الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
الحسد
الاثنين 27 رجب 1435 هـ الموافق 26 مايو 2014 م
عدد الزيارات : 4910

قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).

عباد الله، إِنَّ حَدِيثَنا اليومَ عَنْ دَاءٍ عُضَالٍ، وَمَرَضٍ قَلْبِيٍّ قَتَّالٍ، شَرُّهُ كَبِيٌر، وَبَلاؤُهُ خَطِيرٌ، مَا تَحَكَّمَ فَي فَرْدٍ إِلاَّ أَشْقَاهُ وَأَضَّلهُ، وَلاَ فِي مُجْتَمَعٍ إِلا شَتَّتَهُ وَأَذَلَّهُ، كَمْ صَدَّ عَنِ الحَقِّ، وَكَمْ أَضَلَّ مِنَ الخَلْقِ، هَذَا الدَّاءُ: مَا فَشَا فِي أُمَّةٍ إِلا كَانَ نَذِيرَ هَلاكِهَا، وَلا دَبَّ فِي دِيَارٍ إِلا كَانَ سَبِيلَ فَنَائِهَا، وَمَا انْتَشَر فِي صُفوفِ جَمَاعَةٍ إِلا كَانَ سَبَبَاً لِبَلائِهَا وَشَقَائِهَاِ، إنَّهُ مَصْدَرُ كُلِّ بَلاءٍ، وَ مَنْبَعُ كُلِّ عَدَاءٍ، سِلاحٌ فَتَّاكٌ، وَسَيْفٌ بَتَّارٌ، يَضْرِبُ بِهِ الشَّيْطانُ القُلوبَ فَتَتمَزَّقُ، وَالجماعَاتِ فَتَتفَرَّقُ، يُفْسِدُ المَوَدَّةَ، وَيقْطَعُ حِبَالَ المَحَبَّةِ، وَيَهْدِمُ أَوَاصِرَ الأَّخوَّةِ، بَلْ يَحْلِقُ الدِّينَ، وَيَهْدِمُ الدُّنْيا، وَيَقْضِي عَلى بَوَاعِث الخَيْرِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ.

ذَلِكُمْ -يَا عِبادَ اللهِ- هُوَ دَاءُ الحَسَدِ: تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ اللهِ عَنِ المَحْسُودِ، وَكَرَاهَيَةِ وُصُولِ الخَيْرِ لَهُ. الحَسَدُ دَاءُ الأُمَمِ، وَمَرَضُ الشُّعُوبِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (دَبَّ إِليكُمْ دَاءُ الأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ، الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ لا أَقولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، لَكِنَّها تَحْلِقُ الدِّينَ). وَالحسدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ، وَكان السبب في عَوَامِلَ الشَّقَاءِ فِي الإِنْسانِيَّةِ،

فَمَا الذِي أَوْقَعَ إِبْلِيسَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ إِلاَّ حسدُهُ لأِبِينَا آدَمَ عليهِ السَّلامُ؟ (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).

وَمَا الذي حَمَلَ قَابِيلَ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ هَابِيلَ إِلاَّ الحَسَدُ؟ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

وَمَا الذِي حَمَلَ إِخْوَةَ يوسفَ عَلَى مَا فَعَلُوا بِيوسُفَ إِلاَّ الحَسَدُ؟ (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).

وَمَا الذي حَمَلَ اليهودَ عَلَى جَحْدِ نُبُوَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم إلا الحسد؟ مع أنهم كانوا يعلمون أنه رسول الله حقا (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

و ما الذي جعل الكفار يحاولون صرف المسلمين عن دينهم، ويتمنون لو ارتد المسلمون عن إسلامهم إلا الحسد؟ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).

وَمَا الذي حَمَلَ كُفاَّرَ قُرَيْشٍ عَلَى الاستِكْبِار عَنْ دَعْوَةِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلا الحسد؟ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنُّه الصاِدقُ الأَمِينُ (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

فَانْظُر كَيْفَ حَمَلَ الحَسَدُ صَاحِبَهُ عَلَى الكُفْرِ وَالقَتْلِ، وَعَلَى المَكْرِ وِالتَّسَخُّطِ لِقَضَاءِ اللهِ؟ حَقّاً إِنَّه مَصْدَرُ كُلِّ بَلاءٍ، وَمَنْبَعُ كُلِّ شَقَاءٍ. ولله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله. وإن من نعمة الله تعالى على أمة الإسلام أن جعلها أمة واحدة متماسكة، تلتقي على الإيمان بالله والحب فيه، وطهَّر قلوب أبنائها من وساوس الضغينة وثوران الأحقاد، فإذا رأى المسلم نعمة تساق إلى أخيه رضي بها وفرح، وأحس فضل الله وفقر عباده إليها، وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر). وإذا رأى أذى يلحق أحدا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه ويغفر ذنبه، وبذلك يكون المسلم ناصع الصفحة، راضيا عن الله، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى. وإن امتلاء القلب بالضغائن، داء وأي داء، وبلاء وأي بلاء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثقوب.

و لو بحثت في بلادنا، بدءا من بلدتنا عما يحدث بين الجماعات، وما يحدث بين الفصائل، أو بين العاملين في دائرة واحدة، أو بين الإخوة وأمثالهم من الهجر والخصام، ومن النزاع والشقاق، والغيبة والنميمة، ومن الشماتة عند المصيبة، والفرح عند نزول البلاء، لوجدت السبب الوحيد الذي يكمن وراء ذلك كله هو الحسد . فإن الشيطان بمكره وخبثه أنسا البعض منا هدفه ، ولأي شيء خرج ، وجعلنا ننشغل بتتبع عوراتنا، ونأكل لحوم بعضنا . فالوَاجِبُ عَلَى العاقِلِ مَجَاَنبَةُ الحَسَدِ، فَإِنَّ أَهْوَنَ خِصَالِ الحَسَدِ سوءاً، هُوَ تَرْكُ الرَّضَا بِقَضَاءِ الله وقدره، وَإِرَادَةُ حكمٍ يخالف حُكْمَ اللهِ تعالَى، فلسان حال الحاسد يقول: كيف تنعم يا رب على فلان بجاه أو مال أو نعمة ولم تنعم علي، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ).

وكَفَى بِالحاسِدِ إثما اعتراضه عَلَى حِكْمَةِ الله، واجتراؤه عَلَى حُدُودِ الله.

قال الشاعر :

أَلا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِداً     أَ تَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْتَ الأَدَبْ

أَسَـأْتَ عَلَى اللهِ فِي حُكْمِه     لأِنَّـكَ لَمْ تَرْضَ لِي مَـا وَهَــبْ

فَـأَخْــزَاكَ رَبِّـي بِـأَنْ زَادَنِــي    وَ سَـدَّ عَلَيْــكَ وُجُـوَهَ الطَّلَــبْ

يقول أحدهم عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وددت والله أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه)، يقول: والله ما رأيته يدعو على أحد من خصومه بل كان يدعو لهم، جئته يوما مبشرا بموت أكبر أعدائه، قال: فنهرني واسترجع وحوقل، وذهب إلى بيت الميّت فعزّاهم، وقال: إني لكم مكان أبيكم فاسألوا ما شئتم، فسرُّوا به كثيرا، ودَعَوْا له كثيرا، وعظموا حاله، ولسان حالهم: والله ما رأينا مثلك).

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ    لطالما ملك الإنسانَ إحسانُ

ماذا استفاد الحاقدون !؟ ماذا استفاد الحاسدون !؟ ما استفادوا إلا النَّصَبْ ، و ما استفادوا إلا التعب، وما استفادوا إلا السّيئات و و الله لن يردوا نعمة أنعمها الله على عبد أيا كانت . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ الإِيَمانُ وَالحَسَدُ)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا).

 

عباد الله: إِنَّ مِنْ لَوَازِم الحَسَدِ، وَآثارِ الحِقْدِ، سُوءَ الظَّنِّ بِالمُسْلِمينَ، وَتَتَبُّعَ العَوْرَاتِ، وَنَشْرَ السيئَّاتِ، وَإِذاعَةَ الأخْطَاءِ والسَّقطَاتِ، وَإِنَّ الحَاسِدِينَ لَيَجِدُونَ فِي الغِيبَةِ وَنَهْشِ الأَعْرَاضِ مُتّنّفَّساً لأِحْقادِهِم المَدْفُونَةِ، وَخَبَاياهُمُ المَكْنُونَةِ، فَلا يَسْتَرِيحُونَ إِلاَّ إِذَا نَشَرُوا الفَضَائِحَ، وَلا يَتَلَذَّذوُنَ إِلا بِسَرْدِ القَبَائِحِ: بين الناس، وعلى الإنترنت، والفيسبوك، والفضائيات، زورا وبهتانا.

وكأنهم لم يسمعوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع). وَالمَحْسُودُ ذَنْبُهُ الوَحِيدُ أَنَّ اللهَ اختصَّهُ بِنِعْمَةٍ، أَوْ أَزَالَ عَنْهُ نِقْمَةً، فَأَثَار ذَلِكَ أَمْوَاجَ بَحْرِ الحِقْدِ العَظِيمِ، فِي صَدْرِ الحَاسِدِ اللئِيمِ.

وَ تَرَى اللَّبِيبَ مُحَسَّداً لَمْ يَجْتَلِبْ    شَتْمَ الرِّجَالِ وَعِرْضُهُ مَشْتُومُ

حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ    فـالْكُـلُّ أَعْـدَاءٌ لَـهُ وَ خُـصُــومُ

كَضَرَائِرِ الحَسْنَـاءِ قُلْــنَ لِوَجْهِهَــا    حِـقْـداً وَ حَسَـداً إِنَّـهُ لذَمَيِــمُ

وَ كَذاكَ مَن عَظُمَـت عَليـهِ نِعمَةٌ     حُسّـادُه سَيـفٌ عَليهِ صَـرومُ

 

فَاتَّقُوا اللهَ –يا عِبَادَ اللهِ- (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ)، وَاحْرِصُوا علَى سَلامَةِ القُلوُبِ، وَرَاقِبُوا مَوْلاكُمْ عَلاَّمَ الغُيوبِ، فثَوابُ سَلاَمَةِ الصُّدُورِ هو دُخُولُ الجَنَّةِ، هُنالِكَ حَيْثُ: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)، وَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ ما يقولهُ الأَخْيارُ، مِنَ التابِعِينَ بِإِحْسَانٍ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

ومن بُلي بداء الحسد أيها الإخوة فعليه أن يعالج نفسه، بتذكر عظم ذنبه، ويسعى إلى إزالته بتذكر ضرره عليه وعلى إخوانه المسلمين، وبتذكر أن الأمور بيد الله عز وجل: لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع وأن الخير كل الخير فيما اختاره الله تعالى.

 

 

18جمادى الآخرة 1435 -  18/4/2014

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 113) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 142