1- توثيقٌ قرآنيٌّ
2- توثيقٌ نبويٌّ
مقدمة:
يسافر اليوم النّاس بغرض التّرفيه، والبحث عن العجائب، ولرؤية الأماكن الجميلة والفريدة، ثمّ ما يلبثون إذ يسافرون أن يوثّقوا لحظات رحلتهم، وبعد التّوثيق يبادرون إلى نشرها على مواقع التّواصل، لتصل إلى أكبر عددٍ مِن أحبابهم ومتابعيهم، وبما أنّنا مررنا في خواتيم شهر رجب فمِن الجيّد أن نقف على رحلةٍ فريدةٍ عجيبةٍ، دون أن نجزم أنّها وقعت في رجب، أمّا المسافر فيها فهو سيّد الخلق؛ عربهم وعجمهم، وأمّا محطّات الرّحلة فلها في الأرض وفي السّماء محطّاتٌ، وأمّا التّوثيق فقد وثّقها ربّ العزّة سبحانه {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وأمّا المنصّات الّتي نُشرت عليها أخبار الرّحلة فخلّ عنك منصّات اليوم كلّها، فقد جمعت صدقًا إلى كذبٍ، بل كثيرًا ما طغى كذبها على صدقها، أعرض عنها كلّها، ويممّ وجهك شطر كلام الله عز وجل، فقد تمّ توثيقها في القرآن، كما في سورةٍ سُمّيت باسم أحد قسمي الرّحلة: الإسراء، ويممّ وجهك شطر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فها هي كتب السّنّة تتحدّث عن عجائبها؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ).
1- توثيقٌ قرآنيٌّ
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النّجم: 1-18].
أمّا النّجم فقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِذْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَ"الْهُوِيُّ": النُّزُولُ.
وأمّا قوله {ذُو مِرَّةٍ} أي ذو منظرٍ حسنٍ، فاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى فتعني: اسْتَوَى جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ {بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا كَانَ يَأْتِي النَّبِيِّينَ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا، فَأَرَاهُ نَفْسَهُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي الْأَرْضِ، وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ، فَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَفِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَالْمُرَادُ بِالْأَعْلَى جَانِبُ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ أَنْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَانَ بِحِرَاءٍ فَطَلَعَ لَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَسَدَّ الْأُفُقَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَخَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}، وَأَمَّا فِي السَّمَاءِ فَعِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ إِلَّا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} فؤاد محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، {مَا رَأَى} ما رآه ببصره مِن صورة جبريل، أي: ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبًا؛ لأنّه عرفه، يعني أنّه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشكّ في أنّ ما رآه حقٌّ، وقيل المرئيّ هو الله سبحانه، رآه بعين رأسه، وقيل بقلبه.
{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} الجمهور على أنّها شجرة نبقٍ في السّماء السّابعة عن يمين العرش، والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء، كأنّها في منتهى الجنّة وآخرها، وقيل لم يجاوزها أحدٌ، إليها ينتهي عِلم الملائكة وغيرهم، ولا يعلم أحدٌ ما وراءها، وقيل تنتهي إليها أرواح الشّهداء، {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} أي رآه إذ يغشى السّدرة ما يغشى، وهو تعظيمٌ وتكثيرٌ لما يغشاها، فقد عُلم بهذه العبارة أنّ ما يغشاها مِن الخلائق الدّالة على عظمة الله تعالى وجلاله أشياءٌ لا يحيط بها الوصف، وقد قيل يغشاها الجمّ الغفير مِن الملائكة يعبدون الله تعالى عندها، {مَا زَاغَ الْبَصَرُ } بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عدل عن رؤية العجائب الّتي مرّ برؤيتها ومُكّن منها، {وَمَا طَغَى} وما جاوز ما أُمر برؤيته.
فهذا كتاب ربّنا يصف لنا عظمة هذه الرّحلة ومكانتها، فكيف وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علمنا أنّه ما ضلّ وما غوى وما زاغ بصره وما طغى.
2- توثيقٌ نبويٌّ
ما أجمل أن تسمع وصف الرّحلة العجيبة مِن الفم الطّاهر، مِن صاحب الشّأن، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ ؛بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صلى الله عليه وسلم، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ... ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صلى الله عليه وسلم، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صلى الله عليه وسلم، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ... قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً).
خاتمةٌ:
يا أيّها الّذي يرغب أن تعرج روحه إلى ربّه في معراج الرّوح -الصّلاة- طهّر قلبك أوّلًا عن أدرانه وأدناسه مِن غلٍّ وحقدٍ وحسدٍ وكبرٍ وسوى ذلك، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي).
عُرج بنبينا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فوصف أباه آدم فقال: (فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ)، وقَالَ -بعد ذِكر فرض الصّلاة-: (ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ؟ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ).
ما أكثر الدّروس الّتي يمكن أن نستفيدها مِن رحلةٍ كهذه، وأعظم ما فيها فرضيّة الصّلاة، فهي معراج روحنا، وفيها شفقة أبينا آدم علينا، فلنبرّ أبانا فلا نحزنه، وفيها علوّ مقام نبيّنا أن بلغ ما لم يبلغه بشرٌ، وفيها تحذيرٌ مِن أحوال أهل النّار، فمَن اغتاب أخاه فلينتظر العذاب، ومِن أجمل ما فيها أنّ الفرج يأتي بعد الصّبر على المِحن، فقد ابتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرته في الدّعوة إلى الله وصبر، فمنحه الله سبحانه هذه المِنحة العظيمة، وصبر أهل غزّة فمنحهم الله سبحانه عزّةً حُقّ لهم أن يفاخروا بها الدّنيا، وصبر أهل سوريا فمنحهم الله عز وجل نصرًا أذهل أهل الأرض، فما أعظمه مِن جبّارٍ، جبر القلوب الكسيرة، وقهر أعتى الجبابرة والأكاسرة، فله الحمد والمنّة.