جريمة العصر... إجرام يتكرر
1- سُبّةُ عارٍ على جبين الإنسانية
2- أنتم وحدكم لا غيركم من يعنينا
3- مثالكم في التاريخ
4- مشهد جديد لا نهاية المشهد
5- الواجب اليوم
6- ثم ماذا بعد هذا!؟
1- سُبّةُ عارٍ على جبين الإنسانية
نقفُ هذه الأيامَ.. على صدى أنفاسٍ كُبتَتْ.. ونفوسٍ تَحشرجَتْ.. وعيونٍ شُدِهَتْ.. وقلوبٍ دَمَعَتْ.. وهي تتصفَّحُ وتتفحَّصُ جريدةً طويلةً تتضمنُ أرقاماً وأسماءً تخبرهم عن مصير آبائهم أو إخوانهم أو أزواجهم.. في زمنٍ أصبحت فيه أرواحُ البشرِ مجردَ أرقامٍ استُهلِكَتْ ثم نُشِرَتْ بطريقةٍ فجّةٍ تخبرُ ذويهم أنه تمّ التخلُّصُ منهم وإبادتهم... نعم هؤلاء قرَّرْنا إبادَتَهم، وليس لكم أن تتكلموا.. أو تشتكوا أو تعترضوا.. ليس لكم إلا تبحثوا عن أسمائهم وتعلموا فقط.. مجردُ العلمِ بذلك هو منّة عليكم.
إنّا نتكلمُ عن حلقةٍ جديدةٍ من حلقات الإجرام يرتكبها نظامُ العهرِ والإجرام في سوريا.. حيث منذ خمسِ أو ستِّ سنواتٍ أو أكثرَ يعيشُ مئاتُ الألوفِ من السوريين على أملِ أن يصحوا على خبرٍ مفرحٍ عن ذويهم ممن غيّبهمُ الخطفُ أو الاعتقالُ على يد نظام الإجرام السوري، فيَصْحَون هذه الأيامَ على قائمةٍ طويلةٍ تتضمّنُ آلافَ الأسماء ممن أبادهم هذا النظامُ المجرمُ، ليقوموا كالسكارى يبحثون هل من الممكن أن تجدَ المرأةُ اسمَ زوجِها في قائمة الموت هذه! هل يجِدُ الولدُ اسمَ أبيه ضمن قائمة الموت هذه! هل تجِدُ الأمُّ اسمَ ابنها في قائمة الموت هذه! هل يجِدُ الأخُ اسمَ أخيه في قائمة الموت هذه! يتصفحونها والقلوبُ تكادُ تخرُجُ من الصدور.. ففي لحظةٍ تصبح المرأةُ أرملةً، والولدُ يتيماً، والأمُّ ثكلى..
في الوقت الذي تتشدَّقُ فيه بعضُ الدول بأنَّ الوضع في سوريا سيسير نحو إحلالِ السلامِ وبسطِ الأمنِ!! ليخدعوا السذَّجَ من الناس بتسوياتِ الذلِّ والمهانةِ مع نظامِ العهرِ والعارِ، في هذا الوقت بالذات يقومُ النظامُ ليعبّر لهم عن بادرةِ حسنِ نيةٍ في سياق هذه الجهود العظيمة لحقن دماء السوريين! فيرسل قوائمَ الموتِ إلى المحافظات السورية يخبرُهم بتصفيته لذويهم المعتقلين، فيرسل إلى داريّا أيقونةِ الثورةِ ألفين اسماً تمّتْ تصفيتُهم في السجون تحت التعذيب، ويرسل إلى حلب أسماء أكثر من خمسمئةِ معتقلٍ قَتَلهم تحت التعذيب، وإلى خان شيخون أكثرَ من سبعٍ وثلاثين اسماً، وإلى كناكر أكثرَ من خمسٍ وعشرين اسماً، وإلى محافظة درعا أسماء مئاتٍ أيضاً، في قائمة حوت أكثر من ثمانية آلاف شهيد معتقل! ولا زالت في ازدياد يوماً بعد يوم.
يأتي هذا بعد جريمةٍ أخرى لا تقِلُّ عن هذه بشاعةً، إنها جريمةُ التهجيرِ من الديار والتشريد عن الأوطان، ليكتمل المشهدُ ويتضح لذي عينين أنّ الواجب أمام هذا الإجرام إنما هو الثباتُ والمقاومةُ وعدمُ الجنوح أبداً.
وممن يتفرّجُ اليومَ على هذا المشهدِ العظيمِ الفظيعِ ويراقبُه كبارُ المتشدقين بحقوق الإنسانية.. إنهم كبارُ أبالسةِ العصرِ.. حيث صاروا يقتلون ويسفكون ويبيدون أمماً وشعوباً بطرقٍ أكثرَ منهجيةً، بل وربما أكثرَ قانونيةً ! حيث أسهلُ مالديهم أن يصِفوا الضحيةَ بالجلاد وبالعكس، وأن يصِفوا هذا بالإرهاب وغيرها من الأوصاف التي يتحكّمون من خلالها بمصير أممٍ ودولٍ وشعوبٍ!
2- أنتم وحدكم لا غيركم من يعنينا
الذي يعنينا في هذا المقام أولاً وقبل كل شيء لا أحد من هؤلاء جميعاً ممن تعفّنت واستقذرت نفوسهم.. الذي يعنينا الآن في هذا المقام، أولاَ وقبل كل شيء هم أهلنا وإخواننا.. هم أم الشهيد، وأب الشهيد، وزوجة الشهيد، وولد الشهيد، وأخ الشهيد.. فيا أيتها الأم العظيمة الصامدة، يا أيها الأب الشامخ في وجه العالم بباطله، ياأيتها الزوجة النبيلة العظيمة، ياأيها الولد يامن ترنو ببصرك إلى المستقبل لتغير حاضرك وتصنع مجدك المستقبَلَ.. أنتم جميعاً يا أنبل أهل الدنيا، أنتم جميعاً يامن علّمتم وتُعلّمون العالمَ القِيمَ والعَظمةَ والتضحيةَ والشموخَ والأَنفةَ والكبرياءَ.. أنتم جميعاً ياأهلنا، أنتم مَن يهُمُّنا أنْ نهمِس في آذانهم لنقول لكم: إنكم منتصرون، إنكم أوقدتُم مشاعلَ لِعزَّةِ أمتِكم، مشاعلَ لن يفتأ عن ذكرها والتغني بها البشرُ إلى يوم الدين، إنكم اليوم في ذكرٍ عظيمٍ عند رب الأرض والسماء.
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [ آل عمران: 137-140].
3- مثالكم في التاريخ
نبحث عمن يشابهُكم في التاريخ فلا نجِدُ مثيلاً، نغوص في أعماقه أكثرَ فلا نجِدُ شبيهاً بعظمتكم وعطائكم إلا أصحابَ نبيِّكم المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، نغوصُ أكثرَ في أعماقِ التاريخ فنجِدُ شبيهاً لكم أصحابَ الأخدودِ.. نحاولُ أكثرَ لم نجِدْ غيرهم شبيهاً بكم، نعم لأنّ مثلَكم قليلٌ، أنتم شامةٌ في تاريخ الأمة، أنتم معدنٌ عَزَّ وجودُهُ في تاريخ الأمم؛ بمثلكم سينتصر الضعيف، بمثلكم سيُداس الظلمة ويُلقى بهم إلى مزابل التاريخ؛ التاريخُ تاريخُكم، والحاضرُ حاضرُكم، والمستقبلُ مستقبلُكم، فلا تأْسَوا ولا تحزنوا ولا تجزعوا.. إنّ دماءَ شهدائِكم أشعَلَتْ فتيلَ سراجِ الحريةِ والكرامة.. لقد اختاركم اللهُ أنتم، نعم أنتم لتنالوا هذا الشرفَ الرفيعَ .. فطوبى لكم، وطوبى لشهدائكم.. والعاقبة لكم بإذن الله.
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].
4- مشهد جديد لا نهاية المشهد
اليوم نحن في سوريا على أعتاب مرحلة جديدة يُظن أن النظام يعود من جديد ليجثُم على صدورنا، لا أيها الأحرار.. لا يغرنكم تهويل المبطلين وإرجاف المفسدين، إن ظلام الليل إذا اشتد فقد آذن ببزوغ الفجر، ولكم أن تقلبوا صفحات تاريخ البشرية لتعلموا مصير مثل هذه الثورة العظيمة، لتعلموا ان ثورة عظيمة كثورتكم يا أهل الشام لن تخمد حتى تحق الحق ووتعيد الحرية والكرامة للناس، نعم إنها قد تهدا حيناً وحيناً لكنها لم تخمد ولن تخمد، فهي قدمت ملايين مابين شهيد ومعتقل ومهجَّرٍ وجريح.. هذا ثمن عظيمٌ لا يكون نهايته أن يهنأ أهل الباطل بباطلهم، نحن على أعتاب مشهد جديد من الثورة وليس نهاية مشهد الثورة العظيمة، نحن نغيّر طرقنا في العمل والجهاد لكننا لا نستسلم ولا نستكين، هذه المرحلة اليوم هي غربلة ليتميز أهل الثبات والحق عن غيرهم ممن كان عبئاً عليهم، اليوم تنكشف الأغطية وتزل الأقنعة لتعود الثورة أقوى وأعظم وأشد أثراً... ليس هذا حديث تسليةٍ أو تشجيع فحسب، بل هو حقائق دامغة يعرفها من قلّب صفحات تاريخ الأمم في نضالها وسعيها للحق والعدالة والكرامة، إن منطقٌ يشهد له كتاب ربنا العظيم، إنه حقٌ يشهد له توجيه نبيكم المصفى صلى الله عليه وسلم.
ولكم أن تتأملوا في بدء الإسلام كيف وصل الحد بامتهان مجرمي قريش لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، يؤتى بعمار بن ياسر فيبقر بطن أمه وتطعن في فرجها لتموت أمامه، ثم يعذب أبوه الشيخ الكبير المسن ليسقط ميتاً أمامه! وهذا بلال يوضع على رمال مكة اللاذعة فيكوى جسمه ثم توضع الصخرة العظيمة على صدره.. وغيره الكثر من مشاهد التعذيب، وصل بهم الأمر ما لايمكن تحمله -وهم أصحاب الشكيمة والجَلَدِ والقوة- وصل بهم الحد حتى يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيطلبوا منه أن يدعوا الله لينصهم ويخلصهم مما هم فيه، فيذكر لهم صلى الله عليه وسلم صورة مشابهة لحالهم لأمة سبقتهم، ليبين لهم أن العاقبة لهم، ففي الحديث عن أبي عبد الله خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان مَن قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، واللهِ ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
فمضت السنون تتلوها السنون، واستشهد فيها من خيرة الصحابة على طريق الحق، وأهل الباطل يستهئون بهم ويسخرون منهم ويعيّرونهم بأنهم مجانين حيث يحلمون بمستقبل وهم قلة مستضعفة شرذمة.. ويستمر طرق البذل وهم ثابتون يربون أنفسهم وأهليهم وأبناءهم على الحق، ثم يأذن الله ليديلهم على عدوهم فيقوي شوكتهم، فينقلب المستكبر بباطله صغيراًذليلاً تحت أرجلهم يطلبون الصفح والعفو، في مشهد عظيم مهيب في تاريخ الإنسانية حيث يقف المصطفى صلى الله عليه وسلم فاتحاً مكةَ، وأمامه أكابر مجرميها ممن ملأت قبل ذلك قهقهات سخريتهم الفضاء، اليوم يجثون على ركبهم أذلاء أمام من كانوا قلة معذبةً... يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه العفو والصفح!، فعفا عن عمومهم، وأمأ أكابر مجرميهم فقتلهم.. وكأن اليوم وهذا المشهد أمامنا ياأهل الشام وأنتم تقفون مثل هذا الموقف لتكونوا أنتم الأعلون..
ومِنَ العِبَر الواضحة المعروفة في تاريخنا أنَّ الذين شاركوا في قتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه انتقَمَ الله منهم في الدنيا من أمثال: جهجاه بن سعيد الغفاري، وحرقوص بن زهير السعدي، وحكيم بن جبلة العبدي، وعمير بن ضابئ وكنانة بن بشر، وأما قتلة الحسين رضي الله عنه فقد سلَّطَ الله عليهم المختار بن أبي عبيد الثقفي حيث تتبَّعَهم في دورهم في الكوفة وهدم عليهم بيوتهم أو قتلهم.
وفي الأندلس حدَثَ أن قام العلماء والعامة بثورة على الحكم الربضي وفشلت هذه الثورة مما جعل الحَكَم ينتقم منهم ويقتل الكثير ويشرِّدُ الباقي خارج الأندلس، كان ذلك عام 202 للهجرة، يقول المؤرخون: "ولم ينل الحَكَم بعد وقعة الرّبض حَلاوَة العيش، وامتُحن بعلّة طاولَته أربعة أعوام، واحتجَبَ فيها آخر مدته".
وتطول قائمة الحُكَّام الظَّلمة المستبدين وكيف أهلكهم الله وأكبّهم على وجوههم، وكيف عاشوا مشرَّدين بعد أن أزيحوا عن كراسيهم، وما قصّة الضباط الذين شاركوا في تعذيب الإسلاميين في مصر في عهد عبد الناصر ببعيدة، لقد كانت نهايتهم إما قتلا أو دخولا للسجون التي كانوا يعذّبُون الناس فيها.
5- الواجب اليوم
الواجب اليوم: أن تلملموا جراحكم وتواصلوا طريق الكرامة الذي سلكه شهداؤكم، فدماؤهم هي العهد الذي بينهم وبينكم ألا تفرّطوا ولا تهنوا..
الواجب اليوم أن تكونا أكثر يقيناً بما عند الله، وأن الله ناصر الحق على الباطل، وأن الباطل له جوله، والحق له جولات، والمؤمنون هم الكرارون وليس الفرارين. {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} [الأعراف: 128].
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ} [الصافات: 171-172].
وقال تعالى {كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وجاء في الحديث (وكذلك الأنبياء تبتلى ثم تكون لهم العاقبة).
هذه السنَّة يجب أن يتعقَّلَها المسلمون لأن ضعاف العقول يتعلَّقون بالظاهر الحاضر دون وعي لمصير تلك المظاهر، ودون وعي لمآلاتها أخيرا.
الواجب اليوم: أن توطّنوا أنفسكم أكثر من أي وقت مضى على مبادئ الحق، أن تكونا أكثر انصياعاً للحق، وفزعةً للمنكسر والمحتاج، ونصرةً للمستضعَفِ، إنّ حربَكم هذه حربُ مبادئ وليست حربَ استردادِ أراضٍ ومناطقَ فحسب.
الواجب اليوم أن تزرعوا قيمَ البذل والفداء، ومبادئ الكرامة والعزة في نفوس أبنائكم، هذه هي الأمانة العظيمة أن تربوا أبناءكم على مبادئ الحق، ليكملوا المشوار.
الواجب اليوم: أن ترصّوا صفوفكم أكثر، وأن تعرفوا المندسَّ المنتفِعَ من الثابت على الحق، أن تعرفوا الدخيل من الأصيل، واليومَ مع قسوة المشهد فقد انكشفت أقنعةٌ كثيرةٌ بفضل الله.
6- ثم ماذا بعد هذا!؟
لعل السؤال الذي يجيش في نفوس كثيرين بعد مسلسل التهجير من الأوطان هو ماذا بعد هذا!؟
اعلموا أنّ سنةَ التهجير من الأوطان تكادُ تكون سنةً ثابتةً عبر التاريخ في معارك الحق والباطل، لكنّ السنّة الأخرى الثابتة هي: أنهم يعودون منتصرين أقوى مما كانوا، فإياكم أن تجبُنَ نفوسُكم أو تضعفوا؛ صحابةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم هُجِّروا إلى أرض الحبشة، وهي أرضٌ غريبةٌ عليهم تاركين بيوتهم وأموالهم بل وأهليهم أحياناً، ثم هُجِّروا إلى المدينة المنورة ليس عليهم إلا ملابسهم التي خرجوا فيها، فعوّضهم الله أهلاً ومالاً ودياراً ثم أعقبهم بعد ذلك نصراً وفتحاً عظيماً، فما أحوجّنا اليومَ أن نُعيدَ النظرَ في هذه الصفحة الرائعة من تاريخ أمتنا وديننا، أن نستلهم منها دروسَ انتصارِ النفوس وشموخها بالحق في ظلِّ تزاحُمِ التكالُبِ والاستضعاف، ما أحوجَنا أن نتدبر أحوالَ هؤلاء النفر في تلك الحقبة من الزمن.
إلا فأمّلوا وأبشروا ولا تستعجلوا النصر، ولا تستنزلوه بموازينكم بل هو بموازين خالقِ الأرضِ والسماء، عالِمِ الغيبِ والشهادةِ الحكيمِ الخبيرِ.
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].