1- وسطية الإسلام
2- الغلو من قدم الأديان في أصله و نوعه
3- الأمر بالاستقامة والتحذير من التنطع
4- التحذير من التكفير لأن الغلو فيه يريق الدماء المعصومة
5- علاج الغلو
مقدمة:
الإسلام الحنيف خاتم الأديان والرسالات الإلهية، تميز منذ فجر دعوته في العهد النبوي بالتوسط والاعتدال، والسماحة، واليسر، ودفع الحرج والمشقة، سواء في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملات، والعلاقات الاجتماعية والإنسانية؛ فهو دين الحنيفية؛ وعليه فكل مسلم يبغي التشدد والتعنت إنما يعاند روح الإسلام، ويصبح من الغالين، فما هو الغلو؟.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)
الغلو هو مجاوزة القدر، ومجاوزة الحد في كل شيء، غلوت في الأمر إذا جاوزت فيه الحد وأفرطت فيه، وفي الشرع عرف ابن حجر الغلو بأنه: "المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجاوز الحد".
1- وسطية الإسلام
لقد اختار الله لأمة الإسلام منهجها وبيّن لها طريقها، فهي وسط بين الأمم، وطريقها هو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ} [البقرة:143].
فهي أمة الوسطية، ودينها وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسطِ بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيّع له،فالغالي فيه مضيّع له أيضا، هذا بتقصيره عن الحدّ، وهذا بتجاوزه الحدّ.
وإنّ مِن أبرز سِمات هذهِ الشريعة المحمَّديّة الخاتمةِ الوسطيّةُ والاعتدال، حيث بُنِيت على جَلب المصالحِ ودرء المفاسد، والتيسير ودَفع المشقّة، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة:185].
وقال في وَصفِ من شملته رحمةُ الله من أهل الكتاب: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157].
أي: أنه جاء بالتيسير والسماحةِ والرِّفق ورفعِ الحرَج أو الحنيفيّة السَّمحة، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم لأميرَيه معاذٍ وأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنهما لمّا بعثهما إلى اليمَن : (يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعَا ولا تختلفا)
2- الغلو من قدم الأديان في أصله و نوعه
فالغلوُّ في الدِّين في بني آدم قديم منذ قِدَم الأديان، وإن كان يَختلف في نوْعِه؛ لكن يجمع البشرَ اشتراكُهم في أصله؛ قال ابن عبَّاس في قوله تعالى: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} "أسْماءُ رِجَالٍ صَالِحينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهمْ أنِ انْصِبُوا إلى مَجالِسِهِم الَّتي كانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسمُّوهَا بِأسْمائِهمْ، ففَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إذا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ"
فغلت طائفة من قوم نوح في هؤلاء الصَّالحين حتَّى عبدوهم، ولا زال الغلوّ في بني آدم من بعد ذلك، وممَّا أخبرنا به ربُّنا عزَّ وجلَّ في غلوّ مَن سبقنا قولُه تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: 171].
فلا زال الغلوّ في النَّصارى حتَّى اتَّخذوا المسيح وأمَّه إلهين من دون الله.
فالغلوّ في النصارى قديم سابق لِمن غلا من المسلمين، فما نراه في هذا الزَّمن من تَحقير النَّصارى للمسلمين ولدينِهم ولنبيِّهم هو لون من ألوان الغلوّ الَّذي ورِثوه عن أسلافهم، وكذلك من غلوِّهم: غلوهم في الحريَّة الشخصيَّة حتَّى أباحوا ما أجمعتِ الرّسالات السماويَّة والفِطَر السويَّة على تَحريمه، ومِن غلوِّهم سعْيُهم الحثيث في فرْض ثقافتهم ومبادئهم وأخلاقهم على غيرهم.
وقد ظهر في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غلوٌّ في سلوك بعض الصَّحابة في جانب التعبُّد، فقام النبي بتوجيهِه وتعديله، فمن ذلك قصَّة النَّفر الثلاثة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزْواج النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم يسألون عن عبادة النَّبيِّ - صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم فلمَّا أُخْبِروا كأنَّهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحنُ مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟! قال أحدهم: أمَّا أنا فإنِّي أصلِّي اللَّيل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدَّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزِل النِّساء فلا أتزوَّج أبدًا، فجاء رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليْهِم، فقال: (أنتُم الَّذين قلتُم كذا وكذا؟ أما - والله - إنِّي لأخشاكم لله وأتْقاكم له، لكنِّي أصوم وأفْطِر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النِّساء، فمَن رغِب عن سنَّتي فليس مني)
وعن الفضل بن عبَّاس قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غداة العقبة وهو على راحلتِه: (هات القُطْ لي)، فلقطت له حصياتٍ هنَّ حصى الخَذْف، فلمَّا وضعتهنَّ في يدِه قال: (بأمثال هؤلاء، وإيَّاكم والغلوَّ في الدين؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلَكم الغلوُّ في الدين)
وسبب هذا اللَّفظ العام رمي الجمار، وهو نهي عامّ عن جميع أنواع الغلو، والغلو هو مُجاوزة ما حدَّه الشَّارع.
وقد ينقدح في الذّهن سؤال: ما علاقة الغلوّ بالرَّمي بحصاة أكبر ممَّا حدَّها النَّبيّ؟
والجواب هو: المبالغة في التعبّد، فالشَّيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصّراط المستقيم ولا يبالي إلى أيّ الشقَّين صاروا: إلى إفراط أو تفريط، فالانحراف يبدأ صغيرًا ثمَّ لا يزال يكبر وينفخ فيه الشَّيطان حتى يضادّ دين الله، وإن كان صاحبه يريدُ الخير ويطلب مرْضاة الله، لكنَّ الأمر اتباع وليس هوى يتَّبع أو رأي يُعْمَل به، بل هو التعبُّد لله بنصوص الوحْيَين الكِتاب والسنَّة، فمَن زاغ عنهما فهو هالك.
فبداية غلوّ الخوارج هو المغالاة في فهْم النصوص الشرعيَّة وتطبيقها، مع أنَّ لهم قسطًا من العبادة والحرص على الخير، ولازال هذا الغلو يزداد ويبتعِد عن النصوص الشرعيَّة، حتَّى حملهم على تضليل وتكفير حَملة النصوص الشَّريعة المبلِّغين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعني: الصَّحابة رضي الله عنهم.
وبدعة الرَّافضة بدأت بالغلوّ في بعض آل النَّبيِّ حتَّى آل الأمر بهم لتكْفير أكثر الصَّحابة وتنقُّصهم.
3- الأمر بالاستقامة والتحذير من التنطع
الواجب هو الاستقامة على أمر الله وأمْر رسوله، وترك ما خالفهما وإن بدا للعقل القاصر أنَّ في ذلك خيرًا، فالعبرة بالمآل ونهاية الأمر لا بالحال الحاضرة، فالنَّبيُّ أمر بالاستقامة على أمر الله؛ قال تعالى مخاطبًا رسولَه وأتباعه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112]، فلمَّا أمر تبارك وتعالى بالاستقامة حذَّر من مُجاوزة المشْروع؛ فقد ينتهي الأمرُ إلى الغلوّ والمبالغة، فأمرنا بالاعتِدال، فيُريد ربُّنا منَّا الاستقامة على ما أمر دون تفريطٍ أو غلوّ.
وقد وردت النُّصوص في ذم المفرِّط على تفريطه، فهو من أهل الوعيد المستحقّين للعقوبة في الدنيا والآخرة إن لم تتداركْه رحمة الله، وكذلك ورد النَّهي عن الغلوّ في الدّين والإخبار بهلاك المتنطعين؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (هلك المتنطِّعون)، قالها ثلاثًا،
فالغالي هالك في الدّنيا قبل الآخرة، هالك حينما يستحلّ ما حرَّم الله من الاعتِداء على الأموال والأنفُس، وهالك في عدم ثباته وانْحِرافه، فتجِده متلوِّنًا، فلو استقْرأنا التَّاريخ الماضي والحاضر لوجدنا كثيرًا من الغلاة حصَل لهم نكوص عن الاستِقامة، فاستبدلوا غلوَّهم في الإفراط بغلوّ في التَّفريط، وهذا أمر طبعي؛ فمَن كان يتعبَّد الله بالهوى لا يثبُت إنَّما يدور مع الهوى حيث دار، فإذا كانت بضاعة الخير هي الرَّائجة سلكها وإن كان للباطل صولةٌ سلكه.
4- التحذير من التكفير لأن الغلو فيه يريق الدماء المعصومة
الأصل أنَّ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرَّمة من بعضهم على بعض، لا تحلّ إلاَّ بإذن الله ورسوله؛ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في خطبته في حجَّة الوداع: (إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليْكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)
ومن أعظم الأمور الحُكْم على المسلم بالكفر والنّفاق، فهو حكم خطير له آثارُه العظيمة في الدُّنيا والآخرة، فلا يجوز أن يقْدِم عليه أحد إلاَّ أن يكون كفرًا بواحًا لا مِرْية فيه، عند الحاكم به بُرهان من كتاب الله أو سنَّة رسوله؛ فعن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (أيّما امرئٍ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهما، إن كان كما قال وإلاَّ رجعت عليْه)
قال القرطبي: "المقولُ له: كافر، إن كان كافرًا كفرًا شرعيًّا فقد صدق القائل له ذلك، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن كذلك رجعتْ للقائل معرَّة ذلك القول وإثْمه".
فتكفير المسلمين كبيرةٌ من كبائر الذُّنوب، وأهل السنة لا يكفّرون بالكبائر؛ ففي النصوص الشرعيَّة وعيد شديد لِمن كفَّر أحدًا من المسلمين وليس هو كذلك، فالتَّكفير حكم شرعي يترتَّب عليه أمور عظيمة؛ فلذا فهو مضبوط بضوابط شرعيَّة من نصوص الكتاب والسنَّة، فلا يقدِم عليه أحدٌ بمجرَّد الهوى أو ممَّن ليس له رسوخٌ في العلم الشَّرعي، فالأصل أنَّ مَن تلفَّظ بالشّهادتَين وأقام الصَّلاة فهو مسلم، تُجرى عليه أحكام الإسلام في الظَّاهر.
فعن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله صلَّى اللَّه عليْه وسلَّم: (أُمِرْت أن أقاتل النَّاس حتَّى يقولوا: لا إله إلاَّ الله، فإذا قالوها وصلَّوا صلاتنا واستقبلوا قبلَتَنا وذبحوا ذبيحتَنا، فقد حرمت علينا دماؤُهم وأموالُهم إلاَّ بِحقِّها، وحسابُهم على الله)
ولو شككْنا في صدْق إيمان شخصٍ أو أنَّه يتظاهر بالإيمان، فتُجْرى عليه أحكام المسلمين في الظَّاهر والله يتولاه في الآخرة؛ فعن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم في سريَّة فصبحنا الْحُرَقَاتِ من جهيْنة، فأدركتُ رجلاً، فقال: لا إله إلا الله، فطعنتُه فوقع في نفسي من ذلِك، فذكرتُه للنَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم: (أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟!) قال: قلتُ: يا رسول الله، إنَّما قالها خوفًا من السَّلاح، قال: (أفلا شققت عن قلبِه حتَّى تعلم أقالها أم لا؟!) فما زال يكرِّرها عليَّ حتَّى تمنَّيت أني أسلمتُ يومئِذ؛
فإذا خرج الحكم بالكفْر من مجتهد راسخٍ في العلم، فهو مأْجور على كل حال، حتَّى لو أخطأ، إذا بذَل وسْعَه..
فهذا كتاب ربِّنا طافح في ذكر الكفَّار والحكم بكفْرِهم وخلودِهم في النَّار، من كفرة أهل الكتاب وغيرهم؛ كما في قوله تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105].
فحكم على مَن لم يسلِم مِن أهل الكتاب وغيرِهم بالكُفْر.
5- علاج الغلو
لا بد من معالجة الغلو لأنه ظاهرة خطيرة، وقضية كبيرة وينبغي على المجتمع المسلم اجتثاثها من أساسها بكل الوسائل الشرعية الممكنة منها والمتاحة، ويتجلى العلاج في وصايا كثيرة نذكر منها:
الوصية الأولى: عدم استخدام العنف بمفرده؛ والوسيلة الأنفع في ذلك هي الحوار، وهي الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنه، فلقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم ذا الخويصرة وقال له: (ويحك، من يعدل إن لم أعدل؟!)
وكذلك حاور ابن عباس الخوارج فرجع منهم ألفان. ولا شكّ أن أسلوب الحوار في هذه المشكلة هو من أنفع الأساليب إذا كان يجدي؛ ذلك أن نور الحقّ ساطع وبرهانه قاطع، وهو يعلو ولا يعلى عليه، وهو الذي يعالج المشكلة من جذورها؛ لأن العنف مظهَر للفكر، ولا يمكن إزالة الفكر بإزالة مظهره فقط.
فإن لم يُجدِ الحوار والجدال بالتي هي أحسن انتُقل إلى الخطوة الأخرى وهي اجتثاث فكر الغلو ولو بالقتال وذلك إذا أوصل صاحبه لأن يكون من الخوارج المارقين، والأدلة في شرعنا مستفيضة على هذا.
الوصية الثانية: تعزيز ما من شأنه إزالة أسباب هذا الغلو كنشر العقيدة السليمة والنهج الصحيح،ذلك أن السمَة الغالبة لكثير ممن يغلو في دين الله عزوجل هي الجهل بعقيدة السلف ومنهجهم في الاستدلال، قال النبي عليه الصلاة والسلام في صفة الذي اعترض على قسمته: (إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان)
فذكر من أبرز مظاهر الغلاة عدم فهم القرآن، ولو قرؤوه بألسنتهم فهم لا يتفقهون فيه، ولا يعرفون مقاصده، وهذا يجعلهم يأخذون آيات نزلت في الكفار فيجعلونها على المؤمنين، كما قال ابن عمر رضي الله عنه.
الوصية الثالثة: هي إحياء دور العلماء العاملين؛ ذلك أن غياب العلماء عن الساحة في كثير من الأحيان هو من أكبر أسباب الغلو المبني على الجهل، ولذلك فإن الوصية المبذولة هي الاهتمام بإعادة دور العلماء.
الوصية الرابعة: دفن الهوّة بين العلماء والأمراء من جهة،وبين الشباب من الجهة الأخرى؛ ذلك أن الشاب إذا وثق بمن يتولى أمره من قائد أو عالم فإنه سيسمع ويطيع، وبالتالي ستحل مشكلاته، ويتضح له ما التبس عليه.
وفي الختام: يجب أن لا ننسى وسطية هذا الدين، وأنه جاء ليحارب التنطع والغلو والتشدد، والقرآن والسنّة مليآن بالشواهد والأدلة التي لا تكاد تحصى.
والله نسأل أن يهدي ضالّ المسلمين، وأن يدفع عن هذه البلاد الفتنَ والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ، يعزّ فيه أهل الطاعة، ويهدَى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.