1- أيها الصائمون هنيئاً لكم
2- أصلحوا ذات بينكم
3- صلوا أرحامكم يصلكم ربكم
4- لا تحزنوا وافرحوا
الخطبة الثانية:
5- يا أهل الشام صبراً
مقدمة:
الله أكبر كلمَا لاحَ صباحُ عيدٍ وأسفر،
الله أكبر كلما سطعَ برقٌ وأنور،
الله أكبر كلما أرْعدَ سحابٌ وأمطر،
الله أكبر كلما صامَ صائمٌ لله وأفطر،
الله أكبر عددَ ما هلَّ هلالٌ وأنور،
الله أكبر عددَ ما تأمَّل متأمِّل في الكون وفكر،
الله أكبر عدد ما جاهد مجاهدٌ وصبر،
الله أكبر عدد ما رمى رامٍ في سبيل الله وكبَّر،
الله أكبر كلما غُلِبَ ظالمٌ وباغٍ واندحر..
والحمدُ لله الذي سهَّل لعبادِه عبادته ويسَّر، ووفَاهُم أجورَهم من خزائن جودِه فأوفر، ومنَّ عليهم بأعيادٍ تعودُ عليهم وتتكرر،
والحمدُ لله الذي تابعَ بين مواسِم العبادةِ لتشيدَ الأوقاتُ بالطاعة وتعمر، فما انقضى شهرُ الصيام حتى أعقبَه بشهور حج بيتِ الله المطهَّر،
نحمدُه على نعمه التي لا تعدُّ ولا تحصى ولا تحصر، ونشكرُه على فضله وإحسانه، وحُقَّ له أن يُشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ انفرد بالتدبير وكلُّ شيء عنده بأجل مقدر،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ذو الوجه الأنوَر، والجبين الأزهر، أفضلُ من تعبد لله وصلى وزكى وحج واعتمر،
صلى الله عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّر، وعلى أصحابه السبّاقين إلى الخيرات، فنعم الصحبُ والمعشر،
وعلى التابعين لهم بإحسان في كل زمان ما بدا فجرٌ وأنور، وسلَّمَ تسليم كثيراً.
عناصر الخطبة:
1- أيها الصائمون هنيئاً لكم.
2- أصلحوا ذات بينكم.
3- صلوا أرحامكم يصلكم ربكم.
4- لا تحزنوا وافرحوا.
5- يا أهل الشام صبراً.
1- أيها الصائمون هنيئاً لكم
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى 14- 15].
قال ابن عمر: أي قد أفلح من أدى زكاة الفطر وذكر اسم ربه فصلى صلاة العيد.
عباد الله، كنتم بالأمس في شهر رمضان، شهر البركات والخيرات، شهر مضاعفة الأعمال والحسنات، وفي صبيحة هذا اليوم المبارك، يوم عيد الفطر، غدوتم إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه بالجزيل.
لقد أمِرْتم بقيام الليل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، وارجعوا راشدين إلى رحالكم، وانتظروا الفرحة الكبرى يوم القيامة يوم يُنادَى على الصائمين أن ادخلوا الجنة من باب الريان،
وقال لكم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19].
ثم تلقون ربكم في جنات النعيم فتنظرون إليه ويرضى عنكم،
قال صلى الله عليه وسلم: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)
لقد استطعتم في رمضان أن تُضربوا عن المباحات والطيبات، تركتم الماء الزلال، والطعام الطيب اللذيذ الحلال، تركتم شهواتكم طاعة لربكم، فهل يليق بمن منع نفسه من الحلال طاعة لله، أن يَقْرَبَ بعد رمضان السُّحت الحرام، من الشراب والطعام؟
2- أصلحوا ذات بينكم
أيها المؤمنون: العيد مناسبة طيبة لتصفيةِ القلوب، وإزالةِ الشوائب عن النفوس، وتنقية الخواطر مما علق بها من بغضاء أو شحناء، فلنغتنم هذه الفرصة، ولنجدد المحبة، ولتحلَّ المسامحة والعفو محلّ العتب والهجران، مع جميع الناس، من الأقارب والأصدقاء والجيران، وتذكَّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزّاً) ،
وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ، يلتقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا وخيرُهما الَّذي يبدَأُ بالسَّلامِ) ،
وفي رواية: (فمَن هجرَ فوقَ ثلاثٍ فماتَ دخلَ النَّارَ)
وفي حديث آخر: (من هجر أخاهُ سنةً ، فهو كسفكِ دمِه)
ألا فاتقوا الله معاشر المتباغضين، وسارعوا إلى إصلاح ذات بينكم، وكونوا عونًا لأنفسكم وإخوانكم على الشيطان، ولا تكونوا عونًا للشيطان على أنفسكم وإخوانكم، وتأملوا في قول نبيكم صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسَدوا ، ولا تَناجَشوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وَعِرْضُهُ)
3- صلوا أرحامكم يصلكم ربكم
يا عباد الله: إن الكثيرين منا قد عششت الأحقاد والضغائن في قلوبهم، وفرخت قطيعةً للرحم وتعاسةً ونكداً، أفلم يأن لقلوبنا أن تصفح وتسامح وتغفر؟ أليس الوقت مناسبا لوصل ما انقطع من أرحام وإصلاح ما فسد من وشائج الصداقات والقربات؟ ألم نسمع إلى ربنا سبحانه وهو يقول:
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23]،
فكيف بقوم لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم أن يفلحوا وأن ينتصروا؟!
رحمة الله ونصره وفرجه ينزل على المتراحمين من الناس، وعلى المتواصلين المتحابين، كما قال الله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].
فلنستغل فرصة العيد ولنكن نحن أول من يبدأ بالسلام لعل الله أن يدخلنا جنته، وأن يفرج عنا ما نحن فيه بهذا العمل الصالح،
كيف يسعد بالعيد من قطَّع رحمه، واستجلب لعنه الله وغصبه؟!
كيف يسعد بالعيد من عق والديه فحرم الرضا في هذا اليوم المبارك السعيد،
ليس العيد لمن يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله،
وليس العيد لخائن غشاش كذاب يسعى بالأذى والفساد والنميمة بين الناس،
ليس العيد لمن تجمل ظاهرُه بالجديد وقلبه على أخيه أسود صنديد؟!
كيف يسعد بالعيد من غش أمته فأوقعها في المتاعب والمزالق من أجل لعاعة من الدنيا تفنى عما قريب؟!
وكيف يسعد بالعيد من خرج من رمضان راغماً أنفه غير مغفور له قد أبعده الله في النار؟!
كيف يهنأ بالعيد من استقام في رمضان، وبعد رمضان عَدَل عن الطريق الأقوم وسلك الطريق الأبعد وقطع حبال الصلة التي عقدها مع ربه قبل أيام..؟!
كيف يفرح بالعيد من أضاع أمواله في الملاهي وفي أماكن الفسق والفجور مسرفاً مبذِّراً مانعاً حقَّ الفقراء والمساكين..؟!
إن أعياد المسلمين تأتي بعد عبادات عظيمة في الإسلام، فعيد الفطر يأتي بعد فريضة الصيام، وعيد الأضحى يأتي بعد فريضة الحج، فالفرحة بالعيد لأهل الطاعة والإيمان،
إنما العيد لمن طاعته تزيد، إنما العيد لمن خاف يوم التناد، واتقى مظالم العباد، وابتعد عن كلِّ ما نهى الله عنه..؟!
إنما العيد لمن فاز بالقّبول والعتق من النار..
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ}[يونس 58].
4- لا تحزنوا وافرحوا
عباد الله، ها هو العيد يأتي على الأمة لتلبس الجديد ويهنِّئ بعضها بعضاً بهذه المناسبة السعيدة. لكنه يأتي اليوم والأمة قد اشتد بلاؤها، وازداد كربها، وتشعَّبت أزماتها ..
ولكننا سنفرح كما هي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في العيد ولكن أنى لنا ذلك؟ وكيف لنا ذلك؟ ولنا إخوان لنا في الدين والعقيدة في كل يوم يقتلون، وفي كل يوم يشردون؟! فراشهم الأرض، ولحافهم السماء..
كما لنا إخوان قد غصت بهم السجون والمعتقلات، يقاسون الكرب والشدة، قتلٌ وتشريد، وسجنٌ وتعذيب، وهدم للبيوت واغتصاب للحرمات.
ولكن مع كل ذلك البلاء وكل هذا الشقاء لا يجوز لنا أن نيأس،
ولا يجوز أن نقنط، فإنه لا ييأس من رحمة ربه إلا القوم الكافرون، ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، وأبشروا فإن نصر هذه الأمة قد انعقد غمامه، وقد أقبلت أيامه، فأحسنوا الظن بربكم، واجمعوا مع الأمل حسن العمل، واعلموا أن الشدائد التي تمرّ بها الأمة هي أمارات ميلاد جديد بإذن الله، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا.
قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 4-6].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الحمد لله حمد الشاكرين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد:
5- يا أهل الشام صبراً
عباد الله.. في هذا اليوم الأغرِّ المبارك علينا أن نفرح ولا نحزن، رغم ما أصابنا ونزل بنا من مِحنٍ وبلاء، وشدّةٍ وغلاء،
أنتم يا من في أنوفكم شمم، وفي قلوبكم إباء، وفي نفوسكم ترفُّعٌ واعتداد، أنتم يا من لم يوحشكم قلة الناصر، ولم يوهنكم كثرة الخاذل، أنتم يا أبطال العقيدة في سوريا..
اعلموا.. أنه لن يبيع الشام من لا يملكها، ولن يشتريها من لا يستحقُّها، إن غرس النصيريين لا ينبت، وإن نبت لا يثبت.
إن الشام وديعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم عندنا، وأمانة عمر في أعناقنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، لئن أخذها الروافض منا ونحن عُصْبَةٌ إنا إذا لخاسرون..
فالصبر الصبر يا أهل الشام، والصبر الصبر يا أهل العراق، والصبر الصبر يا أهل اليمن، والصبر الصبر يا أهل بورما، والصبر الصبر يا أهل مصر، والصبر الصبر يا أيها المسلمون في مكان،
فما النصر إلا من عند الله، ونعم الناصر الله، كتب الله بأن الحقَّ غالبٌ، وبأن الرسل منصورون باسم الله مهما أرجف الطاغوت واستعلى وأفنى وتكالب،
إن دين الله غالب إن أمر الله غالب
إن وعد الله غالب إن جند الله غالب
لا تيأسوا ليل الشقاء سينجلي ... والفجر سوف يزف صوت البلبل
وستحمل الدنيا مشاعل نصرنا ... في كفِّها وتـــدك كــــلَّ مضـــلِّلِ
بفتيةٍ كأسود الغاب ليس لهم ... إلا الرماح إذا احمرَّ الوغا أجلُ
كالبرق إن عزموا، والرعد إن صدقوا ... والغيث إن وهبوا، والسيل عن وهبوا
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:139-142].
يا عيد جئت وأرض الشام بركان حمم تفور يدك الشعب طغيان
هذي المدافع في الآذان ضجتها لا مدفع الفطر بل قصفٌ ونيران
قد ألبس الأطفال ثوباً بالدما صُبِغَتْ لا ثوب عيد فثوب العيد أكفان
كم فيك يا شام من ثكلى وأرملة أو من جريح، وتخفي الحبيب قضبان
إني رجعت إلى أهلي ومجبنتي خلفت قوماً لهم بالعيد أشجان
يا أهل سورية الشماء فاصطبروا النصر آت وعقبى البغي خسران
فافرحوا عباد الله ولا تحزنوا، افرحوا وتذكروا بفرحكم في يوم العيد يومَ الفرحة الكبرى، حين يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وحين يأمن المؤمنون مسَّ العذاب، وحين يقول الله لعباده الصائمين: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].
بينما أهل العذاب ينادون كما قال الله عنهم: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50].