1- شخصية مشوهة!
2- التمسك بالحق
3- الأوبة إلى الحق
4- قبول الحق
مقدمة:
يتميز المسلم بشخصيته المتميزة عن غيره في كل شيء، كيف لا وقد اصطبغ بصبغة الوحي الذي جاء ليؤهله لخلافة الأرض وعمارة الكون وفق منهج يرتضيه الله ويخدم مصالح الخلق؟! إنها صبغة الله {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138].
وصبغة الله هي الإسلام، ذلك أن الإسلام يصبغ الإنسان بصبغة خاصة في عقيدته وفكره ومشاعره وتصوراته وآماله وأهدافه وسلوكه وأعماله.
يقول القرطبي عند تفسير هذه الآية: "فسمي الدين صبغة استعارة ومجازاً حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب".
1- شخصية مشوهة!
تعرضت الشخصية الإسلامية عبر القرون إلى حملات آثمة غادرة، استهدفت إزالتها وتدميرها، كما استهدفت –إذ عجزت عن الإزالة والمحو– تشويهها ومسخها، وقاد هذه الحملة أعداء الإسلام بما ألقوه مِن شُبُهات، وبما جاؤوا به مِن فلسفات وثقافات أرادوا أن يُزاحموا بها الإسلام في نُفُوس المسلمين، وبذلك لا يستقل الإسلام ببناء الإنسان، ولا يكون هو المسلم الحق الذي يريده الله.
وهذا لا يعني أن هؤلاء وأولئك الذين مُسِخوا وتسموا بالإسلام ولم يكن لهم من الدين إلا اسمه، ولا عرفوا من القرآن إلا رسمه، لا يعني أنهم يمثلون الشخصية الإسلامية، ذلك أن الشخصية الإسلامية هي التي تُمَثِّل الخصائص التي ينشئها الإسلام في نفس الإنسان، أما الذين يُنْسَبون إلى الإسلام، ويُقَوِّمون النفوس والعقول بمناهج البشر وعاداتهم فهؤلاء مِسخ الشخصية الإسلامية، "وإن تَزَيَّوا بزي العلماء، وتسموا بأسماء الزُّهاد والعُبَّاد، وزعموا أنهم الأولياء والأوتاد".
لذلك فالمسلم إنسان فذ، صُنِع على عين الله، صقله القرآن بآياته، وربَّته السنة بأحاديث المصطفى وأخلاقه، فهو قرآن يمشي على الأرض، يحبه الصديق ويهابه العدو، اللهم إذا انتهج الإسلام منهج حياة ونجاة.
لذلك فإنا سنعرض بعضاً من سمات شخصية المسلم الحق في زمن الفتن والمتغيرات، عسى أن تكون نبراساً للمؤمنين، وتذكيراً للسائرين على الطريق الطويل، وتثبيتاً لهم مهما احلولك الليل واشتدت الظلمات.
2- التمسك بالحق
في هذا الزمن الصعب الذي تموج فيه الفتن كموج البحر، تنام على خبر وتستيقظ على أخبار تجعل الحليم حيراناً، وفي كل يوم كم تزل من أقدام كنا نحسبها ستظل ثابتة، إلا أن كثرة المتغيرات وسرعتها المذهلة أزاحتها عن الطريق، مع أن الحق أبلج واضح، ولكنه ضعف الإيمان وحبائل الشيطان والالتزام السطحي بدين الإسلام.
بينما نجد المسلم الحق ثابتاً ثبات الجبال الرواسي، لا تزحزحه المحن ولا الفتن، فهو كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان)... وذكر منها: (وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)
ولنا في ذلك أسلاف كثر، منهم ابراهيم خليل الله عليه السلام، الذي ما غيّرته قوة الباطل، ولا أزاحه عن الطريق بطش أهل الباطل، وإنه عليه السلام أوقدت له نار تلظى ورآها بعينيه على أن يتخلى عن دينه ومبدئه، وإنه عليه السلام ألقي في النار حقيقةً، ولما رأى الله منه ثباتاً حوّل له النار إلى بردٍ وسلامٍ.
ثقوا في الله كما وثق ابراهيم تنبت لكم في النار جنات النعيم
وأصحاب الأخدود، ثبتوا على دينهم رغم التهديد الشديد والوعيد الأكيد، وحرِّقوا جميعاً واحداً تلو الآخر.. إنهم بمنظور البشر خسروا وانهزموا وانتصر أهل الكفر والظلم والطغيان، وهذا لسان حال الكثير اليوم ممن رق دينه وزلت قدمه عندما يرون الكفة ترجح لأهل الباطل يظنون أنه المنتصر فيصطفون في صفه مخلِّفين ورائهم صفوف الثابتين الراسخين..
قتل أصحاب الأخدود وماتوا جميعاً، فوصف الله ثباتهم بالفوز الكبير، إنه مقياس رب العالمين أيها الناس لا مقياسكم الآثم الخاطئ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 4-11].
إنها آيات أنزلها الله في قرآنه لتكون للمؤمنين نبراساً ومرجعاً ومثبتاً..
فمهما تكالَبَ أهلُ الباطل وانتفشوا، وضعُفَ أهلُ الحق وكاد الحق أن يخبو، يأتيهم توجيه رب العالمين سبحانه: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43].
3- الأوبة إلى الحق
عندما عصى الشيطان أمر الله وسأله ربه عن السبب بدأ يبرر، {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعرف: 12].
وآدم لما عصى الأمر وسأله ربه عن السبب اعترف واستغفر، {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22].
وكانت النتيجة أن طرد الله إبليس {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف: 13].
ولعنه مستمرة إلى يوم الدين {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78].
أما آدم {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37].
ووعده الرجوع إلى الجنة.
الإنسان مفطور على الخطأ، ويعلم الله منه أنه سيخطئ، وليست المشكلة في الخطأ فالله فتح باب التوبة، ولكن المشكلة في الإصرار والاستمرار على الخطأ بل والتمادي فيه، وهذا الصنف إذا ذُكِّر بالله لا يتذكر بل يصر ويتمادى، {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: 206].
أما المسلم الحق الذي رباه الإسلام فإنه يتذكر إذا ذُكِّر، ويتوب إذا أذنب، وتعاتبه وتحاسبه نفسه اللوامة، فلا تكاد تجده إلا وهو في دائرة الحق.
هذا يونس عليه السلام نادى ربه في حالك الظلمات: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
اعترافٌ وبثٌ للشكوى في ظلمات البحر والليل وبطن الحوت فسمعه السميع العليم.
ونوح عليه السلام لما دعاه حنانه على ولده وحرصه على حياته عسى أن يهتدي إلى توحيد ربه، دعاه أن يركب معه في السفينة فأبى فكان مصيره الغرق، فدعا ربه: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45].
قال الله له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
رجع نوح الى الحق رغم قساوته فقال: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47].
4- قبول الحق
ذكر الله عز وجل في كتابه آيات متتابعات عن الرضا بالحق وقبوله حتى ولوكان مراً، وحتى لوكان على نفسك أو على أقرب الناس إليك، وبين سبحانه صفات المنافقين الزائغين الذين يميلون مع مصالحهم حيث كانت فلا يرعون حرمة مسلم ولا حق ذي حقٍّ، قال سبحانه: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: 47-49].
إذا كان الحق عليهم تولوا وأعرضوا ولم يقبلوا الحق، أما إذا كان الحق لهم فإنهم يسعون وراءه ويذعنون له لكن ليس من أجل أنه حق بل لأنه وافق هواهم وهم المستفيدون في هذه الحال، والله سبحانه يرد عليهم شارحاً حالهم وما تنطوي عليهم نفوسهم بقوله: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 50].
هل رفضهم للحق من أجل أنهم قلوبهم مريضة أم لشكهم أم يخافون أن يجور الله عليهم في الحكم ورسوله؟!
إن هذا الصنف من الناس موجود اليوم بكثرة كاثرة، وقليل هم الذين يذعنون للحق إن كان عليهم، بينما الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم الحق هوما قاله الله في الآيات اللاحقة: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 51-52].
ويأمر الله أهل الإيمان بأن يصطبغوا بالصبغة التي يريدها سبحانه فيأمرهم في هذا المجال بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].
المسلم قوَّام بالحق معترف به ولو كان على نفسه أو على والديه أو أقاربه، وهنا لابد وأن يعتري نفس المؤمن ضعف من ناحية ميله لأولئك الذين ذكرهم الله، ولكن الله يعالج هذا الضعف بقوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}، فتطمئن نفس المؤمن إلى ولاية الله لهم فيذعن للحق.