الأربعاء 4 رجب 1447 هـ الموافق 24 ديسمبر 2025 م
النَّميمة والوِشاية شرٌّ يمزِّق الصفوف
الأربعاء 4 رجب 1447 هـ الموافق 24 ديسمبر 2025 م
عدد الزيارات : 64
النَّميمة والوِشاية شرٌّ يمزِّق الصفوف
عناصر المادة
1- معولٌ هدَّامٌ
2- وكيل الشَّيطان
مقدمة:
داءٌ خطيرٌ ومرضٌ فتّاكٌ في المجتمع الإنسانيّ، يورث الضّغينة والأحقاد، ويسبّب الشّحناء والبغضاء، ويبعث الفتن والفساد، ويوجب عذاب القبر وشدّة الحساب، ذلك الخلق السّيّء يسمّى بالنّميمة، وهي: "نقل الحديث من قومٍ إلى قومٍ على جهة الإفساد والشّرّ". لسان العرب، لابن منظور: 12/592
فالنّميمة تقطع الصِّلات، وتزرع العداوات، وتفرّق الجماعات، وتجعل الصّديقين عدوّين، والأخوين متباغضين، والزّوجين متنافرين، وتثير الغضب فتُراق بها الدّماء، ولقد ذمّ الله عز وجل هذا الفعل الشّنيع، وحذّر منه أشدّ الحذر؛ فقال: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 10-13].
فمصيبة النّميمة لا يرضاها لنفسه إلّا مَن انحطّت قيمته، ودنست نفسه، فصار ينقل الجراثيم، وأمّا مَن يخشى ربّه جل جلاله فلا يرضى لنفسه هذه الحالة الذّميمة، حتّى لا يطّلع على عورات النّاس، ويفتّش عن معايبهم، ويتجسّس على مساوئهم، ليتّخذ من ذلك سلاحًا يطعنهم به مِن خلفهم، لا يبالي باختلاق الكذب، واختراع الباطل، وإلباس الزّور ثوب الحقّ في سبيل إيذاء الأبرياء، أو التّقرّب مِن ذوي الجاه والثّراء، فمثله كمثل العقرب، يؤذي مَن لا ينتفع بأذيّته، ويقتل مَن لا مصلحة له في قتله، يجالس قومًا بوجهٍ محبٍّ حريصٍ مشفقٍ، ويجالس غيرهم بوجهٍ آخر خبيثٍ، شأنه التّحريش والوشاية القاتلة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (تَجِدُ مِنْ شرار النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ‌ذَا ‌الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ). صحيح البخاريّ: 5711
ثمّ إنّ النّمام يجمع إلى قُبح النّميمة قُبح الغيبة، لأنّه يهتك ستر أخيه، ويذكر عيوبه، وهو حين ينمّ ويسعى بين النّاس بالإفساد، يقترف جريمة الغدر والخيانة، والحسد والنّفاق أيضًا، لأنّ هذه الرّذائل كلّها مرتبطةٌ بالنّميمة، لا تنفكّ عنها، لذلك كلّه تضافرت النّصوص الشّرعيّة على تحريمها والتّحذير منها.
1- معولٌ هدَّامٌ
لقد حثّ الله سبحانه عباده المؤمنين على الوحدة والاعتصام، وأمرهم بالتّحابب والتّآلف، ودعاهم للتّعاون والتّناصر {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوبة: 71].
ونهاهم عن الخصام والتّنافر، كي لا تضعف قوّتهم، ولا تتفرّق جهودهم، ولا تضيع حياتهم في شجارٍ وعداوات {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105].
وإنّ أكبر معولٍ يهدم وحدة الجماعة هو عمل النّمّام، ذلك لأنّه بعمله يوغر الصّدور، ويفرّق بين الأحبّة، ويمزّق أواصر الأُلفة، فما أقبحه مِن عملٍ، وما أدنأ الإنسان الّذي يقدم عليه، وما ألأم مَن يتّصف بتلك الخصلة الذّميمة، تلك الآفة أشدّ خطرًا مِن جراثيم الأمراض، وأفتك مِن الوباء، لهذا كان المشّاؤون بالنّميمة شرار النّاس، يتحاشاهم العقلاء كما يتحاشون النّار المحرِقة، ويتّقون أخطارهم، وقد وصف الله سبحانه النّمّام بأنّه خبيث القلب، حلو الحديث، تعجز عن عمله الشّياطين، حيث إنّ عمل الشّيطان بالوسوسة، وعمل النّمّام بالمواجهة، يعجب السّامعَ قوله، فهو كمَن يقدّم السّمّ القاتل في العسل {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204-205].
والنّمام معذَّبٌ في قبره قبل يوم الحشر والحساب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ مَرَّ ‌بِقَبْرَيْنِ ‌يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: (لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا). صحيح البخاريّ: 1295
وبقبح فعله حُرم جنّة ربّه، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ). صحيح البخاريّ: 6056
حُرم وخَسر، وكان مِن الواجب عليه أن يعين إخوانه على الخير والبناء، فلا يستقيم للنّاس أمرٌ إلّا بالتّعاون، ولا ينجح لهم عملٌ إلّا بالتّكاتف، وهذا خير ما نحتاجه اليوم في بناء سوريّا الحرّة الجديدة، وبلدنا المبارك، ولا تعاون إلّا عن محبّةٍ، فالخير الّذي تنتجه الجماعة المتآلفة المتحابّة، أنفع بكثيرٍ ممّا ينتجه الأفراد المتباعدون، وإنّ القوّة المجتمعة خيرٌ مِن القوى المفكَّكة، ولهذا فقد نهانا دِيننا عن التّنازع والتّفرّق {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
2- وكيل الشَّيطان
لقد اشترى النّمّام بضاعة إبليس بثمنٍ بخسٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (‌إِنَّ ‌الشَّيْطَانَ ‌قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ). صحيح مسلمٍ: 2810
يئس مِن الشّرك بعدما دخلت العرب في الإسلام، لكن لم ييأس مِن السّعي في تفريقهم، والتّحريش بينهم، وإثارة العداوة المريقة للدّماء، المفرّقة بين الأصدقاء، هذه بضاعة إبليس الّتي راجت في القديم والحديث، فالنّمّام صديق إبليس الصّدوق، ووكيله المعتمد، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ إِبْلِيسَ ‌يَضَعُ ‌عَرْشَهُ ‌عَلَى ‌الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ). صحيح مسلمٍ: 2813
وبسبب الغفلة المطبقة على قلوب كثيرٍ مِن النّاس، فإنّ الشّيطان يسوّل لهم حبّ الوشاية، حتّى يمكّنها مِن قلوبهم، فيزيّنها على أنّها عملٌ رائعٌ، لا حرج فيه، وهنا يقومون بالسّعي بالإفساد مِن أجل جلب مصلحةٍ زائلةٍ، أو قلقٍ مِن فوات شيءٍ في المستقبل يرجون تحقّقه، فيتزلّفون لمَن لهم نفوذٌ وسلطةٌ، بالتّحريش بينم وبين مَن تحتهم مِن العاملين، أملًا في أن يحظَوا بما يخطّطون له، مِن عملٍ مرموقٍ أو منصبٍ عالٍ، وما دفعهم إلّا الحسد والجشع، وخبث الطّويّة، وفساد الطّبع، قال النّوويّ رحمه الله: "وهذا كلّه إذا لم يكن في النّقل مصلحةٌ شرعيّةٌ، وإلّا فهي مستحبّةٌ أو واجبةٌ، كمَن اطّلع على شخصٍ أنّه يريد شخصًا ظلمًا فحذّره منه". فتح الباري، لابن حجر: 10/473
وقال ابن كثيرٍ رحمه الله: "فأمّا إذا كانت على وجه الإصلاح بين النّاس، وائتلاف كلمة المسلمين، أو يكون على وجه التّخذيل والتّفريق بين جموع الكفرة فهذا أمرٌ مطلوبٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: ؤسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‌(الْحَرْبَ ‌خَدْعَةً). صحيح البخاريّ: 2865 كما فعل نعيم بن مسعودٍ في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبني قريظة". تفسير القرآن العظيم: 1/371
وماعدا ذلك فالنّميمة أداةٌ خبيثةٌ، يستخدمها أولياء الشّياطين السّفهاء الأنذال، ويُحسن استغلالها الضّعفاء الجبناء، يغرسون فيها بذور الشّقاق، فتُطوى صفحات الثّقة بين النّاس، وتسكن البغضاءَ القلوب، ويقوى سوء الظّنّ في النّفوس، وتموت القِيَم في سبيل المنفعة والأنانيّة، فهل يليق بمسلمٍ أن يتخلّق بهذه الصّفة الباعثة للفتن، الهادمة للأُسَر، القاطعة للأرحام؟!
خاتمةٌ:
ما أقبح فعلًا يسبّب عذابًا في القبر ، وعقابًا يوم الحشر، ويحصل به الضّرّ والشّرّ، وهتك العِرض وكشف السّرّ، وما سبب ذلك إلّا ضعف إيمانٍ وحسدٍ، وشحناءٌ وحقدٌ، وبيئةٌ فاسدةٌ نشأ فيها النّمّام، فكان مِن الواجب علينا عندما نسمعه ألّا نصدّقه، لأنّ النّمّام فاسقٌ خائنٌ، وهو مردود الخبر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
كما ينبغي أن ننهاه عن ذلك وننصحه، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ)، ‌قُلْنَا: ‌لِمَنْ؟ قَالَ: (للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ). صحيح مسلم: 55
فإن لم يقبل النّصح زجرناه وفارقنا مجلسه {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68].
ثمّ نظنّ بالمنقول عنه خيرًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].
ونسعى بالإصلاح بين المتخاصمين إن حصل خصامٌ بسبب نميمةٍ أو غيرها، لننال أعلى الدّرجات، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (‌أَلَا ‌أُخْبِرُكُمْ ‌بِأَفْضَلَ ‌مِنْ ‌دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ)؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ). صحيح ابن حبّان: 4169
فالمسلم يُصلح ولا يُفسد، يقرّب ولا يبعّد، ويجمع بين القلوب إذا تنافرت، ويطفئ الفتن إذا استعرّت، فلنحذر فتنة النّمّامين الّذين لا يعيشون إلّا في الماء العكر، ولا تطيب لهم المجالس إلّا بإغراء العداوة بين المسلمين.
تنحّ عن النّميمة واجتنبها    فإن النّمّ يُحبط كلّ أجرِ
يثير أخو النّميمة كلّ شرٍّ    ويكشف للخلائق كلّ سرِّ
ويقتل نفسه وسواه ظلمًا    وليس النّمّ من أفعال حرِّ
 
1 - لسان العرب، لابن منظور: 12/592
2 - صحيح البخاريّ: 5711
3 - صحيح البخاريّ: 1295
4 - صحيح البخاريّ: 6056
5 - صحيح مسلمٍ: 2810
6 - صحيح مسلمٍ: 2813
7 - فتح الباري، لابن حجر: 10/473
8 - صحيح البخاريّ: 2865
9 - تفسير القرآن العظيم: 1/371
10 - صحيح مسلم: 55
11 - صحيح ابن حبّان: 4169
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 125) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 17%
لا أدري (صوتأ 4) 3%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 156