1- الصَّبر على الأقدار مِن خِصال الأبرار
2- نِداءٌ للقادِرين
3- الثَّلج والبرد والرِّيح مِن أسباب النَّصر
مقدمة:
تظهر قوّة الإيمان في النّكبات لا في الرّكعات، وعند الرّزايا لا في الزّوايا، قال الحسن البصري: "استوى النَّاس في العاقبة، فإذا نزل البلاء تباينوا".
لقد شاء الله تعالى -بحكمته ورحمته- أن يُرسل على عباده هذه الموجة العاتية القاسية مِن الثّلج والبرد والصّقيع؛ ليختبر بها صبرهم وجهادهم، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمّد: 31].
وليختبر القادرين على البذل، هل يجدِّدون أمل الأمّة فيهم، أم يكونون ألماً فوق آلامهم!
لا رادَّ لأمره سبحانه، ولا معقِّبَ لحكمه، وهو سبحانه أرحم بعباده مِن الأمّ بولدها، ولو شاء ما ابتلاهم، ولكنّه سبحانه يبتلي لحكمةٍ منه، وكلُّ قضائه خيرٌ وحكمةٌ.
1- الصَّبر على الأقدار مِن خِصال الأبرار
ما مَثل البلاء إلّا كمثل الضّيف ينزل عليك، فإذا رحّبت بقدومه وتفقّدت حوائجه مقدِّماً له قِرى الصّبر -دون أن يشكو اللّسان ضجراً أو ينقلب القلب تسخطاً- فيا لذَّة مدائحك على لسان الملائكة، ويا فرحة تسجيل وصفك بالكرم والجود في صحفهم، وما أصدق قول القائل:
الصَّبر مثل اسمه في كلِّ نائبةٍ لكنَّ عواقبه أحلى مِن العسل
ويكفي شرفاً وفخراً للصّابر على البلاء بُشرى الله له بالمحبّة والمعيّة الخاصّة، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].
وقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
ووعده سبحانه بالأجر بغير حسابٍ قال سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزّمر: 10].
وقال أيضا: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النّحل: 96].
وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ).
وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).
فاحذر أن يُكتب اسمك في سجلّات الخائبين، وعِش قول الله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النّساء: 19].
فإذا استقرّ هذا المعنى في القلب أورث التّسليم الكامل والرّضا التّامّ عن الله تعالى بما قدَّرهُ، لأنّ العبد جاهلٌ كلّ الجهل بما ينفعه، والرّبّ جل جلاله عالمٌ كل العلم بذلك، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ، عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ عَلَى مَا أَكْرَهُ، لِأَنِّي لَا أَدْرِي الْخَيْرَ فِيمَا أُحِبُّ أَوْ فِيمَا أَكْرَهُ".
لا تكره المكروه عند نزوله إنَّ الحوادث لم تزل مُتباينة
كم نعمةٍ لا يُستهان بشكرها لله في طيِّ المكاره كامنة
هذه المحنة لن تدوم طويلاً، فعليك بالصّبر حتّى تربح الاختبار ولا ترسب في الامتحان.
يا نفس إنَّما هي صبرُ أيام كأنَّ مدتها أضغاثُ أحلام
إنَّ الدنيا دار ابتلاءٍ، ومَن جهل هذا فقد نسي الغاية الَّتي مِن أجلها خُلق، قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].
ومَن جزع ونفد صبره عند نزول البلاء فقد جنى على نفسه، وكتب اسمه بيده في سجلّات الخائبين، الإيمان مقترنٌ بالبلاء؛ فأروا الله مِن أنفسكم قوةً، وارضوا عن الله فيما ابتلاكم، فالله يريد أن يرفع درجاتكم.
2- نِداءٌ للقادِرين
إنَّ الله يُنزل المصيبة ابتلاءً منه للمصابين أن يصبروا، وابتلاءً للقادرين أن يبذلوا، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللهُ فِي الْآخِرَةِ وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).
فلينفِّس -كلّ قادرٍ- عن المكروبين ما استطاع؛ مِن إيواء شخصٍ أو عائلةٍ، أو يؤمِّن لهم ثمن الوقود والتّدفئة، أو يعطيهم ما فاض عن حاجته مِن ملابس وأغطيةٍ، أو يعطيهم مِن المال ما يخفِّف عنهم مِن مصابهم، وإنَّ الله سيسأل كلّ قادرٍ على البذل ولم يبذل، ولنا في قول الله -في الحديث القدسيّ- عِظةٌ وعبرةٌ: (يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي).
إنَّ مواساةُ المنكوبين والمعوزين مِن أجلّ القربات عند الله، فهنيئًا لمن أجرى الله الخير على يديه لإخوانه، فقضى حاجة الأرامل واليتامى، وتفقّد المتعفّفين الّذين لا يسألون النّاس إلحافًا، فوفّر لهم الحاجيّات، فإنّ إدخال السّرور على المسلمين مِن خير الأعمال، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ سُرُورًا أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا).
وإنّ خير النّاس وأحبّهم إلى الله أنفعهم للنّاس، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا).
وويلٌ لمن تمتّع بما أكرمه الله به من ألوان النِّعم، ثمّ أغلق بابه دونهم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زمانٌ -أَوْ قَالَ: حِينٌ- وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الْآنَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كَمْ مِنْ جَارٍ متعلقٍ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ، يَا رَبِّ! هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ!).
3- الثَّلج والبرد والرِّيح مِن أسباب النَّصر
إنّ الثّلج والبرد والمطر والرّيح جندٌ مِن جنود الله تعالى، يُرسله على المجرمين فيعاقبهم ويهزمهم، ويرسله على المؤمنين فيثيبهم ويثبّتهم، فقد أهلك الله عاداً بالرّيح، بينما نُصِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصَّبَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ).
و (الصَّبا) هي الرّيح الّتي تهبّ مِن مشرق الشَّمس، ونُصرته بها ع كانت يوم الخندق؛ إذ أرسلها الله تعالى على الأحزاب باردةً في ليلةٍ شاتيةٍ فقلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم، وكان ذلك سبب رجوعهم وانهزامهم، و (الدَّبُور) هي الرّيح الّتي تهبّ مِن مغرب الشّمس، وبها كان هلاك قوم عادٍ؛ كما قصّ علينا القرآن الكريم، قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} [فصّلت: 15-16].
أمَّا في غزوة الأحزاب فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9].
ولهذا نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن سبّ الرّيح، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ).
وفي غزو التّتار: أنزل الله فيها مِن الثّلج والبرَد والمطر ما هو على خلاف العادة كما هو اليوم، فكانت هلاكاً على التّتار ورحمةً للمؤمنين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَهَكَذَا هَذَا الْعَامُ أَكْثَرَ اللَّهُ فِيهِ الثَّلْجَ وَالْمَطَرَ وَالْبَرْدَ عَلَى خِلاَفِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ، حَتَّى كَرِهَ أَكْثَرُ النَّاسِ ذَلِكَ، وَكُنَّا نَقُولُ لَهُمْ : لاَ تَكْرَهُوا ذَلِكَ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ فِيهِ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الأسْبَابِ الَّتِي صَرَفَ اللَّهُ بِهِ الْعَدُوَّ؛ فَإِنَّهُ كَثُرَ عَلَيْهِمْ الثَّلْجُ وَالْمَطَرُ وَالْبَرْدُ، حَتَّى هَلَكَ مِنْ خَيْلِهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَهَلَكَ أَيْضًا مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَظَهَرَ فِيهِمْ وَفِي بَقِيَّةِ خَيْلِهِمْ مِنْ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ بِسَبَبِ الْبَرْدِ وَالْجُوعِ مَا رَأَوْا أَنَّهُمْ لاَ طَاقَةَ لَهُمْ مَعَهُ بِقِتَالِ، حَتَّى بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ كِبَارِ الْمُقْدِمِينَ فِي أَرْضِ الشَّامِ أَنَّهُ قَالَ: لاَ بَيَّضَ اللَّهُ وُجُوهَنَا، أَعَدَوْنَا فِي الثَّلْجِ إلَى شَعَرِهِ، وَنَحْنُ قُعُودٌ لاَ نَأْخُذُهُمْ؟ وَحَتَّى عَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا صَيْدًا لِلْمُسْلِمِينَ لَوْ يَصْطَادُونَهُمْ؛ لَكِنْ فِي تَأْخِيرِ اللَّهِ اصْطِيَادَهُمْ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ".
خاتمةٌ:
إنّ المؤمن لَيأخذُ مِن شدّة ما يمرّ به في الدّنيا -مِن أكدارها وأزماتها- معتَبَرًا لشدّة يوم القيامة وكُرَبها، فإنّ كُرَبها تُنسي صعوبات الدّنيا ومرارتها، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34-37].
وإنّ مِن أعظم العِبر الّتي نأخذها مِن برودة هذه الأيّام وقسوتها أن نتذكّر زمهرير جهنّم؛ الّذي ما هو إلّا نَفَسٌ مِن أنفاس جهنّم، فإذا تذكّرنا لجأنا إلى مولانا العظيم، واستجرنا به سبحانه في أن يقينا شرّ ذلك اليوم، وعملنا جُهْدنا في أسباب الوقاية والنّجاة مِن ذلك العذاب الأليم، وذلك بمدّ يد العون والمساعدة للمنكوبين والمحتاجين، حيث علّمنا ديننا الحنيف، بأنّ المسلم له حقوقٌ على إخوانه المسلمين، وأخبرنا بأنّ الجزاء مِن جنس العمل، وأنّ الله يكافئ المحسنين إحسانًا، قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرّحمن:60].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).