الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
مصادر القوة عند المؤمن
الأربعاء 5 ربيع الأول 1437 هـ الموافق 16 ديسمبر 2015 م
عدد الزيارات : 9433
مصادر القوة عند المؤمن
عناصر المادة
1- مصادر القوة:
2- ثمار القوة عند المؤمن:
3- القوّة التي تقوم على غير أساس سليم مآلها الانهيار:
4- لا تُطلَب هذه القوة الحقيقية إلا من الله:

مصادر القوة عند المؤمن


المقدمة:
ما أشدّ حاجة الإنسان إلى قوة تسند ظهره وتشد أزره وتأخذ بيده وتذلل له العقبات، وتقهر أمامه الصعاب، وتنير له الطريق، وليست هذه القوة المنشودة إلا في ظلال العقيدة الاسلامية، ورحاب الإيمان بالله تعالى، ولذلك نجد المؤمن لا يستعبده منطق المادة، ولا لغة الأرقام، فتراه يقدّم من ألوان التضحية، وضروب البذل والفداء ما يعتبره بعض الناس تهوراً بل جنونا.
 

1- مصادر القوة:

 إن المؤمن يستمد قوته من خمسة مصادر:
أولاً: الإيمان بالله: فالمؤمن قوي لأنه يستمد قوته من الله العلي الكبير الذي يؤمن به ويتوكل عليه، ويعتقد أنه معه حيث كان، وأنه ناصر المؤمنين وخاذل المبطلين
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [49 الأنفال]
عزيز: لا يَذِلّ من توكل عليه، حكيم: لا يضيع من اعتصم بحكمته وتدبيره.
الإيمان بالله: هو الذي يمدنا بروح القوة، وقوة الروح. فالمؤمن لا يرجو إلا فضل الله، ولا يخش إلا عذاب الله، ولا يبالي بشيء في جنب الله، وهذه القوة الإيمانية في المؤمن الفرد مصدر لقوة المجتمع كله، وما أسعد المجتمع بالأقوياء الراسخين من أبنائه!
وما أشقاه بالضعفاء المهازيل، الذين لا ينصرون مظلوماً، ولا يخيفون عدواً، ولا تقوم بهم نهضة، ولا ترتفع بهم راية!
التوكل على الله من ثمار الإيمان، وليس هو استسلام مُبْطِّل ٍ، أو استرخاء كسولٍ، بل إنه شحنة نفسية تغمر المؤمن بقوة المقاومة، وتشحذ فيه العزة الصارمة، والإرادة الشّماء، والقرآن الكريم يقصّ علينا كثيراً آثار هذا التوكل في أنفس رسل الله، إزاء أعداء الله، فهاهم الرسل جميعاً يعتصمون بالتوكل على الله أمام عناد قومهم وإيذائهم
حيث يقول جلّ جلاله: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [ابراهيم12]
ثانيا: الإيمان بالحق:
المؤمن يستمد قوته من الحق الذي يعتنقُه، فهو لا يعمل لشهوة عارضة، ولا لمنفعة شخصية، ولا لعصبية جاهلية، ولا للبغي والعدوان على أحد من البشر، ولكن يعمل للحق الذي قامت عليه السموات والأرض، والحقُّ أحقُّ أن ينتصر، والباطل أولى أن يندثر.
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء  18]
دخل ربعي بن عامر مبعوث سعد بن أبي وقاص في حرب القادسية، دخل على قائد جيوش الفرس رستم وحوله الأتباع والجنود، والذهب والفضة، فلم يبال ربعي بشيء منها، بل دخل عليهم بفرسه القصيرة، وترسه الغليظه، وثيابه الخشنة، فقال له رستم: من أنت؟ وما الذي جاء بكم؟
فقال له: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام..
حقاً إنه مؤمن بالله، ومؤمنٌ بالحقِّ على أرضٍ صلبةٍ غير خائرٍ ولا مضطربٍ، لأنه معتصم بالعروة الوثقى.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) [البقرة 256]
إنّ المؤمن خليفة الله في أرضه، إن تظاهر عليه أهل الباطل: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم 4]
فكيف يضعف المؤمن ومن ورائه الملائكة؟؟ بل قل لي بربك كيف ينحني للخلق ومعه الخالق؟!
هذا الإيمان هو الذي جعل بضع فتية كأهل الكهف يواجهون بعقيدتهم ملكاً جباراً، وقوماً شديدي التعصب، غلاظ القلوب مع قلة هؤلاء الفتية، وانعدام الحول والطول الماديّ.
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف 13]
ثالثا: الإيمان بالخلود:
المؤمن يستمد قوته من الخلود الذي يؤمن به، حيث يوقن أن حياته ليست أياماً معدودة في الأماكن المحدودة فقط، بل إنها حياة الأبد وهو ينتقل من دار الى دار،
وما الموت إلا رحلة غير أنها *** من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
فهذا عميرُ بن الحمام الأنصاري في غزوة بدر يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "والذي نفسي بيده ما من رجل يقاتلهم اليوم فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبرٍ إلا أدخله الله الجنة"،
 فيقول عمير: بخٍ بخٍ- كلمة تعجب – فيقول عمير: يا رسول الله ليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فأقتل؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم.
وكان في يد عمير تمراتٍ يأكل منها فألقاها من يده وقال: إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قُتِل.
رابعا: الإيمان بالقدر:
يستمد المؤمن قوته من القدر الذي يؤمن به، فهو يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لا يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وهذه عقيدة تعطيه ثقةً لا حدود لها، وقوةً لا تقهرها قوة البشر.
فقد كان الواحد من الصحابة يذهب إلى الميدان مجاهداً فيعترض سبيله المثبطون، ويخوفونه من ترك الأولاد، فيجيبهم: علينا أن نطيع الله كما أمرنا فإنه يرزقنا كما وعدنا.
وكانوا يذهبون إلى زوجات المجاهدين فيثيرون مخاوفهن على رزقهن إذا قتل أزواجهن في الجهاد، فتجيبهم تلك الزوجات في ثقة واطمئنان: عرفنا أزوجنا أكَّالين ولم نعرفهم رزَّاقين، فإن ذهب الأكَّال بقي الرزَّاق.
بهذا الاعتقاد ثبتت أقدام الأعداد القليلة منهم أمام جيوش يغصّ بها الفضاء، وتضيق بها الغبراء، ففتحوا البلاد، وسحقوا رؤوس الجبال تحت حوافر جيادهم، وأرجفوا كل قلب، وأرعبوا كل فريصة، وما كان قائدهم إلى جميع ذلك إلا الاعتقاد بالقضاء والقدر.
خامسا: الإيمان بالأخوّة
يستمد المؤمن قوته من إخوانه المؤمنين، فهو يشعر بأنهم له وأنه لهم، يعينونه إذا شهد، ويحفظونه إذا غاب، ويواسونه عند الشدة، ويؤنسونه عند الوحشة، ويأخذون بيده إذا عثر، فهو حينما يعمل يحسّ بمشاركتهم، وحينما يجاهد يضرب بقوتهم.
فإذا حارب جيشٌ تعدادُه ألفُ رجلٍ مؤمنٍ شعَر كل فرد منهم بأنه يقاتل بقوة الألف بشخصه وحده.
فإذا ضربت الألف بالألف كان المجموع المعنوي ألفَ ألفِ رجل في الحقيقة، وإن كانت ألْفاً واحدة في لغة الأرقام والإحصاء.
وما أعظم تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم حينما شبّه قوة المؤمن بإخوانه المؤمنين باللبنة في البناء المتين فقال: "المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. متفق عليه.
فاللّبنة وحدها ضعيفة مقدور عليها، ولكنها داخل البنيان تصبح مرتبطة به ارتباطا لا ينفصل حيث أصبحت جزءا من الكل الكبير، فلا يسهل كسرها، ولا زحزحتها عن موضعها، لأن قوتها هي قوة البنيان كلّه الذي يشدّها إليه، وهذه هي الأخوة الإيمانية الصادقة.

 

2- ثمار القوة عند المؤمن:

إن من ثمار هذه القوة عند المؤمن آثاراً في نفسه وأخلاقه، حيث أنها تجبر صاحبها على الالتزام بالحق مع القريب والبعيد، والصدق في كل حال، والعدل في كل حين فيعترف بالخطأ إذا زلت به قدمه غير جاحد ولا مكابر، ولا مبرر لخطئه بخطأ غيره، أو إلقاء التهمة على غيره؛ فيقول الحق ولو على نفسه، ويقوم لله شهيداً بالقسط ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) [النساء 135]
وإليكم شيئاً من سيرة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لتقدير ثمر النخل والزرع، وكان نخل خيبر مناصفة بين اليهود والمسلمين، فجاء اليهود إلى عبد الله بشيء كثير من الذهب والفضة على أن يجور معهم في التقدير، ويسقط عنهم بعض ما عليهم، فانتفض لذلك وقال: لقد جئتكم من عند أحبّ خلق الله إليّ وإنكم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ووالله ما يدفعني حبّي إياه وبغضي لكم إلى أن أجور عليكم، وإن ما دفعتم إليَّ من هذا الحليّ سحت ورشوة، وإنا لا نأكلها، فما وسعهم جميعاً عندما رأوا هذه القوة الإيمانية إلا أن قالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

 

3- القوّة التي تقوم على غير أساس سليم مآلها الانهيار:

انظر كيف تتداعى القوة القائمة على غير أساس سليم، ومبدأ قويم، فإذا هي تنهار لتصبح هشيماً أو رميماً:

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21]
فهذا هو الشيطان مثلاً: هو القوة الممثلة للشرّ والكبر والانحراف، يختال بجنوده ويغتر بأتباعه، ويزهو بمكره وكيده، ولكنّ هذا الطغيان يصبح واهياً أمام الإيمان، والله تعالى يقرر ذلك: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء 76]
وهذا هو قارون المغتر بنفسه، المعجب بثروته، المبهور بقوته في هذه الحياة:
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص 76-77]
جاءته الموعظة العادلة الفاضلة الهادية إلى خير العاجلة والآجلة، لكنّ قارون لم يسمع ولم يستجب، فهو غارق هناك في أمواج خيلائه، وطوفان كبريائه، يتباهى بقوته وعلمه، ويغتر بثروته وماله، ويظن أنه بهذا يستعصم على الضعف، ويتأبّى على الانكسار، ويبتعد عن الانهيار، ناسياً (أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) [القصص 78]
فماذا كان المصير؟
انقلب العزّ ذلّاً، والغنى فقراً، والقوة ضعفاً
(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص 81]
وهذا هو النمرود بكبريائه وعناده ادعى الربوبية، حتى قال مجادلاً لخليل الرحمن إبراهيم: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة 258]
اغتر بثروته وماله وملكه، حيث أنه أحد الأربعة الذين ملكوا؛ اثنان مسلمان: سليمان وذو القرنين، واثنان كافران: النمرود وبختنصّر.
فكان هلاك النمرود أن أرسل الله إليه بعوضة، فدخلت أنفه، وأصبحت تدور فيه، ولم تخرج، فبدأ جنده يضربون رأسه بمختلف الأشياء لتخرج البعوضة أو تموت، ولكنّ الله إذا أراد أمراً فلا رادّ لأمره، وبقيت هذه البعوضة تعذبه حتى مات على هذه الحالة كالكلاب.

 

4- لا تُطلَب هذه القوة الحقيقية إلا من الله:

لو تمكّن البشر من مصادر القوة في الدنيا بأنواعها، فإنها جميعاً بيد الله تعالى يصرِّفها كيف يشاء، فبين لحظة وأخرى تتغير الموازين وتتقلب حقائق الأمور وتغدو جميع أنواع المعرفة إلى جهل بالواقع والحقيقة.

فيا أيها المسلمون: إن القوة لا تُطلب من الخلق لأنهم ضعفاء، فالقوة الحقيقية تحصل عندما تتصل الأرض بالسماء، والدنيا بالآخرة، وتتعلق القلوب بالقوي المتين، فقوة الله فوق كل شيء (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [هود 66]
(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة 21]
نسأل الله عزّ وجلّ أن يحقق فينا الإيمان الحقّ، واليقين الصادق، وأن يرزقنا حسن التوكل عليه، والاستمساك بحبله إنه وليّ ذلك والقادر عليه.



 

1 - متفق عليه.
أبو قتيبة | سوريا 18/12/2015
أشكركم على تنسيق الملفات بصيفة البدي إف
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149