بإمكانكم الاستماع للخطبة عبر قناتنا الصوتية:
Shamkhotaba
( وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم )
قال تعالى: ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ).
عباد الله، لقد انسحبت روسيا من بلادنا، وامتن الله على عباده الضعفاء في جولة من أقسى جولات الصراع في هذه الثورة، لقد ثبتم حيث لا يمكن في حساب البشر الثبات، واستقبلتم الموت المرتقب، منتصبَي القامة، شامخي الرؤوس، لا تركعون ولا تخضعون إلا لله عز وجل. لقد حصل ذلك كله وهو حدث جليل، ومثال حيّ مؤثّر، ودرس بليغ للشعوب، هزَّ الاتحاد الروسي المخيف، وسلطان المادة والسلاح.
لو استطاع الروس الحسم ما انسحبوا. فمتى كان القادر على الحسم العسكري يتركه وينسحب؟! خابوا وخسروا فشامنا تحرسها الملائكة، ومجاهدونا هم أحفاد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد غامرَ بوتين يوم دخل إلى سوريا، فخسرَ كثيراً من شعبيّته، تراجعَ الروبل نحو ثلاثمئة بالمئة، واضطرت الحكومة الروسية الى خفض رواتب موظفيها بنسبة ثلاثين في المئة، وانهارت مداخيل روسيا بسبب انهيار أسعار النفط، أرهقتها العقوبات الأوروبية، وأضيفت النفقات الحربية على الأعباء الاقتصادية، وصدق الله: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ).
عندما دخل الروس أرض سوريا ظن كثير من الناس أن الشام قد ذهبت، فهذه روسيا مبتكرة السلاح المتطور، وصاحبة سياسة الأرض المحروقة، فمن يقف في وجهها؟! ولكن أما علموا أن الله أشد منهم قوة؟! قال الله عن عاد: ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ )
فوالله إن دعوات الأمهات الثكالى، والشيوخ الذين فقدوا أولادهم، والمرضى الذين فقدوا أطرافهم، وجميع من تشرد وذاق الويلات من العذاب، دعوات هؤلاء جميعاً لن تضيع عند الله.
فدعوة المظلوم ( تحمل على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ). وها هم الروس أصحاب القوة والهيمنة والسلاح بعد ستة أشهر يخرجون أذلة لم ينالوا خيراً.
قصفوا المدن الصامدة بالطائرات والمدافع، والدبابات والصواريخ، وحوَّلوها إلى خراب وحطام وألسنة من اللهب، وشرّدوا أهلها في هذا البرد القارس، وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ بقصفهم الوحشي. ولكنهم لم يستطيعوا حتى الآن أن يزلزلوا ثبات هذه الحفنات المؤمنة، الجائعة، الظامئة، المجْهَدة، من المجاهدين الصامدين ومن الشعب الأعزل، ولا أن يكسروا إرادتهم ويُوقِعوا في قلوبهم الوهن!
إن ثبات أهل الشام المذهل، وتصميمهم القاطع على الموت؛ دفاعًا عن دينهم وهويتهم وحريتهم واستقلالهم وكرامتهم، هو حدث يتجاوز حدود القوانين الأرضية؛ ليسمو إلى قوة عليا هي قوة رب البشر ومدبر أمر الممالك، وسامع دعوات الملهوفين والمشردين والمظلومين، الذي قال في كتابه: ( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ).
إن الأمم الظالمة المعادية للمسلمين أمم هالكة لا محالة، وهذه سنة إلهية ماضية، قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ ).
فأمريكا وروسيا وإيران وكل من ساندهم من دول الكفر والظلم هي أمم هالكة لا محالة؛ لأنها جمعت كل أسباب الهلكة التي جاءت في كتاب الله عز وجل، وكلما أهلك الله عز وجل أمة ذكر لنا أسباب هلاكها، وقد تجمعت هذه الأسباب جميعاً في هذه الأمم، فقد اتصفت بالكبر والظلم والترف والذنوب والعنصرية والبطر، وهي صفات لا تقوم مع وجودها الأمم وهو مفهوم لا بد أن يفقهه كل المسلمين.
فكما سمعتم خبراً عاجلاً عن انسحاب روسيا وفرحتم به أشد الفرح، فستسمعون خبراً عاجلاً بسقوط نظام الظلم والإجرام، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، فثقوا بالله الواحد الأحد.
إن الله إذا وعد لا يخلف وعده، ولكنه يصل بالامتحان إلى آخر رمق، ويصل بالاختبار إلى ذروته، ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ). فخزائن النصر بيده ينزلها حسب ما يشاء، في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء.
خرج موسى عليه السلام وقومُه، وتبعه فرعون وجنده، وهنا يبلغ الامتحان درجة خطيرة، فأتباع موسى رأوا أن الجبار الذي استباح دماءهم، واستحيا نساءهم، وتجبر في الأرض على أنقاضهم، يوشك أن يضع يده عليهم، وأن تعود الأمور سيرتها الأولى في الذل النازل بهم، والهوان الواقع عليهم، كما هو حال كثير من الناس اليوم، يظنون أن حكم الظالم سيرجع فإن من ورائه دول كبرى تسانده! قال الله: ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ، وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ).
لابد من اختبارات إلهية، واختبارات شديدة، قد تكون قاسية، ولكن نتيجتها ناضرةٌ تبيض بها وجوه المؤمنين، وتسود بها وجوه الظالمين.
لابد من أن يطلع الصباح مهما اشتدت الظلمة، ولابد أن تطلع الضحوة الكبرى مهما طال الليل، لكن لابد من الابتلاء والصبر.
عباد الله،
ومع انسحاب الروس من أرض المعركة، ينبغي علينا أن نعلم علم اليقين أن أعداء الإسلام لهم من اليقظة والمنعة والقدرة، والمكر والدهاء، ما جعلهم يصنعون الكثير لضرب الإسلام، والنيل منه، فالمخطط الغربي في بلاد المسلمين مخطط مسبق وقديم، وليس تدخلهم هو لمكافحة الإرهاب كما يدعون اليوم أو لإنقاذ الشعب المظلوم، وليس بسبب أسلحة دمار شامل كما ادعت أمريكا في العراق. إنما هي حرب على الإسلام لإذلال المسلمين. ولكن هيهات هيهات
تاللــهِ ما الدَّعَــــواتُ تهْزَمُ بالأذى أبَداً وَفـــي التاريـــــخِ برُّ يَمِينِــــي
ضَعْ فِي يَدِيَّ القيدَ ألهِبْ أضْلعِي بالسَّوْطِ ضَعْ عُنقِي عَلى السِّكينِ
لنْ تسْتطِيعَ حِصَارَ فِكرِيَ ساعَة أوْ كبْـــــــحَ إيمَانِـــــي وَرَدَّ يَقِينِـــي
فالنورُ فِي قلبي وَقلبي في يَدَيْ رَبِّــــي وَرَبِّـــي حَافِظِــــي وَمُعِينِي
فيا أيها المجاهدون على أرض الشام: تعلموا من تاريخ الأمم قبلكم أن الحق الذي اعتنقتموه، وأن اللواء الذي رفعتموه، لا بد له من جيش محتسِب يبذل دون كلل، ويكافح دون ملل، وهكذا قيل للمؤمنين: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ). ( وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله.