حلاوة الدعوة، وتسهم في إظهار الحقائق والأصول والأفكار الشرعية.
يقول الشيخ محمد الغزالي: "لا يجوز أن تتعرض الخطبة للأمور الخلافية، ولا أن تكون تعصباً لوجهة نظر إِسلامية محدودة.. فإِن المسجد يجمع ولا يفرق، ويلم شمل الأمة بشعب الإِيمان التي يلتقي عندها الكل، دون خوض في المسائل التي يتفاوت تقديرها، وما أكثر العزائم والفضائل التي تصلح موضوعاً لنصائح جيدة وخطب موفقة، وقد شقي المسلمون بالفرقة أياماً طويلة، وجدير بهم أن يجدوا في المساجد ما يوحد الصفوف ويطفئ الخصومات". بتصرف عن: توجيهات للدعاة ص: (551) / محمد الغزالي/ضمن بحوث مؤتمر رسالة المسجد المنعقد برابطة العالم الإسلامي/ السعودية - مكة المكرمّة/ سنة: (1395) هـ، وهذا موجود في: أسلوب خطبة الجمعة/ لعبد الله بن ضيف الله الرحيلي/ نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - السعودية/ سنة: (1419) هـ
4-تنقية الفكر الإسلامي من الفكر الدخيل الزائف: وذلك بالرجوع إلى مصادره الفكرية الثرية لترسيخ أو استنباط الفكر الصحيح، لأن التصحيح يبدأ من تصحيح منهج التلقي أولاً، وبالتخلص مما دخل على هذا الفهم الواضح المستقيم من أفكار دخيلة ومنحرفة، بتأثير عوامل متعددة في أثناء المسيرة الطويلة للأمة الإسلامية، واحتكاكها الدائم بأخلاط من المذاهب، وأخلاط من الأفكار. انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح ص: (14) / لمحمد قطب / نشر دار الشرق/ مصر – القاهرة/ الطبعة: الثالثة/ سنة: (1408) ه
5-تعريف الأمة بعدوها: إن الوصول إلى التغيير المطلوب لا يكون إلا بتحديد العقبات التي تعترض طريقه، وصانعي تلك العقبات، وقد بينا أن الستعمار والاستشراق والعداء للإسلام كانت ولا تزال أعظم المؤثرات السلبية في حياة الأمة الفكرية، وقد انطلق الأنبياء في رسالاتهم التصحيحية من نقطة تعريف أممهم بالعدو الدائم للخير وللبشرية، وهذا ظاهر في خطاب ابراهيم عليه السلام مع أبيه إذ يقول الله عز وجل على لسانه: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم: 44].

http://shamkhotaba.org