الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
رمضان فرصة للتغيير
السبت 15 رمضان 1435 هـ الموافق 12 يوليو 2014 م
عدد الزيارات : 3059
قال تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
 
عباد الله: إن إدراكنا لرمضان نعمة ربانية، ومنحة إلهية، فهو شهرٌ تضاعف فيه الحسنات، وتكفر السيئات، وتُقال فيه العثرات، وترفع الدرجات، وهو بشرى تساقطت له الدمعات، وانسكبت العبرات. كم من قلوب تمنت أن تبلغ هذه الساعات! وكم عرفنا أقواماً أدركوا معنا رمضان أعواماً، وهم اليوم من سكان القبور، ينتظرون البعث والنشور، وربما يكون رمضان هذا لبعضنا آخر رمضان يصومه، فهل يمكننا أن نغيِّر من أحوالِنا، ونحسِّن من أوضاعنا في هذا الشهر الكريم،
 
وقد قال ربنا: (إنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغيِّرُوا مَا بأنْفُسِهِم). فرمضان فرصة ثمينة للتغيير، ولماذا رمضان؟!! لأنه في رمضان تصفد مردة الشياطين، فلا تصل إلى ما كانت تصل إليه في غيره، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة منه عتقاء من النار، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ولأن رمضان فرصة العمر السانحة، وموسم البضاعة الرابحة، والكِفة الراجحة، ولما حباه الله تعالى من المميزات، فهو بحق مدرسة لإعداد الرجال، وهو بصدق جامعة لتخريج الأبطال. كل هذه الأسباب تجعلنا نوقن بأن رمضان فرصة سانحة، وغنيمة جاهزة، لمن أراد التغيير في حياته؛ فالأسباب مهيأة، والأبواب مشرعة، وما بقي إلا العزيمة الصادقة، والصحبة الصالحة، والاستعانة بالله في أن يوفقنا للخير والهداية. فرمضان فرصة للتغيير لمن كان مفرطاً في صلاته لمن كان لا يصليها مطلقاً، أو يؤخرها عن وقتها, أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد، لأن يعود إلى الصلاة، وأن تعتاد رجله المشي إلى المساجد. ألا فليعلم المتهاون في صلاته، أنه إن لم يتدارك نفسَه، فهو آيلٌ لا محالة إلى نهاية بائسة، وليل مظلم، وعذاب مخيف. فبين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. أيها الشاب: إذا لم تصلِّ الآن وأنت في نعمة وعافية، فمتى تصلي؟ هل تصلي في الكبر، عندما تشل الساقان وينحني الظهر؟ اتق الله –يا من تهاونت بالصلاة– فإنك ضيعت أعظم أركان دينك بعد الشهادتين، وضيعت عمود الإسلام فماذا بقي عندك من الدين؟ وما هي حجتك عند رب العالمين؟ استيقظ من غفلتك، وتنبه من نومك، فالحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، واجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة، فقد وفقك الله للصلاة مع الجماعة، وإلف المساجد، وعمارتها بالذكر والتسبيح، فاستعن بالله، واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للحفاظ على الصلاة، والتبكير إليها، يقول الله تعالى في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ). ورمضان أعظم فرصة للتغيير في حياة الأمم؛ اسأل التاريخ كيف كان رمضان من أعظم مواسم التغيير في حياة الأمة؛ وذلك لما حصل فيه من أحداث غيرت مسار التاريخ، وقلبت ظهر المجن، فنقلت الأمة من مواقع الغبراء، إلى مواكب الجوزاء، ورفعتها من مؤخرة الركب، لتكون في محل الصدارة والريادة. ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة التقى جيشان عظيمان، جيش الإيمان بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم، وجيش الكفر بقيادة أبي جهل، وانتصر فيها جيش الإيمان على جيش الطغيان، ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود، ونجم الكفر في أفول، وأصبحت العزة فيها للمؤمنين. (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وفي السنة الثامنة، وفي شهر رمضان، كان فتح مكة العظيم، الذي أعز الله به دينه ورسوله، وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجا وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجا. وفي سنة ستمئة وثمانية وخمسين، فعل التتار بأهل الشام مقتلة عظيمة، وتشرد من المسلمين من تشرد، وخربت الديار، فقام الملك المظفر قطز، بتجهيز الجيوش، لقتال التتار، حتى حان اللقاء في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان وأمر ألا يقاتلوا حتى تزول الشمس، وتفيء الظلال، وتهب الرياح، ويدعو الخطباء والناس في صلاتهم، فلما تقابل الصفان، واقتتل الجيشان، حصلت معركة عظيمة، سالت فيها دماء، وتقطعت أشلاء، ثم صارت الدائرة على القوم الكافرين، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). ورمضان فرصة للتغيير لمن ابتلي بتعاطي الدخان، أن لا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه العزيمة القوية، أو يوهنها، أو يقلل من شأنها. تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره من قوة الإرادة، التي صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته. فوالله ما أحزمه! لو استغل شهر الصيام ليتدرب به على هجر ما يضر بنفسه في دنياه وآخرته. تالله ما أحزمه! لو واصل هذه الحمية عن ذلك بالليل، كما عملها في النهار. أيها الصائم لله رب العالمين: إن فيك إيمانا عظيما، ويقينا بالله كبيرا. وإلا فمَن الذي جعلك تمتنع عن التدخين في وقت الصيام إلا خوفك من الجبار، ومراقبتك للواحد القهار؟ بل مَنْ مِنَ الناس يعلم أنك صائم أو لا؟ ولكن شعورك بنظر الله إليك، ومراقبته لك، صرفك عن تعاطي الدخان في وقت الصيام. واسأل نفسك بصدق: الإرادة التي استطاعت أن تصوم لأكثر من ست عشرة ساعة، أتعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية؟ والعزيمة التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء، لهذه الفترة الطويلة أثناء النهار، أتنهار في آخر لحظات الإسفار، وإرخاء الليل السِّتار؟ أين الهمة التي لا تقف أمامها الجبال الشامخات؟ وأين العزيمة التي لا تصدها العاتيات؟ أيها الصائم، يا من ابتليت بهذا البلاء، كلنا نعلم أنك لست راضيًا عن التدخين، بل تتمنى دائمًا أن يخلصك الله منه، وكم سمعناك وأنت تقول: "والله إن الدخان خبيث ويضرّ ولا ينفع، وكم حاولتُ أن أتركَه ولكني أرجع إليه". فيا صاحب العزيمة والإرادة، أنت مؤمن، رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولاً. أنت من أحفاد أبي بكر وعمر، وخالد ومصعب، والقعقاع والحمزة. أنت في شهر الفتوحات والانتصارات. نعم، انتصر أجدادي وأجدادك في رمضان على أعدائهم، وكانت أغلب الفتوحات الشهيرة في رمضان، ألا تنتصر أنت على شيطانك ونفسك وهواك؟ ست عشرة ساعة من الصبر عنه، أضف إليها خمس ساعات للنوم، كم بقي من اليوم؟ لا تقل: لا أستطيع، تعوّدتُ عليه، فهل الخمر أعظم أم الدخان؟ هل من تعوّد الخمر وأدمنها كمن تعوّد على الدخان وأدمنه أم أشدّ؟ فلِمَ إذاً لما سمع الصحابة مناديَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: (ألا إن الخمر قد حرّمت) قالوا: انتهينا، انتهينا؛ فمن كانت في منزله أخرجها وسكبها، ومن كانت في يده رماها وكسرها، ومن كانت في فمه مجّها وبصقها، أليسوا بشرًا كالبشر أم أنهم ملائكة؟ فاعلم أنك إن نويت وصدقت في النية فإن الله آخذٌ بعزيمتك، (ومن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه). وكم هم الذين ابتلوا به ثم تركوه لله، لا لمرض، ولا لأجل مال، إنما لله، فنجاهم الله منه، أسأل الله لهم الثبات. ثم لا تنس الدعاء، فإنه السلاح الذي لا غنى عنه، والسهمُ الذي لا يخطئ، والعلاجُ الذي لا يندم صاحبه، فأكثر من دعاء الله، وخاصة في هذه الليالي المباركة أن يخلّصك منه، ارفع يديك بإخلاص وصدق في وقت السحر: "يا ربّ، اتبَعْتُ هوايَ، وأهلكت نفسي، وأضعت مالي، ودعمت أعدائي، فتب علي توبة من عندك، تمحو بها ذنبي، وتغفر بها خطئي، وتقوّم بها حالي". ووالله، لو علم الله منك صدق الدعاء والعمل واللجوءِ إليه لن يردّك خائبًا. فاستعن بالله على ترك هذا البلاء، فالنصر صبر ساعة، والفرج قريب، وإن الله مع الصابرين. (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا). جاهد نفسك واستعن بربك الذي قال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ). نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول هذا القول وأستغفر الله.
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149