إذا استقام القضاء زال العناء
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 8 نوفمبر 2018 م
عدد الزيارات : 1235
مقدمة:
العَدْلُ أُمْنِيَةُ البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وَغَايَةُ الرِّسَالاتِ الإِلَهِيَّةِ، ونظام المجتمعات الإنسانية، قَالَ تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
1- القضاء مسؤوليّةٌ وعناء
القضاء مهمّةٌ شاقّةٌ، وأمانةٌ ومسؤوليّةٌ عظيمةٌ، أُنيطت بمن حملها، وتجشّم الأخطار للحصول عليها، فمن حملها فكأنّما حمل جبالَ الأرضِ على ظهره، فإمّا أن يقومَ بحقّها ويكونَ اللهُ معه ويُعانُ على ذلك، وإمّا أن يخونَ الأمانةَ ويركنَ للدّنيا فتقصم ظهره.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ -وَذُكِرَ عِنْدَهَا الْقُضَاةُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُؤْتَى بِالْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ). أبو داوود/1650
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ القَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ). التّرمذيّ/1330
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ، أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ). التّرمذيّ/1325
قال ابن الصّلاح رحمه الله: "المراد: ذُبح من حيث المعنى، لأنّه بين عذاب الدّنيا إن رَشَد، وبين عذاب الآخرة إن فَسَد". نيل الأوطار 8/300
2- أصناف القضاة بين يدي ربّ السّماوات
عنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ). أبو داوود/3573
وفي روايةٍ للبيهقيّ عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ يَعْلَمُ، فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ، فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَاكَ فِي الْجَنَّةِ). السّنن الكبرى للبيهقيّ/20355
3- وصيّةٌ غرّاء إلى العاملين في القضاء
أَيُّهَا القُضَاةُ: اسْمَعُوا إلى وَصِيَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الّتي وَجَّهَهَا لَكُمْ مُنْذُ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمَائَةِ عَامٍ، عَنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عِنْدَمَا قَالَ لَكُمْ عَنْ طَرِيقِهِ:
"أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلَّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِكَ وَوَجْهِكَ وَعَدْلِكَ حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ وَلَا يَخَافَ ضَعِيفٌ جَوْرَكَ، الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، لَا يَمْنَعُكُ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالْأَمْسِ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَإِنَّ الْحَقَّ لَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ وَمُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يُخْتَلَجُ عِنْدَ ذَلِكَ فَاعْمَدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى وَاجْعَلْ لِلْمُدَّعِي أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً وَإِلَّا وَجَّهْتَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْلَى لِلْعَمَى وَأَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ، الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبًا فِي شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، ثُمَّ إِيَّاكَ وَالضَّجَرَ وَالْقَلَقَ وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ لِلْخُصُومِ فِي مَوَاطِنَ الْحَقِّ الَّتِي يُوجَبُ بِهَا الْأَجْرُ وَيَحْسُنُ بِهَا الذِّكْرُ، فَإِنَّهُ مَنْ يُخْلِصُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ، شَانَهُ اللَّهُ". سنن الدّارقطنيّ/4472
ما أعظمَها من مبادئ، وما أرقاها مِن قيمٍ، كفيلة بتحقيق العدل والقضاء على الجور.
4- اعلموا مقامكم، واتّقوا الله في أحكامكم
القاضي يقوم مَقَامَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رَفْعِ الظُّلْمِ عَنِ المَظْلُومِ، وَالأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ. فليذكُرْ مقامَهُ هذا إذا جَلَسَ مجلسه من القضاء. 
أَيُّهَا القُضَاةُ: تَذَكَّرُوا كَلَامَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِنْدَمَا قَالَ في خُطْبَتِهِ للأُمَّةِ: "الصِّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حتّى أُرجع عَلَيْهِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". 
5- العدل نظام الأمم
إن العدل نظام الأمم، وركن الدولة، إن فُقد فقد آذنت الأمم بالزوال، والدول بالانهيار؛ إن فُقد غَدَتِ البشر كالبهائم في غابة يأكلُ القويُّ الضعيفَ، فلا يُعرف حقٌّ، ولا تُحترَمُ مروءةٌ، ولا يَستقرَّ نظامٌ، ولا يُعرف طعمُ الأمنِ.
فليتق الله قاض من أن ينحدر إلى دركات الظلم فيهوي إلى نار جهنم، ويخزى بالذكر السيء في الدنيا، وليفرح القاضي إذا عدل ببشرى عَلَى لِسَانِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا). مسلم/1827 عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
 

http://shamkhotaba.org