1- من أنت؟
2- أنت على ثغر من ثغور الإسلام
3- انظر كيف يفكرون لنصرة باطلهم
4- تلك الدماء على طريق الأنبياء والأصفياء
مقدمة:
كم منحةٍ تردَّت رداء محنةٍ، وكم من عطاءٍ تجلبب جلبابَ منعٍ، وكم من فرجٍ جاء بصورة كربٍ.
آلمتنا وآلمتْ كلَّ حرٍّ تلكم المشاهدُ الصارخةُ والدماءُ الزكية التي أُزهقت في بيت الله تعالى في نيوزيلندا، غير أن المسلم له عبرة في كل شيء، ويرى رحمةَ الله تعالى من خلال المدلهمات والشدائد.
لن نقف موقف محلّلٍ سياسيٍّ أو عالمِ اجتماعٍ لدراسة الحضارات والتركيبات والتقسيمات، ولا موقف عالمِ فلسفةٍ لنحلل نفسية القاتل المجرم، ولن نقف موقف قاضٍ لنناقش الحكم، وإنما نريد أن نقف وقفةً مع هذه العاطفة الجيّاشة والرقة التي تتملك قلوب المسلمين، سيّما الذين أرّقتهم الجراح ورغم ذلك تناسوا جراحهم في سبيل تضميد جراحات شهداء المحاريب!
وليس هذا فحسب، بل حتى الذين شَردوا عن باب الله تعالى حرّكتْ فطرتَهم تلكم الدماءُ الطاهرةُ بتلك الوحشية الغادرة، وإنها لحكمةٌ بالغةٌ أن يحصل هذا الأمر حتى يراجع المسلمون حساباتهم تجاه دينهم وقضيتهم، لذا كان نداؤنا اليوم (يا صاحب القضيّة).
1- من أنت؟
يا من تُعرف وسطَ ألوفِ البشر كسبيكة الذهب الأصلية بين الزيف وحبة اللؤلؤ الطبيعي في كومة الخرز الرخيص، إن كان عزمُك قد وَهَنَ، وعهدُك قد نُسي، وهِمّتُك قد فَتَرَتْ، فتذكّر أنك ابن الإسلام.
أنت ابن الإسلام الذي من أجله احتمَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلَّ الأذى من قريش.
أنت ابن الإسلام الذي من أجله وُضع سَلا الجزور على ظهر الحبيب، أنت ابن الإسلام الذي من أجله احتمَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما فعل به أهل الطائف من تسليط غلمانهم وسفهائهم ومجانينهم وجاء جبريل ومعه ملك الجبال ينتظر إشارته بأن يطبق عليهم الأخشبين فقال: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً).
أنت ابن الإسلام الذي من أجله أُخرج الحبيب من بلده الذي هو أحبُّ البلاد إلى قلبه، أنت ابن الإسلام الذي من أجله طُعن عمر في محرابه، أنت ابن الإسلام الذي من أجله استشهد عثمان، أنت ابن الإسلام الذي من أجله طَلب عمرو بن الجموح الإذنَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل وهو أعرج (أعذره الله في قرآنه) يرجو أن يطأ بها الجنة، أنت ابن الإسلام الذي من أجله استشهد أبو أيوب الأنصاري على أبواب القسطنطينية ودُفن على ضفاف البوسفور بعيداً عن المدينة المنورة أكثر من ثلاثة آلاف كم تقريباً، أنت ابن الإسلام الذي من أجله خرج السمحُ بن مالك رحمه الله من اليمن وقاتل في سبيل الله تعالى حتى استشهد في سهول مدينة ليون الفرنسية -وما بين ليون وصنعاء اليمن آلاف الأميال- لو لم يَعرفِ انتماءه للإسلام فما أظن أنه سيفارق صنعاء، وما أظن إلا أنه سيموت على مقربة من بيته، غير أنه لما عَرَفَ انتماءه للإسلام استشهد في سهول فرنسا.
إنْ زار روحَك الفتور، وانخفضَتْ درجةُ حرارةِ قلبك، وتعرّضتَ لوعكةٍ صحية طارئة أو مزمنة فتذكّر أنك ابن الإسلام، فتذكّر أنك محمديّ.
قمْ أيها المحمــدي ضُـمَّ العالم إلى صــدرك
أسمِعْهُ خفقاتِ قلبِكَ الذي وحَّــد الله تعالى
أرِهِ نــورَ وجهِـكَ المشــرق بذكــر الله تعالى
قُمْ ودثِّر العالم ببردتك ذات العَبَق المحمدي
2- أنت على ثغر من ثغور الإسلام
عند رجوع الصحابة من غزوة ذات الرقاع نزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً، فقال: (مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ؟)، فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَكُونُوا بِفَمِ الشِّعْبِ)، قَالَ: وَكَانُوا نَزَلُوا إِلَى شِعْبٍ مِنَ الْوَادِي، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ، قَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ: أَيُّ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَكْفِيَكَهُ؟ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ؟ قَالَ: اكْفِنِي أَوَّلَهُ، فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ فَنَامَ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرَّجُلِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، وَثَبَتَ قَائِمًا، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، وَثَبَتَ قَائِمًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ بِثَالِثٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ أَهَبَّ صَاحِبَهُ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَقَدْ أُوتِيتَ، فَوَثَبَ، فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنْ قَدْ نَذَرُوا بِهِ فَهَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَلَا أَهْبَبْتَنِي قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِذَهَا، فَلَمَّا تَابَعَ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَأُرِيتُكَ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْلَا أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ، لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا، أَوْ أُنْفِذَهَا.
كلنا اليوم وقوفٌ على نفس هذا الثغر، ونشهد نفسَ المشهدِ بحذافيره في ظلِّ هجمةٍ شرسةٍ على الإسلام ضمن حملةِ عدوانٍ ممنهجةٍ تستهدف زلزلةَ ثوابتِ الأمة وتمييعَ عقيدتها، فهل شعرنا ونحن نرى الأحداث المؤلمة تحيط بنا من كل جانب بما شعر به الصحابي الجليل؟ هل استحضرنا نية المرابطة على الثغور ولو كان عملُنا بسيطاً؟
ألا ما أكثرَ الثغورَ اليوم وما أضيعَ الحراسَ؟!
كلنا اليوم على ثغرٍ...
ثغرُ البيت، ثغرُ العمل، ثغرُ القرابة، ثغرُ الجيران، ثغرُ السوق، ثغرُ المساجد، ثغرُ الدعوة، ثغرُ العلم، ثغرُ الجهاد..
صاحبُ الرسالة لا يحتاج إلى سماع صرخة استغاثة ضحية تحتضر بين يديه لينتفض، ولا يحتاج إلى من يذكّره، بل هو مَن يذكّر غيره.
أخي صاحب القضيّة: إذا وجدتَ صفَّاً معوجاً فحاول أن تقوّمه، فإن لم تجد صفاً فكن أنت الصفَّ، أنت الذي تعطي الشرارة من حولك للانطلاق، كنْ على همٍّ واحدٍ: أن ينتصر دينك وتسود مبادؤه.
ولعل سائلاً يسأل: ماذا تريدني أن أعمل؟
اعقد جلساتِ عصفٍ ذهنيٍّ مع إخوانك في الدعوة وشركائك في الهم...
رحِّبْ بالأفكار الجديدة الجيدة المتوافقة مع الشرع...
تواصَلْ مع إمام مسجدك لتفكّر بالناس من حولك كيف ستدلهم على الله تعالى...
فكّر في إيجاد البديل لكلِّ رذيلٍ وفق الضوابط الشرعية...
مَن للشباب غيرُ يدِكَ الحانيةِ التي مدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم للشاب الذي جاء يطلب الزنى؟
3- انظر كيف يفكرون لنصرة باطلهم
قد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأيام وصفاً دقيقاً كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ)، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: (السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ).
سبحان الله! إنه وصفٌ دقيقٌ ممن لا ينطق عن الهوى، فلقد أصبح اللادينيون والساقطون قادةَ الفكرِ وأربابَ الأقلامِ التي تُفسح لها الصفحاتُ ليكتبوا في كلِّ شيءٍ حتى في دين الله تعالى، في الوقت الذي شُنَّت فيه حروبٌ ضَروسٌ على الإسلام وأهله وعلى الشباب بصفة خاصة!
أمتُنا اليومَ تواجه عدواً شرساً كشّر عن أنيابه، وأظهر ما كان مستوراً في فؤاده، سخَّر طاقاتِهِ وثرواتِهِ لبلوغ مراده، وتحالف مع أمثاله لتعجيل أهدافه، أيواجَهُ هذا كلُّهُ بهِممٍ خائرةٍ وعزائمَ مريضةٍ وتسويفِ فِعالٍ وسطَ كومةِ أقوالٍ؟!
رضي الله عن الفاروق الملهم حينما ألهمه الله هذا الدعاء فقال: "اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الفاجر وعجز الثقة".
ومما يؤلم القلبَ ما ذكره الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه [في محكمة التاريخ]: "أذكر أنني تردَّدتُ كثيراً جداً على مركز إعداد المبشرين في مدريد، وفي فناء المبنى الواسع وضعوا لوحةً كبيرةً كتبوا فيها: أيها الشاب المبشِّر، نحن لا نَعِدُك بوظيفةٍ أو عملٍ أو سكنٍ أو فراشٍ وثيرٍ، إننا نُنذرك بأنك لن تجد في عملك التبشيريِّ إلا التعبَ والمرضَ، أجرُك كلُّه ستجده عند الله، إذا أدركك الموتُ وأنت على طريق المسيح كنتَ من السعداء، هذا ما يقال لأهل الباطل، ومع ذلك فهم يتحركون في جميع أنحاء العالم، حتى في أماكن الأزمات والنكبات لا يَرى الطفلُ المسلمُ أو المرأةُ المسلمةُ إلا هؤلاء يقدمون الغذاء والكساء والدواء، وعارٌ وأيُّ عارٍ علينا حينما يتحرك أهل الباطل لباطلهم ولا يتحرك أهل الحق لحقهم! عارٌ علينا أن نعلم أن عدد المبشرين -المنصرين الذين يدعون للتثليث والعياذ بالله- في العالم الآن أكثر من /٢٢٠ ألف مبشر/، منهم /١٣٨ ألفاً/ كاثوليكي و/٨٢ ألف/ بروتستانتي، ولا يكفي أبداً أن يتصدى لهم خمسة آلاف داعية إسلامي يعملون في الخارج هنا وهناك، وكيف يكفي خمسة آلاف وفي أندونيسيا وحدها أكثر من عشرة آلاف مبشر".
4- تلك الدماء على طريق الأنبياء والأصفياء
إنه لطريقٌ طويلٌ شاقٌّ حافلٌ بالعقبات والأشواك، محفوفٌ بالفتن والأذى والابتلاء، مفروشٌ بالدماء والأشلاء، يدوّي في جنباته عويلُ المجرمين من الكفار والمشركين والمنافقين والحاقدين الذين يملكون أحدث أبواب الدعاية.
ودربُ الصاعدين كما علمتُم به الأشواك تكثُرُ لا الورود
ومع ذلك فنهايةُ الطريقِ وإنْ طال تتألّق كالأمل، وتضيء كالشمس، وتشرقُ كالفجر، إما عزةٌ وشهادةٌ وإما جنةٌ وسعادةٌ، ذلكم هو طريقُ نوحٍ وإبراهيمَ ويوسفَ وموسى وعيسى ومحمدٍ صلوات الله وسلامه عليهم، وطريقُ مَن تبعهم من العلماء الربانيين والدعاة المخلصين والعاملين الصادقين.
يا دمعةً مِن عينِ أحمدَ أشرقَتْ أوَ يشتكى بالدمعة الخرساءِ
جــارَ اللئـامُ وعـذّبـــوا أصحابــَهُ واللهُ ممتحِـــنٌ بكـــل بـــــلاء
تبّتْ يداك أبا الجهالة لن تـــرى عزماً يخـورُ لصفعـــة الجبنــاء
أبِطــاحَ مكــةَ هل ذكرتِ بلالنا؟ أوّاهُ ما أوفــاكِ مـــن بطحـــاء
ضَجَّتْ رمالُ البيـدِ وازداد الأذى ما ذلَّ إيمــانٌ علـى الرمضـــاء
ولقد يلينُ الصخرُ بعد صلابــــةٍ ويجــودُ تحنـاناً بوفــــرِ عطـــاء
ولو كان الطريق سهلاً ليناً مفروشاً بالزهور والورود والرياحين خالياً من العقبات والأشواك والصخور آمناً من عويل المجرمين لسَهُلَ على كلِّ إنسانٍ أن يكون صاحبَ رسالةٍ، ولاختلطَتْ فيها الدعوةُ التي تسير على طريق الحق مع دعوات الباطل.
أيها المسلمون: في وقتٍ تُشنُّ فيه حملةٌ شرسةٌ هوجاء على الإسلام؛ يبزُغُ في الأفق نورُ دماءِ هذه الثلة المباركة، هذه الكوكبةُ التي تنضم إلى ركب الشهداء ممن انتهجوا طريق الأنبياء والصحابة والدعاة والعلماء، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8-9].