عناصر الخطبة
1- ذلة المسلمين اليوم وفقدتهم إرادة التغيير.
2- انتصار إخواننا العزل في أفغانستان.
3- هزيمة عام 67 لا تعني أن يستمر الإحباط إلى مالا نهاية.
4- تغير الظروف والمؤشرات بعد تلك الحرب.
5- إسرائيل هزمت التيارات الوطنية والقومية ولم تواجه بعد الراية الإسلامية.
6- الأمل في نصر الله كبير ، والقنوط منه حرام.
الخطبة الأولى
عباد الله: تنوعت أقاويل الحكماء وأهل الغيرة والدين في سبب ما وصلت إليه الأمة المسلمة من وهن وضعف واستخزاء لأعدائها, وما وصل إليه أعداؤها الأذلاء من اليهود من غرور وكبرياء ووقاحة أفصح عنها مجموعة منهم حين رفعوا لافتات كتب عليها (الإسلام = التطرف) كما نشرته جريدة الحياة اليوم.
ونشرت عن نتنياهو: أن روسيا وإسرائيل تقفان في خندق واحد ضد عدو مشترك, فما سبب هذا الوهن والمذلة التي منيت بها أمة المليار مسلم وأمة أكبر احتياطي للنفط في العالم, وأمة الأراضي الخصبة, وأمة المواد الخام في كل شئون الحياة, وقبل ذلك كله وأهمّ منه كله أمة القرآن, أصدق حديث, وأصدق قيل, وأحسن حديث, وأحسن قصص, وأحسن تفسير, وأمة خير نبي ((أنا سيد ولد آدم)), أوتي القرآن ومثله معه ((ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه)) وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى, أمة هي خير أمة أخرجت للناس, لقد ذهل كثيرون من هذا الوهن الذي منيت به أمة الإسلام, وكشفت عنه الأحداث الأخيرة في فلسطين وتداعياتها.
وتساءل كثيرون: هل أزمتنا أزمة إرادة؟
لأن المعطيات كلها متوافرة ولا ينقص إلا الإرادة, والله يقول: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة), وليس في الأفق أي بارقة أمل تدل على الإعداد, بل ولا على مقدماته, فدلّ ذلك على عدم الإرادة أصلاً! إذ لو وجدت الإرادة لتبعها الإعداد ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ثم فقدان الإرادة وضعفها هل هو في القادة فقط والشعوب منه بريئة؟ أم هو شامل حتى للشعوب؟ بدليل أن كثيرًا من الشعوب لم تحدث نفسها بالغزو أصلاً, بل يوجد من أفراد المسلمين كثيرٌ لم يخطر بباله أن يغزو يومًا من الأيام, بل ربما هيأ نفسه للفرار من أقطارها, فهم كما قص الله عن المنافقين: (ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبسوا بها إلا يسيرًا).
إن الأفغان حين اجتاحهم السوفيات لم يكن بأيديهم سوى العصي وبنادق الصيد القديمة, وكان عدوهم يملك أقوى ترسانة نووية في زمانه, فلما ملكوا الإرادة والتصميم والثقة المطلقة بنصر الله ووعده, قاوموا الغاشم وأخذوا منه سلاحه وقاتلوه به حتى قويت شوكتهم ونصرهم الله على عدوهم, ولا يليق بمشغب أن يقول ساندتهم أمريكا, ولولا ذاك لما انتصروا؛ لأننا نقول: إنهم بدأوا المقاومة ولم يحسبوا حساب مساندة أمريكا لهم, ثم من يقول إنك لو قاومت لن تجد دعمًا من دول أخرى ولو بحرّ مالك, كيف وأمة الإسلام تستطيع الاستغناء بالله وحده بما معها من عدد وعُدَد, ثم لم يلبث هذا الدب الغاشم أن دحره الله وشتت شمله وفرق جمعه, وكسر شوكته, وقل مثل ذلك في البوسنة والشيشان في حربهم الأولى كيف دحر الله أعداءهم من الصرب والروس وخرجوا منهزمين.
لو وجدت الإرادة لفتحت الحدود المحيطة بإسرائيل للمجاهدين ضدها, لو وجدت الإرادة لقوطعت كل الأمور التي تكون سببًا لقوة إسرائيل مباشرة أو بواسطة, لو وجدت الإرادة لما سجن دعاة الإسلام وعلماؤه في سجون فلسطين على يد بني جلدتهم بضغوط من اليهود من أهل السلام.
إنه ليس هناك أي دليل على إرادة صادقة عند أمة الإسلام لمواجهة عدوها, فما هذا الوهن والإحباط, ألم يسمعوا قوله سبحانه: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وقوله:( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) أغرهم هزائم منوا بها فيما سبق فقاسوا حالهم اليوم على حالهم أمس, إنه قياس مع الفارق.
إن الحروب السابقة جرت حين كانت التيارات الأرضية من بعثية وناصرية وقومية وشيوعية وغيرها هي التي توجه الشعوب, فصرفتها عن طبيعة المعركة إلى رايات جاهلية, أما اليوم فإن الأمر قد اختلف؛ حيث غربة الإسلام بدت تتقشع شيئًا فشيئًا بفضل الله أولاً ثم بفضل جهود العلماء المخلصين العاملين الربانيين في هذه البلاد وغيرها من بلاد الله, وإذا أردت أن ترى مصداق ذلك فانظر كم من الناس كان يعرف ابن عثيمين حفظه الله عام 1393هـ, وهو زمن حرب رمضان, كم كان يعرفه في هذه البلاد؟ إنه لم يكن يعرف خارج بلدته, واليوم يصدر الناس عن فتواه في مشارق الأرض ومغاربها, وانظر كم دفعة تخرجت من الجامعة الإسلامية منذ تلك الحرب إلى اليوم؟ إنها ثلاثون دفعة وكل دفعة فيها ما لا يقل عن مائة طالب توزعوا في أقطار الأرض شرقها وغربها, وقد تحملوا من العلم النافع والعمل الصالح والسمت الحسن من العلماء الربانيين من أمثال الشيخ بن باز رحمه الله وغيره كثير رحم الله أمواتهم وختم لأحيائهم بخير, وكثير منهم عين داعية إلى الله على منهج السلف في بقاع شتى من الأرض, ومن كان له بصر بمثل هذه الأمور عرف الأثر العظيم الذي تركوه في مناطقهم, فكيف بخريجي الجامعات الإسلامية الأخرى, ومن طلب العلم في الحلقات وغيرها, كدار الحديث وجامعة الإمام ومعاهدها الإسلامية, لاشك أن لجهود العلماء الربانيين المخلصين في هذه البلاد وغيرها أثرًا تغيير المعادلة ومعطيات القضية ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين إنهم يكيدون كيدًا وأكيد كيدًا فمهل الكافرين أملهم رويدًا.
ولاشك أن لهم أثرًا عظيمًا في كشف الغربة الثانية التي ألمت بالإسلام وتجلية كثيرٍ من حقائق الدين والذب عنه, ودحض الشبهات المثارة حوله.
ثم أمر آخر كان له أثر في الفارق الكبير بين هذا الوقت وأوقات الهزائم السابقة, ذلكم هو ثورة الإعلام والاتصالات التي حدثت في العالم كله, فجعلته كالقرية الصغيرة, يلقى الخطاب في أقصى العالم فيسمع في نفس اللحظة في أقصاه من الجهة الأخرى, واعتبروا ذلك بحادثة الغلام القتيل الذي ارتج العالم لمصرعه وبكى عليه أقوام وتباكى آخرون, وما شهر بجريمة اليهود في قتله إلا الإعلام.
إن الهزائم السابقة كان الخونة فيها يملكون أن يمنعوا عن شعوبهم ما يريدون منعه من المعلومات والأخبار, أما اليوم فإن الشعوب تبصر ما لا يحب الظالمون أن تراه شعوبهم, وتسمع ما لا يشتهي الظالمون, وتقرأ وتطلع على ما لا يرغبون, فما يكتمه هذا يفضحه ذاك, وهكذا دواليك, أفلا تمثل هذه الثورة الإعلامية في عصر الاتصال والفضائيات عنصرًا يستحق أن يشكل فارقًا يمنع القياس على ما مضى.
لقد جرب الناس الرايات كلها في حروبهم إلا الراية الإسلامية, والله يقول: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )ويقول: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) ويقول: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) ويقول: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذين ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).
لو أصلحت الأمة ما بينها وبين ربها لجاءها النصر, أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير أي والله إنه ليعفو عن كثير, ولولا ذاك لأخذنا أخذ عزيز مقتدر, فلنتب إلى الله ولنحسن العمل, فقد كان أصحابه إذا تأخر النصر تفقدوا أنفسهم فظفروا بعز الدارين, ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقون لا يعلمون نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم.
الخطبة الثانية
عباد الله: إن رصيد الأمة واحد, رصيد الإعراض عن شرعه والمعاصي التي تقارفها يكون ضررًا عليها وسببًا لعقوبتها, والغُنْمُ بالغُرْم, فرصيد التضحيات أيضًا واحد, فكل ما يعانيه الصادقون الربانيون من حمله الإسلام من أذى وتطريد وقتل وتشريد هو أيضًا رصيد يصب في صالح الأمة كلها بإذن الله فتستحق به إذا صبرت نصر الله وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا.
لكن الإمامة في الدين لا تكون إلا بالصبر واليقين( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) ولا تكون للظالمين أبدًا (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين), لا تكون لمن (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) ولا لمن (يسارعون فيهم )ـ أي في اليهود ـ (يق ولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)
((إن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرًا))وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لن يغلب عسر يسرين)).
إن إسرائيل تقرع الآن طبول الحرب عبر تصريحات قادتها, وقد جرت عادتها أن إذا أرادت حربًا تغير بها خارطة المنطقة وتحتل بها مواقع جديدة أن تفتعل حدثًا كزيارة شارون مثلاً لتتذرع به لتنفيذ مخططاتها التوسعية, ونجحت في كل حروبها وأطماعها الماضية فهل تنجح الآن؟ وهل تخطئ حساباتها الآن أم تصيب, أملنا في الله كبير وهو القائل: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون, والقائل: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ) ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).