الاثنين 4 ربيع الآخر 1446 هـ الموافق 7 أكتوبر 2024 م
هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
الأربعاء 10 رمضان 1445 هـ الموافق 20 مارس 2024 م
عدد الزيارات : 561
هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
عناصر المادة
1- {لَا رَيْبَ فِيهِ}
2- {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}
مقدمة:
القرآن الكريم هو كتاب الله سبحانه المنزّل على خاتم أنبيائه محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، المعجز بلفظه، المتعبَّد بتلاوته، المنقول بالتّواتر، قال تعالى: {كِتَابٌ‌ أُحْكِمَتْ ‌آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
محفوظٌ من التّغيير والتّحريف، قال جل جلاله: {لَا ‌يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصّلت: 42].
وإنّه المعجزة الكبرى الّذي نزل به جبريل عليه السلام في ليلة القدر مِن شهر رمضان المبارك، قال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ‌الْقَدْرِ} [القدر: 1].
ولقد تحدّى الله عز وجل الإنس والجنّ أن يأتوا بشيءٍ من مثله، فباؤوا بالعجز والفشل، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي ‌رَيْبٍ ‌مِمَّا ‌نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
وبذلك ثبت إعجاز القرآن على أبلغ وجهٍ وآكده، وإنّ هذا القرآن هداية الخالق لإصلاح الخلق، وشريعة السّماء لأهل الأرض، وهو التّشريع العامّ الخالد، الّذي تكفّل بجميع ما يحتاج إليه البشر في أمور العقائد والأخلاق، وفي العبادات والمعاملات، وفي الاقتصاد والسّياسة، والسّلم والحرب، لا يتطرّق إليه نقصٌ ولا إبطالٌ، فلا عجب أن كانت السّعادة الحقّة، والرّاحة والطّمأنينة، لا تتحقّق إلّا بتلاوته وتدبّره، وفهمه والعمل به، قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ ‌أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وإذا كان رمضان هو شهر القرآن، فما أجمل أن يتأسّى المسلم بحال السّلف في هذا الشهّر خاصّةً، حيث كانوا يتّخذون منه موسمًا للعبادة، وقراءة القرآن وتدبّره والعمل به، فمَن فعل ذلك صدر عن هديٍ مِن هدي النّبوّة، وسنّةٍ من سنن السّلف الصّالح. 
1- {لَا رَيْبَ فِيهِ}
إنّ خصائص القرآن وميّزاته، وعلومه ومنافعه، لا تُعدّ ولا تحصى، فهو النّور المبين، والصّراط المستقيم، والحبل المتين، مَن تمسّك به نجا، ومَن حاد عنه هلك، وإنّ صلاح القلوب وطهارة النّفوس في تدبّره والعمل به، ولقد أوحى الله جل جلاله إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم أنّ الكلام الّذي سيتنزّل عليه كلامٌ عظيمٌ، ثقيل الوطأة، كبير الشّأن، فقال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ ‌قَوْلًا ‌ثَقِيلًا} [المزمّل:5].
فهو ثقيلٌ في أوامره ونواهيه، فلا يطيقها إلّا مَن هداه الله لذلك، ووفّقه وأعانه، ومِن لطف الله بعباده المؤمنين أن يسّر لهم تلاوته وفهمه، وأن جعل أجر تلاوته والعمل به ثقيلًا في الميزان يوم القيامة، قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: "كما ثقل في الدّنيا ثقل يوم القيامة في الموازيين". الطّبريّ في تفسيره: 29/127
وإنّنا في شهر رمضان نرى المؤمنين يقبلون على كتاب الله عز وجل تلاوةً وحفظًا، وتفسيرًا وتدبّرًا، وما ذاك إلّا لأنّ رمضان ميدان تنافسٍ بين المسلمين في الخيرات والطّاعات، فيريد المؤمنون أن يقتبسوا مِن نور القرآن الكريم، لتشرق قلوبهم وحياتهم بنور الهداية، قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ‌هُدًى ‌لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
فمَن اهتدى بآياته ومعانيه، خرج مِن ظلمات الشّرك والجهل والشّبهات، إلى نور التّوحيد والعلم والطّاعات، وإنّ عِبر القرآن أعظم العِبر، ومواعظه أبلغ المواعظ، وقصصه أحسن القصص، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ ‌مَوْعِظَةٌ ‌مِنْ ‌رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
شفاءٌ للصّدور من الشُّبه والشّكوك والأمراض، الّتي تفتك بالقلوب والأبدان، ولقد حوى كثيرًا مِن علوم الدّنيا أيضًا، ولا يزال البحث العلميّ في علم الإنسان والنّبات والفضاء وشتّى العلوم يتوصّل إلى معلوماتٍ حديثةٍ مهمّةٍ ذكرها القرآن قبل قرونٍ طويلةٍ، قال سبحانه: {‌مَا ‌فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
فما أيسره مِن كتابٍ يتلوه العربي والأعجمي! قال تعالى: {‌وَلَقَدْ ‌يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر، 17].
قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنه: "لولا أنّ الله يسّره على لسان الآدميّين ما استطاع أحدٌ مِن الخلق أن يتكلّم بكلام الله". تفسير ابن كثير: 4/411
وإنّ ذلك لَمِنْ أجلّ النّعم الّتي تدعونا للفرح بفضل الله، وتوجب علينا شكر نعمائه. 
2- {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}
لقد أنزل الله عز وجل القرآن على قلب نبيّه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، بواسطة أمين الوحي جبريل، وبيّن الغاية مِن إنزاله: فهم معانيه، وتدبّر آياته، ثمّ العمل بما فيه، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ‌لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
وإنّ التّدبّر هو: "النّظر في آخر الأمر، حيث إنّ دبر كلّ شيءٍ آخره". معالم التّنزيل: 2/254
وهو التّأمّل لفهم المعنى، والتّوصل إلى معرفة مقاصد الآيات وأهدافها، وإنّ تدبّر آيات القرآن لَمِن أجلّ العبادات وأعظمها، ولِعظم شأنها جعلها ربّنا سبحانه خاصّة لأولي الألباب، وأنكر على كلّ مَن لم يتدبّر هذه الآيات العظيمة، وبقي في غفلته، فقال تعالى: {‌أَفَلَا ‌يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمّد: 24].
وكلّما كثر تدبّر العبد لآياته، عظم انتفاعه به، وزاد خشوعه وإيمانه، قال سبحانه: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ ‌زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2].
ولذا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتقى النّاس وأخشاهم، وأكثرهم تدبّرًا لكلام ربّه عز وجل، عَنْ ‌عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ عَلَيَّ)، قَالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: (إِنِّي ‌أَشْتَهِي ‌أَنْ ‌أَسْمَعَهُ ‌مِنْ غَيْرِي)، قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {‌فَكَيْفَ ‌إِذَا ‌جِئْنَا ‌مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قَالَ لِي: (كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ)، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ. صحيح البخاريّ: 5055
ولا شك أنّ تدبر القرآن والانتفاع به، يقود إلى الإعراض عن الدّنيا، والرّغبة في الآخرة، قال الحسن: "يا ابن آدم: والله إن قرأت القرآن، ثمّ آمنت به، ليطولنّ في الدّنيا حزنك، وليشتدنّ في الدّنيا خوفك، وليكثرنّ في الدّنيا بكاؤك". حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 2/134
ولكم اهتدى بهذا القرآن من أناسٍ كانوا مِن الأشقياء! فنقلهم القرآن مِن الضّلال إلى الهدى، فهذا الفضيل بن عياض، كان قاطعًا للطّريق، سمع ذات ليلةٍ تاليًا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ ‌تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16].
فقال: "بلى يا رب قد آن، قد آن، اللهمّ إنّي قد تبت إليك". سير أعلام النّبلاء: 8/423
فقد قادته آيةٌ إلى طريق الرّشاد، فكان مِن الصّالحين الزّاهدين، والعلماء العامِلين، فهل نتأثّر بالقرآن -لا سيّما في شهر نزوله- وهل تخلّقنا بأخلاقه؟ كما أخبرت عائشة ل عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القرآن: "فَإِنَّ ‌خُلُقَ ‌نَبِيِّ ‌اللَّهِ كَانَ الْقُرْآنَ". صحيح مسلم: 746
خاتمةٌ:
لقد جعل الله جل جلاله القرآن كتاب هدايةٍ وإصلاحٍ، فصلح به حال المؤمنين، وحسم أكثر الخلاف بين اليهود والنّصارى، في كثيرٍ من مسائلهم وتاريخهم وأخبارهم، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ‌أَكْثَرَ ‌الَّذِي ‌هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النّمل: 76].
ولقد حوّل مجرى التّاريخ، فأقام أمّةً كانت مضرب الأمثال في الإيمان والإخاء، والعدل والوفاء، وأظلّ العالَم بلواء الأمن والسّلام أحقابًا مِن الزّمن، و إنّه الكتاب الّذي لا تنفد عجائبه، ولا تنقضي دُرره، ولا يخلق عن كثرة التّرداد، وإنّ كتابًا هذا شأنه لجديرٌ أن يضعه الإنسان نصب عينيه، ويجعله أنيسه في خلوته، وصديقه الصّدوق في يسره وعسره، ومستشاره الأمين في دِينه ودنياه، وحجّته البالغة في حياته وأخراه، فلنتدارس القرآن في هذا الشّهر الكريم، كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ". صحيح البخاريّ: 3361
 ألا فلنعلم أنّ القرآن ربيع القلوب، وبستان العارفين، فلنقبل بقلوبنا على تدبّر آياته، ولنتأدّب بآدابه، ولنشنّف أسماعنا بالإصغاء إلى قصصه ومواعظه، لنسعد في الدّنيا، ونفلح في الآخرة.
1 - الطّبريّ في تفسيره: 29/127
2 - تفسير ابن كثير: 4/411
3 - معالم التّنزيل: 2/254
4 - صحيح البخاريّ: 5055
5 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 2/134
6 - سير أعلام النّبلاء: 8/423
7 - صحيح مسلم: 746
8 - صحيح البخاريّ: 3361
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 119) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 148