إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، وإن من نفحات الله شهر الخير والبركات شهر رمضان، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا رمضان قد جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين). سنن النسائي: 2424

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم). سنن ابن ماجه: 1644

وعن أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا رمضان قد جاء، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين). مسند أحمد بن حنبل: 13474

وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عند كل فطر عتقاء، وذلك في كل ليلة). سن ابن ماجه: 1643

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه) صحيح البخاري: 38

رمضان هذا الشهر الفضيل المبارك أشبه ما يكون بدورة تدريبية للمسلمين بكل المقاييس.

دورة تدريبة على الصبر والتحمل: فالذي يحبس نفسه عن شهوات الطعام والشراب والجماع، ويكظمها عن الانسياق وراء الاستفزازات والمثيرات، ويلجم سورتها بكظم الغيظ وتجرع الغضب، قادر على أن يتمثل هذه الخصال خارج رمضان، فتحسن أحواله، وتسعد حياته، ويستقيم أمره.

دورة تدريبة على صالح الأخلاق: وتوقيع عقد نبذ الشنآن، وترك الخصومات والشجارات، فلا يستقيم للصائم أن يكون فاحشا بذيئا، لعانا فَجورا، مخاصما معاندا، مماريا مجادلا، حتى إذا استُفز بما يفسد عليه صيامه، لم يزد على القول: إني صائم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ). صحيح البخاري ١٩٠٤

وهو من باب أولى تارك للكذب وقول الزور، يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن لَم يدَع قَولَ الزُّورِ والعمَلَ بِه والجَهلَ، فليسَ للَّهِ حاجَةٌ أن يدَعَ طعامَه وشرابَهُ). صحيح البخاري: ٦٠٥٧

قال ابن القيم رحمه الله: "والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب، والفحش، وقول الزور، وبطنُه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيَخرُج كلامُه كله نافعاً صالحاً".

دورة تدريبة على تحريك اللسان بالدعاء: واللجوء إلى الله تعالى لتفريج الكربات، وتهوين المصائب والأزمات، وإزاحة الأكدار والأحزان، وكذلك لقضاء الحاجات، وتحقيق الرغبات، فقــد قال النبي الكريــم صلى الله عليه وســلم: (إنَّ للصَّائمِ عندَ فِطرِهِ لدعوةً ما تردُّ). الفتوحات الربانية ٤/٣٤٢ قال ابن حجر العسقلاني: حسن

دورة تدريبة على قيام الليل، وحصد الأجر الوفير الذي أعده الله للمخبتين: الذين يقومون لله والناس نائمون. قال تعالى في بيان صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، وقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

قال الحسن: "كابَدوا الليل، ومَدُّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار".

وجاء رجل من قضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء). ابن خزيمة: (٢٢١٢) واللفظ له، صحيح ابن حبان: (٣٤٣٨)

وجماع ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). صحيح البخاري: (٣٧)، ومسلم: (٧٥٩)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). سنن الترمذي: 683

دروة تدريبة على الاندماج بالناس، والوقوف على أحوالهم، وتفقد شؤونهم: وذلك بالحرص على الصلوات جماعة في المساجد خمس مرات، مع صلاة التراويح، حيث النفحات الإيمانية تهب على القلوب، وتطمئن النفوس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم). سنن ابن ماجه (٤٠٣٢) واللفظ له، وأحمد (٥٠٢٢)

وهذا يسلمنا إلى تدريب رمضانَ المسلمَ على مواساة الفقراء والمحتاجين، الذين يرنون إلى هذا الشهر بعين التفاؤل، لما يعلمون من التفات الأغنياء فيه إليهم بالبذل والجود، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان: "أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ". صحيح البخاري: ١٩٠٢، صحيح مسلم: ٢٣٠٨

وحسبُ المتصدق في رمضان قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا). سنن الترمذي: ٨٠٧

دورة تدريبة على الصحة الجيدة، والحمية المجدية: ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (الصيام جنة). صحيح البخاري: (٥٩٢٧)، صحيح مسلم (١١٥١)

أي وقاية من كل أذى. وقال صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ). سنن النسائي (٢٢٢٠)، مسند أحمد: (٢٢١٤٠)

أيها الصائم: احرص على أن تفتح صفحة جديدة مع ربك، اعترف له بكل ذنوبك وقل يا رب أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي، فهذا أوان التوبة وهذا شهر الغفران، واعلم أن ربك غفور وغفار رحيم ورحمان، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرته غفر لك، فلا تقل عندي ذنوب كبيرة تنأى عن حملها الجبال ولا يغفرها الله لي، فوالله لو جئت ربك بقراب الأرض خطايا ثم لقيته لا تشرك به شيئا لغفر لك.

أيها الصائم: احرص على أن تفتح صفحة جديدة مع الناس، رد الحقوق إلى أهلها واستسمح ممن ظلمته أو تكلمت فيه أو أخذت له مالا أو قذفت له عرضا، فحقوق الناس شأنها عظيم ولا يغفرها الله إلا إذا رددت الحقوق أو تنازل عنها الناس وسامحوك، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، كما جاء في الحديث الصحيح.

أيها الصائم: افتح صفحة جديدة مع نفسك بإصلاحها وإلزامها طريق الاستقامة والعمل، غذّ روحك بالطاعات والقربات كما تغذي نفسك بالطعام والشراب، أقبل بهذه النفس على الله واكبح جماحها عن الشهوات التي طالما أبعدتها عن الله، ألزمها الأذكار والأوراد، وعودها الإحسان إلى الناس بالكلام والمعاملة، أصلح لسانك وعوده الكلام الطيب واحجمه عن الخبيث، وعاقب نفسك إن أخلت وابتعدت، حاسب نفسك فمن لم يحاسبها في الدنيا طال حسابه يوم القيامة.

رمضان فرصة قد لا تدركها مرة أخرى، فصم صيام مودع، واعلم أن الصيام يشفع للعبد يوم القيامة كما يشفع له القرآن، وإذا كان الصوم خاصا بالله وهو الذي يجزي به فحري بك أن تتم صومك ولا تجعله عن الطعام والشراب فقط، فصوم الطعام والشراب يحسنه كل أحد أما صوم الجوارح والقلب فقلّ من يحسنه.