1- حلب ضحية الخذلان
2- التوجيه الرباني عند الابتلاء والمحن
3- هدي المرسلين والصالحين عند اشتداد المحن
4- فعلم ما في قلوبهم ...وأثابهم فتحاً قريباً
5- أيها المجاهدون
6- الواجب تجاه حلب
مقدمة:
هنا حلب.. هنا مصنع الرجال.. هنا الأطفال أبطال.. هنا خنساوات الأمة.
إلى حلب ينظر العالمُ كلُّه، يتفرج ويتحدث ويشجب ويستنكر.
يا راقداً والفجر ينتحبُ ... والدمع في عينيه ينسكب
ألم تسمع الأنباء عن حلب ... تُدَكُّ فما ينفع الشجْبُ
لا تسألي عن صلاح الدين يا حلبُ ... صلاحُ ولى وأصحاب العلى قد ذهبوا
بل اسألي كيف غابت عنك أمتنا ... وأين ضاع الكرم والعربُ
يا قادة الجهاد مِن تفرقكم تسلط عدوكم على أهلكم {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى ... خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسّرا ... وإذا افترقن تكسرت آحادا
قال صلى الله عليه وسلم: (وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)
ألم تر أن جمع القوم يخشى ... وأن حريم واحدهم مبـاح.
1- حلب ضحية الخذلان
أيها المسلمون: أوما رأيتم ما يحصل في حلب؟
أوما رأيتم تلك المقاطع التي والله يقشعر لها البدن ويتقطع لها القلب من كمد؟
لقد استأسد الكلب والدب عليهم فما تركوا سلاحاً إلا وجربوه فيهم، قنابلٌ إرتجاجية تحدث زلازل موضعية وتخترق الملاجئ والمخابئ التي يحتمي بها أطفالٌ ونساءٌ ومدنيون أبرياء ما جنوا ذنباً، وقصفوهم بغاز النابالم الذي يحرق الأجساد ويذيبها.
كيف يستطيع إنسان في هذه الأيام أن يتجاوز مذابح القيم في حلبنا الشهباء وشامنا الحبيب, وهو يرى غدر القريب وخذلان البعيد وخيانة الراعي للرعية.
نساء وأطفال لم يحملوا حتى الحجر, نثرت صواريخ الغدر حجارة منازلهم, وتشظت تحت الركام أجسادهم ؛ ترى الأذرع مبتورة, والأجسام تحت ركام المنازل مقبورة, في صوٍر تنبئ عن مقدار خواء نفوس مرتكبيها من الإنسانية والُمثل, وتجُّرد أفعالهم من الشيمة والنبل
جرت دماء الحلبيين جريان دجلة والفرات, على يد عدو يدعي السلام ومحاربة الإرهاب على وجه لا يحتمل العذر ولا تستره المبررات .
أطفال أصبحوا عبارة عن أرقام، ذكرى بجوار ذكرى، وحكاية بجوار حكاية، ألم بجوار ألم، حتى أطفالنا أغلى ما نملك أصبحوا أرقام، أصبحوا حكايات..
شامنا كادت تضيع، ويمننا وبغدادنا، وقدسنا في الأسر، وهكذا نحن كالنساء لا نملك إلا خطباً وعويلاً، تُحتلُّ الشآم ولا نملك إلا خطباً وعويلاً..
بغداد واليمن والقدس وبورما تغصُّ بالدماء ولا نملك إلا خطباً وعويلاً..
تباد حلب ولا نملك إلا خطباً وعويلاً..
حتى الأطباء الذين يداوون الجرحى قتلوهم.
فمن يداوي جراحنا؟
فمن يداوي آلامنا؟
فمن يداوي أوجاعنا؟
عذراً حلب.. فسيوف العُرْبِ من خشب.
لا لن أصيح بأمتي وامعتصماه فشكايتي وصلت إلى الرحمن
يا شام حسبك ما رواه نبينا أنت الملاذ آخر الأزمان
هنا حلب.. هنا مصنع الرجال.. هنا الأطفال أبطال.. هنا خنساوات الأمة.
إلى حلب ينظر العالمُ كلُّه، يتفرج ويتحدث ويشجب ويستنكر.
يا راقداً والفجر ينتحبُ والدمع في عينيه ينسكبُ
ألم تسمع الأنباء عن حلب تُدَكُّ فما ينفع الشجْبُ
لا تسألي عن صلاح الدين يا حلبُ صلاحُ ولى وأصحاب العلى قد ذهبوا
بل اسألي كيف غابت عنك أمتنا وأين ضاع الكرم والعربُ
إن حال المسلمين اليوم كقطيع من الأغنام ترعى أرضاً مُسْبِعة، فرعتها الذئاب والسباع وافترست بعضها وشتتت البعض الآخر، في غياب الراعي الأمين، والحارس الرقيب، وأمم الكفر ترى، يدعم بعضُها بعضاً، ويناصر بعضُها بعضاً، ويعينُ بعضُهم بعضاً بكل العوامل المادية والمعنوية.
أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، حكاما ومحكومين، صغاراً وكباراً ونساء ورجالاً: اعلموا أن ما يحصل اليوم في تلك الديار من مآسي وآلام أمرٌ يجبُ رفعه، ومنكرُ فضيعٌ يجب إزالته بشتى الوسائل والطرق، وهو عارٌ في جبين كل مسلم تقاعس عن أداء الواجب أو قصر في النصرة مع قدرته واستطاعته، وكل من قصر عن نصرة إخوانه بأي نوع من أنواع الإعانة وهو قادر لهو آثمٌ إثماً عظيماً، ومفرِّطٌ تفريطاً عريضاً، يخشى عليه من عاقبة تقصيره.
قال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ)
أما لله والإسلام جندٌ تدافع عنه شبانٌ وشيبُ
فقل لذوي البصائر فينا أجيبوا الله ويحكموا أجيبوا
يا حكام العرب: إن لكم موقفاً بين يدي الله تشيبُ منه مفارق الوِلْدَان، سيسألكم ربكم يا من ولاكم الله زمام أمور هذه الأمة، ألا فانتظروا عقوبة توازي عقوبة الخذلان إن لم تنصروا إخوانكم، أما حركتكم صرخات الثكالى والأطفال؟ أما أقضَّت مضاجعكم نداءات المضطهدين؟ أما شاهدتم حلب؟
يا دار يعرب هل ما زلتموا عربا أنعى العروبة أم أنعى لكم حلبا
ما حركت صرخة الأطفال نخوتكم ولا النداءات أما أجلبت .. وأبا !
وفي بقايا حمص العدية من خذلانكم قصة لا تنقضي عجبا
وفي مضايا مضى صنع الطغاة بنا جوعا بجوع وبطشا جاء واقتربا
ضجت مآذن أرض الشام قاطبة أين الليوث التي قد زمجرت غضبا
وأين سعد يذيق الفرس غصتهم فيشربون ولا بأس وما شربا !
وأين خالد والرومان خاضعة فيشرق المجد وضاحا ومنتصبا
وأين قعقاع تهتز الجيوش له فيهربون وما عاش الذي هربا
وأين سيف صلاح الدين يشهره حزما وعزما وإمضاء إذا وثبا
والله لا قالت الأشعار ٓ قافيتي والشام مسلوبة والعُرْب من سلبا
حتى تعود شآم العز باسمة أرى دمشق وحمصا أو أرى حلبا
أرى دياري وقد غنى اليمام بها لحن الوصال فتهتز الربى طربا
عليك مني سلام الله أبعثه يا قبلة الحرف إن غنى وإن سكبا
2- التوجيه الرباني عند الابتلاء والمحن
قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42].
إن البأساء والضراء سنة الله في الأمم، لكن الله وجه هذه الأمة لما ينبغي عليها فعله عند الشدة وتزاحم المحن، وبهذا امتازوا عن الأمم، فوجههم بقوله: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43].
وحذرهم من أن يعرضوا في أحوج ما يكونون إلى هذا التضرع والتذلل لربهم من أن تقسو قلوبهم، فقال مستنكراً أن يكون هذا حال من كان أضعف ما يكون وأحوج ما يكون إلى نصر ربه ومولاه {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} ثم بين عاقبة ذلك إن حصل {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 43-44].
فالتضرع لله هو الحل الأسرع لأزمتنا، والدواء لجراحنا.
يقول ابن القيم-رحمه الله-: "فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن، وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم".
3- هدي المرسلين والصالحين عند اشتداد المحن
ومن هنا كان تضرع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام والتجاؤهم إلى الله سمة بارزة وحالة ملازمة إذا نزل بهم البلاء واشتد عليهم الكرب , فكان نداء نوح عليه السلام ربه أن ينجيه وأهله من الكرب العظيم, كما كان التجاء ابراهيم عليه السلام إلى الله وحده أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى زوجه وولده, وافتقار أيوب عليه السلام أن يكشف الله ما نزل به من ضر, واستغاثة يونس عليه السلام في ظلمة جوف الحوت وقاع البحر أن ينجيه من الغم, كما كانت شكوى يعقوب عليه السلام لله وحده: {قالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86]
وهذا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه أشد ما يكون تضرعاً وقت الحروب والأزمات, ففي غزوة بدر الكبرى أكثر من التضرع إلى الله والإلحاح بالدعاء إليه سبحانه مما لاينتهي منه العجب, ففي الحديث الصحيح عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ في الأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ} فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ.
وعلى ذلك دأب الصحابة من بعده، فانظروا إلى صنيع عمر رضي الله عنه عام الرمادة، يصف ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيقول: كان عمر بن الخطاب أحدث في عام الرمادة أمراً ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب، فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول : "اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي".
فهل تضرعنا لله ؟ وكم تضرعنا ؟
4- فعلم ما في قلوبهم ...وأثابهم فتحاً قريباً
أيها المحاصرون، أيها المظلومون: من كان يعتمد وينتظر أن يأتيه النصر من الشرق أو الغرب فليراجع حساباته، فإن الله سبحانه أيأسنا من ذلك، فقال جلّ جلاله: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
ومن كان ينتظر النصر والمدد والفرج من الله، فإن الله بشرنا بدنوّ ذلك فقال: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].
فعلى من نتوكل وإلى من نلجأ؟ على من خذلنا وغضّ الطرف عن أنهار دمائنا التي سفكت، أم نعتمد على من بيده نصرنا وعزنا وهو أصدق من وعد؟.
ما أحوجنا إلى تمثّل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (اللهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْته أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُك، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إِلَّا بك)
ربما شكى البعض الدمار والخراب، والجوع والحصار، والخوف.
فتذكروا أيها الصابرون الصامدون أن خير الخلق صلى الله عليه وسلم ربط على بطنه الشريف الحجارة من شدة الجوع، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: "ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ"، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: "الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا"
وتذكروا كيف أن الصحابة رضوان الله عليهم شكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوف على أنفسهم، فقال أحدهم يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا فيه السلاح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لن تغبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة)
وإن كنا نشكو الحصار فقد حوصر خير الخلق ومعه من وصفهم بأنهم خير القرون في يوم الخندق، وحوصر قبل ذلك في شعب أبي طالب، لكنه مع الجوع والخوف والحصار يوم الأحزاب بشر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته والأمة من بعدهم بفتح الشام، فأبشروا ببشرى الله لكم.
إن الحديث عن أطراف دولية، والتزام بتعهدات، وتدخل لإنقاذ الشعب السوري وفك الحصار عن حلب، ما هو إلا تضليل إعلامي؛ فالحرب صليبية بتنسيق أمريكي روسي.
لن نعتمد على شرق أو غرب سنقاتل بما نملك من سلاح وعتاد، معتمدين على جبار الأرض والسماء، وحاشاه جلّ جلاله أن يخذلنا.
إن أقرب وأسرع وأعظم الفتوحات تُنالُ بصلاح النية، فهذه أم المدائن فُتِحت بصلاح القلب، قال تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح 18-19].
5- أيها المجاهدون
لا يقعدكم عن الجهاد قوة للعدو ولا وقف للدعم ولا وصاية من الخارج، ليكن شعاركم: أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي، ألا فحركوا جبهاتكم، وأشغلوا عدوكم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، ولا تضعفوا في طلبهم وابتغائهم.
إخوانكم في حلب يستنصرونكم ويستنفرونكم، وقد تعودوا منكم مسابقتهم في انتصاراتهم.
ألا لا تجعلوا أعداء الله يستفردون بهم فينتهون منهم ليبدؤوا بكم، واعلموا أن الله يقول: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].
ألا لا تسلموا إخوانكم لمجرمين يستأصلوا شأفتهم، هيا انفروا إلى ساحات العزِّ وكونوا أصحاب قرار فعدوكم اليوم يهابكم..
لا تنظروا إلى المناطقيات التي قتلتنا، والمسميات التي أخرت نصرنا..
لقد اجتمع على إخوانكم من بأقطارها رغم اختلاف مللهم ونحلهم، أفلا تجتمعون أنتم ودينكم واحد؟!
فيا أهل الشام طوبى لكم.. جمِّعوا قواكم.. شُدُّوا من أزر بعضكم.. افتحوا جبهاتكم.. أروا الله من أنفسكم خيراً
والله لتُنْصَرَنَّ سوريا رغم أنفك يا أسد
والله لتُنْصَرَنَّ سوريا رغم أنفكِ يا إيران
والله لتُنْصَرَنَّ سوريا رغم أنفكِ يا روسيا
والله لتُنْصَرَنَّ سوريا رغم أنوفكم يا خوارج
فيا أيها المجاهدون الأبرار: أحيوا سُنَّةَ جدكم عمر.. اضربوا الرأس.. فإن الشيطان يسكنها.
يا أبناء الشام:
حثالةُ البغي صالت فأين عهدُ الحواسم
نسوا بأنكم أباةٌ تذودون ذود القشاعم
نسوا بأن أجدادكم وطئت بالخيل عرش الأعاجم
نسوا بأن نساء الشام أنجبن رجالاً كخالد وأبي عبيدة والقعقاع والعباس وحمزة..
وأن راية الفاروق لن تهزمها راية أبي لؤلؤة المجوسي ولا راية الروس ولا غيرهم بحال..
وأن الفروج التي نذرت نفسها للمتعة لا يمكن بحال أن تنجب أبطالاً كأبناء عائشة في النزال..
لن يستويَ الطرفان من أي وجه كان..
إن الله متمُّ نوره ولو كرهوا .. هذا وعد ربنا.. فورب السماء والأرض إنه لحقٌ مثلما أنكم تنطقون، إنه لحق لأن الله قال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].
إنه لحق لأن الله قال: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحبُونَ} [الأنبياء: 105].
فاغزوهم كما يغزونكم.. صولوا عليهم كما يصولون عليكم.. نالوا منهم كما ينالون منكم.. ولستم سواءً .. قتلاكم بإذن الله في الجنة، وقتلاهم في النار وبئس القرار.
{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء 104].
6- الواجب تجاه حلب
إننا اليوم أمام أكلحِ فصلٍ في تاريخ هذه الأمة، وسط تنكرٍ من القريب والصديق!
فما الواجب علينا تجاه أمة من المسلمين تحاصر بالموت والقتل والخوف والدمار !؟
الواجب على الأمة كلها المناصرة بالدعاء والتثبيت وإظهار التلاحم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ)
وقال: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ)
الواجب على كل من له كلمة أن يبذلها ويوصلها إلى أقصى ما يمكنه أن يُبلغها..
الواجب على العلماء والمجامع العلمية توعية الأمة بما يجب عليهم من المناصرة، وأن يحثّوا الدول والمؤثرين على ما يخفف من الشر عن هؤلاء المظلومين.
الواجب على المجاهدين وقادتهم المسارعة إلى التوحد ونبذ الخلاف، فَمِن تفرقهم تسلط عليهم عدوُّهم، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
وصف الذهبيُّ معنَ بن زائدة بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسّرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
وإن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق.
قال صلى الله عليه وسلم: (وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْن)، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)
وفي هذا يقول الشاعر :
ألم تر أن جمع القوم يخشى وأن حريم واحدهم مبـاح
إن الجهاد في سبيل الله ونصرة المحاصرين في حلب و سوريا يجب بالنفس والمال والرأي والكلمة، قال تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه} [النور: 41].
وقال سبحانه: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 84].
قال صلى الله عليه وسلم: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ)
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا)
إن جهاد الكلمة لا يقل وجوبا وأهمية عن الجهاد بالنفس والمال وكان حسان بن ثابت يجاهد المشركين بالشعر؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: (إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله) وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هجاهم حسان فشفى واشتفى)
من الجهاد في سبيل الله استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي صوتا وصورة وكلمة؛ لنصرة المستضعفين وإغاثتهم وتحريض الأمة على مواجهة عدوها؛ قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)
إن ترك الجهاد ولو بالكلمة خشية العدو نفاق عملي وتركه رغبة عنه واستخفافا بوجوبه نفاق قلبي ومن مات لم يجاهد ولم ينو الجهاد مات على شعبة من نفاق.
قال صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق)
لا عذر لعاِلم في ترك الجهاد والتحريض عليه لنصرة أهل حلب والشام وهم يواجهون أشرس حملة صليبية ولو بالكلمة خشية السلطة؛ فالله أحق أن يخشى.