بسم الله الرحمن الرحيم
حوار الضحية مع الجلاد
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد:
لقد قامت الثورة في سوريا ضد الظلم والطغيان الجاثم على صدور أبنائها منذ أربعة عقود أو يزيد، ولم تمض أيام معدودات من عمر الثورة حتى رفع الثوار شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
إنَّ نظامًا قام على معاداة الدين وأهله، بالجمع بين علمانية بعثية وطائفية حاقدة، واستمدَّ وجوده من تسويق نفسه وكيلاً للعدو الأقرب أو الأبعد، لهو نظام فاسدٌ لا يمكن إصلاحه بحال، وقد اقتضت سنَّة الله - تعالى - في الكون أنَّه {لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}؛ لذا كان من أهم مطالب الشعب الثائر المجاهد (إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، وإعادة بناء أجهزة البلد ومؤسساتها خالية من أي أثر للنظام وأعوانه).
أما العالم المتشدق بالحرية وحقوق الإنسان، فقد وزع أدواره ما بين مؤيد للنظام يثبته ويمد في أجله، وبين متآمرٍ على الثورة يحاول وأدها أو الالتفاف عليها، وجمعوا للشعب لمنعه من قطف ثمار ثورته، فما زاده ذلك إلا إيماناً بحقه، وتسليماً لأمر ربه، وتمسكاً بوجوب إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، بل ورفض الحوار معه بكل صوره وأشكاله.
ونحن بدورنا لا يسعنا إلا أن نردد صوت الشعب الرافض للحوار مع النظام، وهو محق كل الحق في ذلك:
نرفض الحوار مع النظام؛ لأنَّه لم يبق مكان للحوار مع كل هذا البغي والعدوان، وتجاوز جميع الحدود الشرعية والإنسانية والأعراف الدولية.
نرفض الحوار مع النظام؛ لأن الحوار معه يظهره طرفاً صادقاً في البحث عن "مخرج للأزمة"، بينما أثبت تاريخه الطويل - فضلاً عن سلوكه منذ انطلاق الثورة - أنَّه مخادع وغير جاد في كل المبادرات التي طرحت عليه من الأطراف الدولية والإقليمية.
نرفض الحوار مع النظام؛ لأن تجارب الحوار مع المجرمين تقول لنا: إنها تلمع المجرمين ليتسللوا بوجه جديد، ويبطشوا بالشعب كله بيد من حديد، والشعب السوري لا يقبل أن يلدغ من جُحرٍ مرتين.
نرفض الحوار مع النظام؛ لأنَّه يهبط بسقف مطالب الثورة؛ ويترتَّب عليه تنازلات ومساومات، كما هي عادة أي حوارٍ بين طرفين، وتضحيات شعبنا ومطالبه العادلة ليست مجالاً للمساومة أو التنازل.
نرفض الحوار مع النظام؛ لأنَّ الحوار معه يمزق وحدة قوى الثورة والمعارضة ويُفرِّق صفوفها، ويجعل بأسها بينها، ويحفر لها الأخاديد، وما يلبث الأمر أن يصبح الراضي بالحوار وطنياً معتدلاً، والمعارض له إرهابياً إقصائياً، بينما أصحاب الأخدود قعود، يتلذذون بنيرانهم التي يحرقون بها البشر والشجر والحجر.
نرفض الحوار مع النظام؛ لأنَّ الوقائع والحقائق أثبتت أنَّ النظام آيل للزوال والسقوط بإذن الله، فما الحاجة للحوار معه؟ إن النظام لن يحاور إلا إذا أيقن بالموت، فهل يريد المفاوضون إحياء القاتل من جديد؟
إنَّ مشكلة الشعب السوري لم تعد مع النظام الساقط وحده، بل في تواطؤ النظام الدولي معه. لقد أصبح الحوار مطلباً عالمياً للإبقاء على مؤسسات النظام الأمنية، وإشراك رموزه وأركانه في "حكومة توافقية" لإدارة شؤون البلاد، وذلك لما رأوا انتصارات المقاومة على الأرض تتوالى وتتعاظم.
أما دعوة بعض أطراف المعارضة للحوار من أجل تسليم السلطة حتى لا تقع البلد في "الفوضى"، فهو فخٌ، إذ يفتح الفرصة للنظام لحماية بقاياه الطائفيين المجرمين؛ ولو أراد النظام ترك السلطة، فالباب أمامه مفتوح. لكنه أثبت بما لا شك فيه أن ليس له أدنى غيرة على مصلحة البلد ولا ما ستؤول إليه الأمور من بعده بعد كل هذه الجرائم والتدمير والتهجير والقتل على الهوية.
وأخيراً: فإن خطوة بهذه الخطورة - أي الحوار مع النظام - لا يجوز أن ينفردَ بإقرارها كيان دون بقيةِ الكيانات، فضلاً أن ينفرد بها أفراد؛ إذ لا يملك أحدٌ تفويضاً باسم الشعب أن يقرر ما يشاء. والفردية في اتخاذ القرار سمة من سمات أنظمة البغي والاستبداد التي قامت الثورة العظيمة لإسقاطها.
نسأله سبحانه وتعالى أن يتقبَّل شهداءنا، ويشفي جرحانا، ويفك أسرانا، ويجبر مصاب شعبنا الأبي ويعوَّضه خيرًا، ويعجِّل بالفرج والنصر المبين.
والحمد لله رب العالمين