1- الإصلاح أملٌ وعملٌ
2- الإصلاح رسالةٌ وفريضةٌ
3- الإصلاح وأسبابه: همٌّ وهمّةٌ، ورحمةٌ ومحبّةٌ
4- الإصلاح منهجٌ وصلاح، وتدرّجٌ نحو النّجاح
5- الإصلاح تغييرٌ وتمكيينٌ
مقدمة:
في زمنٍ كثُر فيها الفساد في البرّ والبحر، وانتشر العقوق وضاعت الحقوق، وكاد الفساد والطّغيان أن يهلك العباد والبلدان، ترتفع صرخات النّذير، وتعلو نداءات التّحذير؛ لإنقاذ النّاس قبل أن يعمّهم الله بالعذاب والعقاب الشّديد، فقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 11-14].
وقد حذّر البشير النّذير صلى الله عليه وسلم من السّكوت عن الفساد في الفرد والأمّة فقال: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ).
أيّها المسلمون: إنّ الإصلاح رسالة الأنبياء وغاية العقلاء، وقد عبّر عنها خطيب الأنبياء سيّدنا شعيبٌ عليه السلام فقال: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88].
والإصلاح رسالة كلّ حرٍّ وشريفٍ؛ يؤمن أنّ الإصلاح فريضةٌ شرعيّةٌ ومسؤوليّةٌ اجتماعيّةٌ، لا بدّ أن ننهض بأعبائها ونعمل على إحيائها، فبالإصلاح يحقّق المرء إيجابيّةً في حياته، وجدّيّةً في دينه، فالناس موتى وأهل الإصلاح أحياءُ، قال الله تعالى فيهم: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116-117].
إذاً هي سنّةٌ ربّانيّةٌ، وحقيقةٌ كونيّةٌ أنّه لا نجاة للأمم إلّا بالنّهي عن الفساد، ولا خيريّة للبشريّة إلّا بإصلاح العباد والبلاد.
1- الإصلاح أملٌ وعملٌ
لعلّكم أيّها الأخوة الكرام تبحثون عن علاجٍ للفساد الّذي عمّ بين النّاس، ولعلكم تنتظرون دواءً للأخطاء الّتي انتشرت في المجتمع، ولعلكم تتشوّقون لعودة الأمّة إلى سالف عزّها ومجدها، فما منّا من أحدٍ إلّا ويرجو أن يعمّ الخير والنّماء، وينتهي الشّرّ والفحشاء، فالكلّ يطلب أن يتحوّل النّاس من المعاصي إلى الطّاعات، ومن المنكرات إلى الخيرات، أن ينتقل المجتمع من الظّلم والبغي والعدوان إلى العدل والسِّلم والإحسان، أن ينتهي عهد الفجور والفساد والتسلّط والاستبداد؛ الّذي عمّ البلاد والعباد، فكم من يتيمٍ أُكل ماله، وكم من مسكينٍ هُدر حقّه، وكم من ظالمٍ تسلّط على رقاب المظلومين، وكم من سجينٍ بات مظلوماً مع المجرمين، فالأمانة ضُيّعت، والأمور لغير أهلها أُسندت، والرويبضة نطقت وتصدّرت، والقائمة تطول والحال يحزن القلب ويدمع العيون، والكلّ يبحث عن حياةٍ صالحةٍ رغيدةٍ، وبيئةٍ هادئةٍ سعيدةٍ، خاليةٍ من الفساد والمفسدين، الكلّ يَنشد ويُنشد بملء القلب واللسان:
أفلا يأتي يوماً نحيى فيه حياةً إسلاميّة
يهتف كلّ الكون ينادي: لا شرقية لا غربيّة
إسلاميّة إسلاميّة
أيّها الإخوة الكرام: إنّ الله عز وجل كما توعّد أهل الفساد والظّلم بالويل والثّبور؛ فإنّه تعالى جل جلاله قد بيّن للنّاس طوق نجاتهم وسرّ بقائهم، وطريقهم إلى الحياة الطّيّبة والعيشة الرّشيدة، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].
نعم الإصلاح هذا هو مكمن سرّ النّجاح وحقيقة الفلاح، وهو العلاج النّاجع والعمل النّافع للتّصدي للفساد والمفسدين، إنّ سرّ الحياة الآمنة من العذاب الإلهيّ يكون في الإصلاح ومع المصلحين.
ومضى أبو بكر لغايته إلى أن أخضع المرتدّ وهو مرغمُ
هذا هو الإسلام في عليائه مُثُلٌ وإصلاحٌ ودينٌ قَيِّمُ
فلله درهم ما أعلى منازلهم وما أرقى مراتبهم، إنّهم المصلحون لا الصّالحون فقط، إنّ هؤلاء المصلحون نالوا هذا الشّرف المنيف والعزّ الرّفيع، لأنّهم نقلوا خيرهم إلى غيرهم، هذا هو فعل المصلح، فالصّالح صالحٌ لنفسه قد أنجى نفسه وكفى، أمّا المصلح فهو الّذي ينقذ نفسه وغيره، لهذا كان أجرهم عظيماً وقدرهم سامياً، اللهمّ اجعلنا منهم بمنّك وكرمك يا ربّ العالمين.
2- الإصلاح رسالةٌ وفريضةٌ
معشر المسلمين: فهلمّوا بنا لنعلم ما هي الدّوافع والأسباب الدّاعية للإصلاح، لماذا لا نترك النّاس على حالهم، "فخّار يطبّش بعضه، كلّ مين على دينه الله يعينه، أنت بدّك تدخل بقبري" وهكذا من الأمثال الشّعبيّة الّتي انتشرت بين النّاس انتشار النّار في الهشيم، فأخرقت كلّ خيريّةٍ للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لا وألفُ لا، لا بدّ من الجهاد والمجاهدة في إصلاح المجتمع، وعدم الرّضا بالفساد والمفسدين، هذا ما قاله سيّدنا موسى عليه السلام موصياً أخاه هارون: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142].
فالإصلاح ليس مستحبٌّ ولا مندوبٌ فقط، بل هو فرضٌ وواجبٌ، ولعلّنا ندرك حقيقة ذلك من خلال معرفة الأسباب الدّاعية إليه.
3- الإصلاح وأسبابه: همٌّ وهمّةٌ، ورحمةٌ ومحبّةٌ
السّبب الأوّل: إنّ الفساد إن لم يجد سدّاً يوقفه، ولم يكن هناك لجاماً يصدّه؛ سوف يستفحل وينتشر بين النّاس، وتتحوّل الأرض إلى مستنقعاتٍ للفحش والرّذيلة، ويصبح الإنسان بلا شرفٍ ولا فضيلةٍ، وعندها ستغرق السّفينة ولن ينجو منها لا صالحٌ ولا فاسدٌ، هذه السّيدة زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ).
ويحدّثنا المولى سبحانه عن فساد أهل السّبت وكيف تصدّى لهم أهل الإصلاح حتّى لا يزيد الفساد: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].
فالإصلاح صمّام أمانٍ للأمم، ووقاية للنّاس من عذاب الله.
سأحمل راية الإسلام وحدي ولو أنّ العالمين لها أساءوا
فتلك عقيدةٌ سكنت فؤادي كما سكنت شراييني الدّماءُ
فإن كان الفناء سبيل خلدٍ فمرحا ثمّ مرحا يا فناءُ
السّبب الثّاني: الشّعور بالرّحمة والمحبّة للآخرين والحرص عليهم، كما وصف الله رسوله الصّالح المصلِح: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التّوبة: 128].
فالمصلح يغمره شعور الحبّ لغيره والرّحمة بالنّاس لإنقاذهم وحمايتهم من عقاب الدّنيا والآخرة، فهو يعرف الحقّ ويرحم الخلق، يسعى المصلح بكلّ قوّته وقدرته ومهاراته لسد الخرق في السّفينة، مخافة أن تغرق بمن فيها، يعمل هذا ليلاً ونهاراً بلا مقابلٍ وبدون أجرٍ من النّاس، ما يدفعه لهذا إلا نيل رضوان الله، كما قال الله تعالى عنهم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86].
أيّها الإخوة: إنّ أعظم ما يكون الإصلاح وأكمل ما تكون نتائجه، إذا قامت أركانه ودعائمه، واضطلع به أهله وذووه، عندها يؤتي الإصلاح أكله، وينتشر نوره ويعمّ خيره ويكسب أجره، مصداقاً لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].
فالمصلحون انطلقوا من ركيزةٍ قويّةٍ، ومن أركانٍ متينةٍ، فحقّقوا غاياتٍ ساميةٍ، نقلوا النّاس من الشّرك إلى التّوحيد، ومن الفوضى إلى التّقوى، ومن الغواية إلى الهداية، ومن الذّل والصّغار إلى العزّ والانتصار، ومن الخلاف والفُرقة إلى الوحدة والجماعة، فكيف انطلقوا فحقّقوا؟!
4- الإصلاح منهجٌ وصلاح، وتدرّجٌ نحو النّجاح
أركان الإصلاح: إنّ أيّ إصلاحٍ لا بدّ أن يُبنى على أركانٍ، ومن أهمّها:
الإصلاح الممنهج: إنّ أيّ عملٍ لا ينجح إلّا إذا كان مخطّطاً له، ممنهجاً، فأهل الفساد قد اتّبعوا خطواتٍ وخطط في إغواء المجتمع وإفساد الأرض، كما حذّر الله تعالى من زعيم المفسدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النّور: 21].
لذا لا بدّ من التّصدّي للفساد الممنهج بإصلاحٍ ممنهجٍ، فإنّه لا يصلح حال آخر هذه الأمّة إلا بما صلح به أوّلها.
صلاح المصلِح: إنّ ركن الإصلاح الأوّل، بل وركنه الرّكين هو أنت، نعم أنت، فبقدر صلاحك يكون إصلاحك، ففاقد الشّيء لا يعطيه، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81].
من هنا قال سيد المصلحِين: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا..).
يا له من توجيهٍ عظيمٍ في طريق إصلاح النّاس وإنقاذ سفينة المجتمع، لهذا قال نبيّ الله شعيبٌ في إصلاح قومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]، الصّلاح قبل الإصلاح.
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى بِالعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
إنّ أقوى ما يكون المصلح مؤثّراً بل يصبح سيّداً، عندما يتخلّى عن حظوظ النّفس، ويقدّم المصلحة العامّة على المصلحة الشّخصيّة، هذا ما فعله السّيّد المصلح الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين، كما وصفه جده صلى الله عليه وسلم فقال: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ).
فمن لي بقائدٍ؟ من لي بأميرٍ؟ من لي بمديرٍ؟ يتنازل عن مصلحته لمصلحة الإسلام والمسلمين؟!
النّفَس الطّويل والتّدرّج: لا بدّ من الصبر والمصابرة في طريق الإصلاح والتّغيير للنّاس، فما يأتي جملةً يذهب جملةً، و {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرّعد: 38].
والله تعالى قد تدرّج في إصلاح عباده في سائر الأحكام الشّرعيّة، فالخمر والميسر والزّنى والرّبا حرّمت على مراحل، والصّلاة والصّوم والزّكاة والجهاد فرضت على مراحل.
والله تعالى قال لنا في إصلاح أهلنا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
وفي هذا الحوار بين الخليفة المصلِح عمر بن عبد العزيز وابنه حِكمٌ بليغةٌ للسّائرين على دروب الإصلاح، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَقْضِيَ لِلَّذِي تُرِيدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أُبَالِي لَوْ غَلَتْ بِي وَبِكَ فِيهِ الْقُدُورُ، قَالَ: "وَحَقُّ هَذَا مِنْكَ يَا بُنَيَّ؟" قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، فقَالَ عمر بين عبد العزيز: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مِنْ ذُرِّيَّتِي يُعِينُنِي عَلَى أَمْرِ رَبِّي، يَا بُنَيَّ، لَوْ بَدَهْتُ النَّاسَ بِالَّذِي تَقُولُ لَمْ آمَنْ أَنْ يُنْكِرُوهَا، فَإِذَا أَنْكَرُوهَا لَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنَ السَّيْفِ، وَلَا خَيْرَ فِي خَيْرٍ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالسَّيْفِ، يَا بُنَيَّ، إِنِّي أُرَوِّضُ النَّاسَ رِيَاضَةَ الصَّعْبِ، فَإِنْ يَطُلْ بِي عُمْرٌ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُنْفِذَ اللَّهُ لِي شَيْئًا، وَإِنْ تَعَدَّ عَلَيَّ مَنِيَّةٌ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِي أُرِيدُ".
الإصلاح الجماعيّ: عندما ينتشر الفساد ويضرب أوتاده في الأرض ويقتل النّفس وينتهك العرض، عند ذلك لا بدّ من ثورةٍ إصلاحيّةٍ شاملةٍ، تستأصل الباطل من جذوره وتنهي الفساد من أوكاره، وهذا ما فعله الأنبياء والمرسلون، فقد ثاروا على الضّلال العقائديّ والاستبداد السّياسيّ والفساد المجتمعيّ، وقالوا لأقوامهم: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].
وهذا ما قامت به ثورات الرّبيع العربيّ وفي مقدّمتهم الثّورة السّوريّة العظيمة، فضحّى أهلها بكلّ غالٍ ورخيصٍ، واسترخصوا النّفس والنّفيس في سبيل الإصلاح، فهو يحتاج إلى جهادٍ ومجاهدةٍ، وصبرٍ ومصابرةٍ، وعمّا قريبٍ ستنتصر، {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].
5- الإصلاح تغييرٌ وتمكيينٌ
مسك الختام وفصل الكلام: إذا أرادنا للأمّة أن تنتصر وللعدوّ أن ينكسر، إذا أردنا للمصائب أن تنتهي وللبلايا أن تنقضي، فإنّ سبيل ذلك كلّه الإصلاح، فقد مرّت الأمّة سابقاً بمصائب كثيرةٍ، ونكباتٍ مريرةٍ، كان الخروج منها بإحياء الصّلاح في النّفوس وإصلاح النّاس، وهذه سنّة الله في النّاس لا تتبدّل ولا تتغيّر، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرّعد: 11].
إنّ الإصلاح ليس من فضائل الدّين؛ بل هو من فرائضه، وإنّ الإصلاح ليست مسؤوليّةً فرديّةً أو حتّى فئويّةً؛ بل مسؤوليّةٌ جماعيّةٌ، تبدأ بالسّلطان الحاكم وتصل إلى كلّ فردٍ في المجتمع، كلٌّ حسب علمه وبقدر استطاعته، إنّنا بحاجةٍ إلى الإصلاح أكثر من حاجتنا للسّلاح، فإنّ الله لا يعطي أرضه وملكه للأقوياء، بل للصّالحين المصلحين، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
فأبشروا يا أهل الصّلاح والإصلاح، لكم في الدّنيا العاقبة الحسنة، وفي الآخرة الخلد والجنّة، فالله مولى الصّالحين، ولا مولى للمفسدين: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196].