الجمعة 20 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 22 نوفمبر 2024 م
الثقة والشجاعة
الأربعاء 22 جمادى الأول 1437 هـ الموافق 2 مارس 2016 م
عدد الزيارات : 3859
الثقة والشجاعة
عناصر المادة
1- الشجاعة أمر من الله
2- الشجاعة طريق المعالي
3- أمثلة من الشجاعة
4- كيف يجب أن نكون
الثقة والشجاعة
المقدمة:
الشجاعة خلق متأصل متجذر في فكر الإنسان المسلم منطلقاً في ذلك من إيمانه بقضاء الله وقدره، فهو يعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه.
 
عناصر الخطبة:
1- الشجاعة أمر من الله.
2- الشجاعة طريق المعالي.
3- أمثلة من الشجاعة.
4- كيف يجب أن نكون.
 
1- الشجاعة أمر من الله
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 16]. وقال جلّ جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال:45]. وهذا يقتضي الشجاعة لا محالة.
وفي الحديث عن عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الأَوْدِيَّ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ: «ا للَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ »، فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا فَصَدَّقَهُ. [البخاري: 2822].    
من هنا فإن المسلم قويٌ شجاع لا يهاب الصعاب، بل إنه يقتحم المخاطر إذا كان في ذلك تلبية لأمر الله، لعِلمه بأنه يستمدُّ القوة من القوي الغالب.
 
2- الشجاعة طريق المعالي
 قال الشاعر:
إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايــةٍ             رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ
ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ             ولا كُبَّــــةَ اللَّهَبِ المُستَعِــرْ
ومن يتهيب صُعودَ الجبالِ             يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَــرْ
 
قال بعض الحكماء: " اعلَم أن كل كريهة تُرفَع أو مَكْرُمة تُكتَسب، لا تتحقَّق إلا بالشجاعة ورؤوس الأخلاق الحسنة، أوَّلها الصبر؛ فإنَّه يَحمِل على الاحتمال وكظْم الغيظ وكفِّ الأذى، ثم العِفَّة، وهي تَجنُّب الرذائل والقبائح، ثم الشجاعة، وهي صفةٌ تَحمِل على عزَّة النفس وإيثار معالي الأخلاق، ثم العدل، فإنَّه يَحمِل على الاعتدال والتوسُّط ".
 
3- أمثلة من الشجاعة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فقد فرت منه جيوش الأعداء وقادة الكفر في كثير من المواجهات الحاسمة، بل كان يتصدر صلى الله عليه وسلم المواقف والمصاعب بقلب ثابت وإيمان راسخ، ويؤكد أنس بن مالك رضي الله عنه ذلك بما حصل لأهل المدينة يوماً، حينما فزعوا من صوت عالٍ، فأراد الناس أن يعرفوا سبب الصوت، وبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس، رافعاً سيفه قائلاً لهم: ( لم تراعوا لم تراعوا ) ، أي ( لا تخافوا ولا تفزعوا ) (البخاري/3040 و مسلم/2307 ).
وحدِّث عن شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حرج، وَقَفَ يوم حنين وسط أعدائه معلنا: ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب..)
وعلي رضي الله عنه: ( كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه ) (رواه أحمد بإسناد صحيح/1346) .
وعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو فِي يَوْمِ أُحُدٍ وقَالَ: «فَأَوْجَعُوا وَاللهِ فِينَا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَالُوا، لَا وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ إِنْ زَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِبْرًا وَاحِدًا، إِنَّهُ لَفِي وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَثُوبُ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرَّةً وَتَفَرَّقُ عَنْهُ مَرَّةً، فَرُبَّمَا رَأَيْتُهُ قَائِمًا يَرْمِي عَلَى قَوْسَيْهِ، وَيَرْمِي بِالْحَجَرِ، حَتَّى تَحَاجَزُوا، وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ فِي عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ» [دلائل النبوة للبيهقي: 3/264].
وأما عن شجاعة أصحابه فقد روى مسلم عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، يَقُولُ:( خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ، قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ، يَا صَبَاحَاهْ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِي قَرَدٍ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي، وَكُنْتُ رَامِيًا، وَأَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمِ السَّاعَةَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ»، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ). (مسلم: 1806). 
ومعنى فأسجح: أي فأحسن وارفق ، والسجاحة : السهولة، أي لا تأخذ بالشدة ، بل ارفق ، فقد حصلت النكاية في العدو ولله الحمد . 
وأما عن شجاعة من بعدهم، فنذكر حا دثة واحدة، معركة ملاذكرد سنة 463 هجرية فقد عزم الإمبراطور البيزنطي «رومانوس الرابع» على طرد «السلاجقة» من «أرمينيا» وضمها إلى النفوذ البيزنطى، فأعد جيشًا كبيرًا يتكون من مائتى ألف مقاتل، وتولَّى قيادته بنفسه، وزحف به إلى «أرمينيا»، وعندما علم السلطان «ألب أرسلان» بذلك وهو بأذربيجان لم يستطع أن يجمع من المقاتلين إلا خمسة عشر ألف فارس، فتقدم بهم إلى لقاء الإمبراطور البيزنطي وجحافله، والتقت مقدمة جيش السلطان بمقدمة جيش «رومانوس» في «أرمينيا» فهزمتها. وقد أراد السلطان «ألب أرسلان» استغلال هذا النصر المبدئي فأرسل إلى الإمبراطور «رومانوس» يعرض عليه الصلح، إدراكًا منه لحرج موقفه بسبب قلة جنده، فرفض «رومانوس» الصلح وهدد السلطان بالهزيمة والاستيلاء على ملكه، وقد ألهب هذا التهديد حماس السلطان وجيشه وعزموا على إحراز النصر أو الشهادة، ووقف فقيه السلطان وإمامه «أبو نصر محمد بن عبدالملك البخاري» يقول للسلطان: « إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فالْقَهُم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي تكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة ». فلما جاءت هذه الساعة صلى بهم، وبكى السلطان فبكى الناس لبكائه ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنَّط وقال: إن قُتِلْتُ فهذا كفني!. والتقى جيش السلطان وجيش الإمبراطور في مدينة «ملاذكرد» بأرمينيا، وحمل المسلمون على الروم حملة رجل واحد، وأنزل الله نصره عليهم فانهزم الروم وامتلأت الأرض بجثثهم، وتمكن المسلمون من أسر إمبراطور الروم «رومانوس»، فأحسن السلطان «ألب أرسلان» معاملته، وأعفاه من القتل مقابل فدية مقدارها مليون ونصف مليون دينار، وعقد معه صلحًا مدته خمسون عامًا، وأطلق سراحه وأرسل معه جندًا أوصلوه إلى بلاده ومعهم راية مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله». [الدولة العُثمانية عَوَامل النهُوض وأسباب السُّقوط: عَلي الصَّلاَّبي:ص31].
 
4- كيف يجب أن نكون
لنكن شجعاناً كما أمرنا الله، ولنكمل مسيرة ثورتنا حتى النهاية، مهما كانت المصاعب والظروف، فلنري عدونا بعد ذلك ما يسوؤه، يدفعنا إلى ذلك الثقة التي نعتقدها بالله جل وعلا، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَاسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ ﴾ (يوسف: 110).
وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾[البقرة:257]، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ (محمد:11).
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ (الحج:38)، وهو ناصرهم قال تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الروم:47)، وقال تعالى: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (الحج:40).
بل مما يزدنا شجاعة وثقة قول الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ (آل عمران: 12)، وقال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾ (الأنفال: 36)، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ (المجادلة: 5).
وكذلك يجب أن نكون شجعانا فنتنازل عن الأسماء والمناصب في سبيل وحدة الصف واجتماع الكلمة، وإن استوجب الأمر واستعصى يجب أن نكون شجعانا في أن ننزل مرة أخرى إلى الشوارع فنسقط الفصائلية المقيدة، ولنعلنها: الشعب يريد توحيد الصفوف.
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149