1- ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
2- كلمة وكلمة
3- مضيِّعُ الحسنات
4- وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟
5- رجل يبغضُه الله
6- النجاة النجاة
مقدمة:
قطعة لحم صغيرة، ليس فيها عظم، تحيط بها عظام كأنها خناجر، تتحرك بسرعة ولا تمل، هذه العضلة تورد صاحبها الموارد، بل لا نبالغ إن قلنا أن مصير صاحبها يوم القيامة مرتهن بها، وهي التي تحفظ على العبد أعماله أو تفسدها، هي ملاك العمل كله، إنها اللسان.
1- ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
قال الحسن البصري وتلا هذه الآية: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} يا ابن آدم، بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} ثم يقول: عدل -والله- فيك من جعلك حسيب نفسك.
وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر، وألقى سائره، وذلك قوله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}، وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاوس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين. فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله./ رواه صالح بن الإمام أحمد في سيرة أبيه.
"لقد عرفنا - في حدود علمنا البشري الظاهر- وسائل للتسجيل لم تكن تخطر لأجدادنا على بال، وهي تسجل الحركة والنبرة كالأشرطة الناطقة وأشرطة السينما وأشرطة التليفزيون. وهذا كله في محيطنا نحن البشر. فلا داعي من باب أولى أن نقيد الملائكة بطريقة تسجيل معينة مستمدة من تصوراتنا البشرية المحدودة.. فحسبنا أن نعيش في ظل هذه الحقيقة الرهيبة، وهي حقيقة، ولو لم ندرك نحن كيفيتها"
لو كنت تتكلم في موضوع ما ونفسك مرتاحة ولا احد يراقبك فلا شكَّ بأنك ستتكلم بما تشاء ومع من تشاء، ولكن لو علمت ان أحدهم يسجل لك كلامك أو يبثه لك لراقبت كلماتك وحسبت لها ألف حساب قبل أن تخرجها من فيك، فكيف وقد علمت بأن عليك ملائكة لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلاها عليك، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10-12].
كلماتك حركاتك سكناتك حروفك ضحكك بكاؤك كله مسجلٌ عليك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف: 49].
2- كلمة وكلمة
لو كنت تتكلم في جمع من الناس وأمامك قدر فيه زيت يغلي، وحولك رجلان يقولان لك: بكل كلمة تزل بها نغط رأسك في هذا القدر، فكيف ستكون كلماتك؟ وكيف يكون خوفك ووجلك؟
هذا في الدنيا وفي نارٍ فضلت جهنم عليها بتسع وستين مرة، وفوق الأرض، وفي جمع من الناس يسلونك في مصيبتك، فكيف لو كان ذلك في نارٍ تلظى، تكون فيها وحيداً ولا مسلٍّ يسليك، وفي قعر تلك النار؟!
والله لو نزلت في بئر بعيد بعض الشيء لطارت نفسك خوفاً، فكيف بقعر جهنم؟!
كلُّ هذا أيها الناس بسبب كلمة قلتها ولم تحسب لها حساباً، قال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)
وفي رواية غير البخاري: (فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا)
كلمة تبوء بها بسخط الله أنت غنيٌّ عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِهَا سُخْطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)
وبالمقابل فإن الكلمة قد يرفعك الله بها درجات ويكتب الله لك بها رضوانه إلى يوم لقائه، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ)
3- مضيِّعُ الحسنات
إن من أعظم الغبن أن يعمل العبد ويكدَّ ويتعب بجمع الحسنات ثم يأتي ليقرأ صحيفته فلا يجد فيها حسنة، وتزداد الحسرة حسرة إذا وجد في صحيفته سيئات لم يعملها هو، لعلكم تستغربون من هذا الكلام، إذ كيف يجد في صحيفته سيئات لم يعملها، أوليس الله يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
نعم ولكن هذا العبد أطلق لسانه في الدنيا ولم يبال بما يتكلم، يفري في أعراض الناس، وينهش بلحومهم، ويكذب ويفتري ويغتاب وينم، فيا حسرة عليه يعمل لغيره ويشقى ليسعد أناساً قد لا يكون يحبهم.
إنه الإفلاس الحقيقي، الإفلاس من الحسنات، القفر من الصالحات، قال صلى الله عليه وسلم: (أتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: (الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)
سئل أحد الصالحين عن رجل كثير الطاعات لكنه يغتاب! فقال: "لعل الله سخره ليعمل لغيره".
نعوذ بالله من الخسران.
لذلك جاء الشرع بالنهي عن سب الأنفس وشتم الأعراض، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سبك رجلٌ بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه فيكون أجر ذلك لك ووباله عليه)
وقال عليه الصلاة وأزكى السلام: (أربى الربا شتم الأعراض..)
وقال أيضا: (سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة)
وقال: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)
وروى مسلم أن رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)
وقال أيضاً: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ..)
4- وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ) ثُمَّ قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ) ثُمَّ قَرَأَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}، حَتَّى بَلَغَ،{يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟) فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: (رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) ثُمَّ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟) فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟)
فالتوحيد والصلاة والصيام والصدقة والحج والجهاد كل ذلك يحفظه اللسان أو يضيعه، فإذا حفظها فذلك هو الفائز المفلح، وإن ضيعها فيا خيبة الخَسران وذلك هو المفلس الذي يعمل لغيره.
إن صلاح اللسان يسري على الأعمال فيصلحها، وفساده يفسدها، روى أحمد بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: (هِيَ فِي النَّارِ)، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: (هِيَ فِي الْجَنَّةِ)
5- رجل يبغضُه الله
خرَّج البخاري في الأدب المفرد وصححه الالباني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن الخلق، وإن الله ليبغض الفاحش البذي)
وفي الأدب المفرد وغيره وصححه الألباني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيسَ المُؤمِنُ بالطَّعَان وَلَا اللعَان، وَلَا الفَاحِشِ، ولا البَذِي)
6- النجاة النجاة
روى البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قلت يا نبي الله ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)
وورد عن ابن عباس أنه كان يقول: "يا لسان قل خيرا تغنم، أو اسكت عن شر تسلم قبل أن تندم"
وروى أحمد وغيره بإسناد حسن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ صَمَتَ نَجَا)
وقد ذكر الله من صفات المؤمنين المفلحين إعراضهم عن لغو الكلام والأفعال، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1-3]
قال صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)
وعن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أكثرُ خطايا ابن آدم في لسانه)