فاثبتوا واذكروا الله كثيرا..
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 13 سبتمبر 2018 م
عدد الزيارات : 3766
1- ولا تنازعوا فتفشلوا
 قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 – 46].
أكثر البلاء في الأمة سببه التنازع والتناحر والتفرق، ونزغِ الشيطانِ بينهم.
يقول جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62 – 63]
يأتي هذا مؤكداً لمبدأ: أن النصر إنما يكون مع وحدة الصف واتفاق الكلمة.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة). سنن الترمذي -الفتن (2165)
وهذا ثابت في السنن والقوانين الكونية قبل السنن الشرعية، فلا يمكنك أن تنتصر على عدوٍ مهما كانت قوتك إن كنت تعاني من تمزقِ صفك الداخلي!!
إننا اليومَ أمام اختبارٍ عظيمٍ وتمحيصٍ كبيرٍ، حيث يجتمع العدو من أقاصي الدنيا، وتلتقي مصالحه على التآمر على شعبنا وبلدنا، إما أن نصمد ونجتمع على كلمة واحدة وإلا فلننتظر الذل والعار والخيبة والهزيمة.
التاريخ مليءٌ بالعبر، وأعظمُها ما كان من أمر نبيكم وقدوتكم صلى الله عليه وسلم يوم أحد، كيف لاح النصرُ على بارقة سيوفهم، ولم يعد يشكُّ في ثمرة النصر أحدٌ منهم، فانفردوا عن أمر نبيهم في الثبات على الجبل، فتحول النصرُ في لحظات إلى هزيمةٍ ومقتلةٍ!!
هذا وهم خيرُ الناسِ يومئذ على وجه الأرض، بل وقائدُهم هو خيرُ ولدِ آدمَ، لكنْ حصل هذا الذي علمتم! 
والله إنه درسٌ بليغٌ عظيمٌ إلى قيام الساعة، فهل نعتبر من هذا وأنتم اليوم قد اجتمع على تخومكم جيوشُ الإجرامِ، تسانده قوى الشر العالمية، فماذا أنتم فاعلون!؟ 
كونوا كلمةً واحدةً، وقيادةً واحدةً، ارجعوا إلى الناس والتحموا معهم، وانصروا ضعيفهم، فستنصرون برحمتكم بهم، وثباتكم.
لقد كان أولَ ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة لإقامة الدولة أن آخى بين المهاجرين والأنصار؛ لأن المسلمين بجماعتهم مسؤولون عن حماية الحق ودرء الفتنة وإقامة المثل والأخلاق، متكاتفون يدلون على الخير، ويحاربون السوء، أصل عظيم يجب أن يكون نصب أعين شخص، يجب أن نكون يدًا واحدةً، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران : 103].
ولا تغرَّنَّكم حشودُ البغي والشر، رصوا صفكم، وأجمعوا أمركم، واطردوا الهوان والأهواء الشخصية، والمكاسب المزعومة، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173- 175].
2- بئست البطانة
يقول عليه الصلاة والسلام: (اللهمَّ إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنَّه بئس الضَّجيع، ومن الخيانة؛ فإنَّها بئست البطانة). أخرجه أبو داود (1547) والنسائي في السنن الصغرى (5468)
وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكلِّ غادرٍ لواء عند استِه يوم القيامة)، وفي رواية: (لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة، يُرفع له بقدر غدره، ألَا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامَّة). رواه البخاري (6607) ومسلم (3273)
إن من أعظم ما يشُقُّ الصفَّ ويفتكُ بالقوم: الأنانية والبحث عن المصالح الخاصة على حساب مصلحة الجماعة والأمة، إنه هذا لهو الخيانة والخذلان! 
واعلموا أن التاريخ يسجل اليوم، وليكتب كلٌّ ما يريد أن تقرأه الأجيال..
فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً فَما نَيـلُ الخُلـودِ بِمُستَطـاعِ
وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَـوبِ عِـزٍّ فَيُطوى عَن أَخي الخَنعِ اليُراعُ
سَبيلُ المَوتِ غايَةُ كُـلِّ حَـيٍّ فَداعِيَهُ لِأَهـلِ الأَرضِ داعـي
وَمَن لا يُعتَبَط يَسـأَم وَيَهـرَم وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلـى اِنقِطـاعِ
وَما لِلمَرءِ خَيـرٌ فـي حَيـاةٍ إِذا ما عُدَّ مِن سَقَـطِ المَتـاعِ
3- فاثبتوا واذكروا الله
الثبات عنوان الموقف عند تعيُّنِ المواجهة مع العدو والتقاء الصفوف، لذا كان من أعظم الجرم الفرار من الزحف أمام العدو، وكان أعظمَ الأجر الثبات. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15].
أمر اللهُ سبحانه عباده بالثبات حين اللقاء فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ)، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وَقَالَ: (اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ). (البخاري (2833) ومسلم (1744)
ومن كان الله معه فلن يُغلب؛ فالمسلمون يستمدون قوتهم من الله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ} [هود: 66].
والأعداء يستمدون قوتهم من الشيطان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء 76].
والله سبحانه وتعالى قَرَنَ الثباتَ في الحرب بكثرة ذكره: {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}.
فهذا يؤكد على ضرورة التعلق بالله في مثل هذه المحن، وذلك بعد إعداد العدة، ووضع الخطط، وتقوية الصف، وتوحيد الكلمة.
قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ...} [البقرة: 250 – 251].
ولا شك أن الدعاء والتوجه إلى الله تعالى في مثل هذه الحال مما يزيد المؤمنَ المجاهدَ قوةً وعزيمةً ومصابرةً للشدائدِ.
وخاصة إن كان العددُ قليلاً، كما كان حزب الإيمان من أصحاب طالوت في هذه الآية.
وهذا ما أرشد الله إليه المسلمين في غزوة أحد وقد أصابهم ما أصابهم، فضرب لهم مثل الأنبياء السابقين ومن قاتل معهم، وكيف صبروا على ما أصابهم في سبيل الله وماذا كان قولُهم؟ 
فقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 – 148].
فكأن الله يقول لهم: فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصرَ والظفرَ والغنيمةَ في الدنيا، والمغفرةَ في الآخرة إذا صاروا إليها. وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه، الثابتين عند لقاء عدوه بوعدِه الحق، وقولِه الصدق: {والله يحب الصابرين} يعني الصابرين على الجهاد.
4- لا تغرنكم حشود الباطل
إن الباطل مهما علا ولجلج فإنه زاهقٌ، والحقَّ مهما ضَعُفَ فإنه منتصرٌ، كيف لا والله من وراء الحق، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان: 30].
ودولةُ الباطلِ ساعة، ودولةُ الحقِّ إلى قيامِ الساعة؛ لذلك قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196– 197].
فالمؤمنون مهما رأوا من تَحَشُّدِ الأعداءِ ضدَّهم لا يزيدهم ذلك إلا إيماناً وثباتاً، كما قال الله جل في علاه: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران 173].
فرجعوا منتصرينَ غالبينَ غانمينَ، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران 174].
 

http://shamkhotaba.org