1- فضل التَّوبة
2- مجتمع التَّوَّابين
3- دركات السَّفالة
مقدمة:
الظّلم والخطيئة فرعٌ عن بشريّتنا، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ).
ليس هذا الحديث دعوةً لمقارفة الذّنب، لكنّه بيانٌ لطبع الإنسان، وبيانٌ لكرم الله، فكما أنّ مقارفة الظّلم مِن لوازم بشريّتنا فإنّ العفو والمغفرة والرّحمة والكرم والحِلم مِن صفات الله، وسيظهر في هذا الكون ما اتّصف به ربّنا.
والبشر خطّاؤون مِن اليوم الأوّل {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
وذلك يوم سكنوا جنّةً أبيحت لهم إلا شجرةً {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 19].
وفي لحظةٍ ما تركا الجنّة وذاقا الشّجرة {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22].
والعلاج أيضًا تعلّمناه مِن أبينا، تاب وأناب فأرجعه الله إلى الجنّة {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49].
1- فضل التَّوبة
فتح الله سبحانه باب التّوبة لعباده وحثّهم على ولوجه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزّمر: 53].
وأثبت الله حبّه للتّوّابين {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
وامتدح في كتابه الّذين يرجعون إلى ربّهم بعد أن يذنبوا، وعدّهم مِن المتّقين {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 133-135].
فلا يلزم للمرء حتّى يكون تقيًّا ألّا يقع يومًا في خطأ، بل يلزمه إذا وقع في خطأٍ أن يبادر إلى باب ربّه فيطلب العفو، وبذلك تتحقّق تقواه.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقد غُفر الله له ما تقدّم مِن ذنبه وما تأخّر- يحثّ النّاس على الاستغفار؛ فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وقد جعل الله سبحانه التّوبة علّةً للفلاح، فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النّور: 31].
وعدّ مَن لم يتب ظالمًا {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
وجعل التّوبة بابًا للجنّة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التّحريم: 8].
وفي سورة هودٍ فقط تكرّر الأمر بالتّوبة أربع مراتٍ، في سردها إطالةٌ.
2- مجتمع التَّوَّابين
لقد استقرّت هذه المعاني في مجتمع الصّحابة، حتّى نُقل إلينا العجب مِن حرصهم على التّوبة، عن عَبْد اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: (أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا، تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟) فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، قَالَ، فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: (إِمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي)، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: (اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ)، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: (مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ)، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على توبتها؛ ليثبت هذا المعنى في مجتمع الصّحابة.
إنّ لنا ربًّا كريمًا يعرض التّوبة على عباده كلّ ليلةٍ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ).
3- دركات السَّفالة
قبّحت الشّريعة الظّلم بكافّة أشكاله، وعلى هذا نصوصٌ مشهورةٌ منثورةٌ، تُغني شهرتها عن استعراضها، ثمّ نهت عن الرّكون إلى الظّالمين {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113].
وجَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رحمه الله فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ، أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ.
وبما أن الظّلم مراتب ودركاتٌ، وكذلك الرّكون إلى الظّلمة، فالعدل يقتضي الجمع بين المتشابهات، والتّفريق بين المختلفات، فمَن كان مِن رؤوس الإجرام فالفداء رأسه، أمّا إن اقتصر على الحدّ الأدنى مِن مناصرة الظّالم ليحفظ بها حياته وليدفع عنه ظلمه فهذا شأنه أهون، وقبول عودته أدعى، إذ حالة الاضطرار ألجأته، وللضّرورة أحكامٌ، صحيحٌ أنّه كان بإمكانه أن يسيح في الأرض فيفرّ بدِينه {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النّساء: 97-99].
وبين هاتين الرّتبتين تتدرّج حالات مناصرة الظّالم، ويتدرّج الحكم على مَن تاب منها: فمقبولٌ منه مسكوتٌ عنه، مهملٌ لا نصدّره على الشّاشات، ولا نعطيه الحقّ في الكلام المؤثّر على الشّاشات الثّوريّة، إذ استحقاق الكلام على تلك الشّاشات لا يكون لكلّ أحدٍ، لأنّه إذا تكلّم ربّما أضرّ بصورة الثّورة في الأذهان، وبرّر القعود عنها، وألحق بالقائمين بها صفات التّهوّر والطّيش، ومِن العجب أن بعض رجالات النّظام البائد تحصلّوا على السّاعات الطّويلة على شاشاتٍ نحسبها ثوريّةً ليبرّروا وقوفهم مع النّظام وليقولوا إنّهم كانوا مع الوطن لا مع الظّالم، فلا ينقضينّ عجبك مِن ذلك، ومقبولٌ منه مشهّرٌ به فلا يُنتفع منه بعدُ ولا يُستكفى، ومقبولٌ منه يحقن بالعفو دمه دُون ماله، فيدرك العفو دمَه فيحقنه، لكنّه يقصُر عن ماله فلا يعصمه، أمّا الكبراء فلا عصمة ولا كرامة، وهذا كلّه مِن نظر المصلحة، وتقدير المصالح منوطٌ بمَن ولّاهم الله الأمر، وعليهم بعد أن يتدبّروا الأمر أن يبيّنوا وجه قراراتهم للنّاس، حتّى لا يبقى في النّفوس شيءٌ، ولا يشعر الثّوّار بالخوف على ثورتهم، فيظلّون في حالة شكٍّ وتوجّسٍ مِن قرارات الحكم الحاليّ، أمّا الأحكام الغريبة غير المعلّلة فمَن يستطيع عليها صبرًا؟ {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: 67-68].
وقد ظهر عقيب الثّورات إجراءٌ يجدر أن يُتّبع بعد نجاح ثورتنا، وهو العزل السّياسيّ، فقد سنّوا في مصر وليبيا قوانين العزل هذا ما يساعد على حماية الثّورة مِن أعدائها السّابقين، ويلحق بالعزل السّياسي العدالة الانتقالية.
خاتمةٌ
إنّ الخطيئة لازمةٌ مِن لوازم بشريّتنا، والحلم والعفو والكرم مِن صفات ربّنا، وقد زيّن الشّرع لنا التّوبة وفتح بابها، وعدّ علماء السّلوك المعصية الّتي تجلب انكسار العبد وذلّه خيرًا مِن الطّاعة الّتي تورثه العُجب والاستكبار، إذ الذّلّ والانكسار يوافق صفة العبوديّة فينا.
وربّنا إذ شرع التّوبة شرعها ليعود المخطئ عن خطئه؛ فلا يستمرّ فيه، لكنّه لم يجعلها مسقطةً لحقوق العباد إلّا في استثناءاتٍ نصّ عليها الفقهاء، تتمّ فيها مراعاة المصلحة العامّة، كعودة البغاة عن بغيهم وتركهم لمحاربة أهل العدل.
وإذا تاب مَن مالأ النّظام المجرم البائد عن قبيح فعلته فيُنظر في ممالأته، فكلٌّ له حكمه، وما ينبغي أن يكون لكبارهم نجاةٌ ولو تعلّقوا بأستار الكعبة، أمّا صغارهم فليغيّبوا عنّا وجوههم، فلا يملؤون علينا الشّاشات، وليُثبت الصّادقون في توبتهم صدقها بأن يتوبوا ويصلحوا ويبيّنوا ويعتذروا عن خطئهم ويناصروا الثّورة في وقعاتها القادمة، أمّا مَن نال الأمان المؤقّت فنقَضه فله السّيف، لا يخرج على وسائل التّواصل يمسح عارضيه يقول "خدعتُ الثّورة مرّتين" أولئك {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90].
هم جرّدوا السّيف فاجعلهم له جزرًا وأوقدوا النّار فاجعلهم لها حطبا
أيحلبون دمًا منّا ونحلبهم رِسْلًا لقد شرّفونا في الورى حلبا
لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها إن كنت شهمًا فأتبع رأسها الذّنبا