مقدمة:
لا شك أنّ الأيام الأخيرة التي مضتْ كانت عصيبة علينا إذْ دبّ اليأس فيها لفترة من الزمن من باب أننا بشر.
دبّ اليأس بعد أن سقطت خان شيخون وما حولها من القرى، ثم دبّ اليأس أكثر عندما سقطت المعرّة وما حولها. ثم سراقب وما حولها من القرى.
دب اليأس أكثر فأكثر عندما تحرك طاغية الشام باتّجاه ريف حلب الغربي فتساقطت بلدات حيان و عندان و حريتان و أورم الصغرى و أورم الكبرى وغير ذلك من البلدات أيضا.
هنا قال الناس: انتهت الثورة! هنا بلغت القلوب الحناجر، وظنّ من ظنّ بالله الظنونا بعد أن قدّمت الثورة عشرات الألوف من الشهداء، ثم ها هي البلدات تتساقط أخيراً في يد الأعداء!
هنا بدأ الألم يسري في أوصال الناس جميعاً لا سيما في ظل مأساة إنسانية خطيرة تَوزّع فيها أكثر من مليون من السوريين في الخيام، وربما في العراء في ظل درجات حرارة تدنت عن درجة الصفر بأكثر من عشر درجات! هؤلاء اللاجئون لو كان يحتاج أحدهم في اليوم الواحد إلى زجاجة من ماء فقط لكنّا بحاجة إلى مليون زجاجة ماء يومياً فكيف بالطعام والشراب والكساء والمأوى والدواء؟!. في ظل هذا كله وفي ظلّ اكتفاء الأخ التركي بالتصريحات ابتداء _أو هكذا ظننا_ قال الناس: انتهت الثورة!.
هنا كتبتُ على بعض وسائل التواصل الاجتماعي في الردّ على المُثبّطين و رفعاً لمعنويات من تأثر بمقولاتهم قائلاً: والله، والله، والله لو سقط كل شبر في سورية في يد إرهابيي النظام والقوات الداعمة له المحتلّة لبلدنا فسنعلنها حرب تحريرٍ سورية على طريقة حرب التحرير الجزائرية حتى يخرج آخر روسي وآخر إيراني وآخرمحتل وآخر عنصر من عناصر الميليشيات التي دنست أرضنا، وآخر رجل من رجالات النظام صغيرهم وكبيرهم ممن ظلموا شعبنا على مدى ستة عقود.
ووالله لن يفرحوا بالنصر علينا للحظة واحدة، فنحن أمة ولّادة، ونحن أمة لا تموت.
أجل قد تسقط أمتنا في محطة من محطات صراعها، وقد تدخل العناية المشددة، لكن لا تكتب نعوتها أبدا، فما يلبث المارد أن ينهض ويقول: ها أنا ذا لم أمت ولن أكون ألعوبة في يد الاستخبارات العالمية ومراكز القرار فيها.
اليأس في المرحلة السابقة تمادى في القلوب أكثر عندما تحرّك طابورٌ من المنافقين من أدعياء العلم في الشام وحلب، من شهداء الزور، ممن نظمهم النظام منذ الحَبْو الأول لهم في المدارس!
أسماء هؤلاء رنانة يتقنون اختيارها لكي تكون مؤثرة على عامة الشعب السوري من نحو المأفون في دمشق _إشارة خطيب الأموي السابق المدعو مأمون، أي مأمون نعمة أي نقمة _والحسّون في حلب _إشارة إلى الجالس على كرسي الإفتاء أحمد بدر الدين حسون_ ومن لف لفهم من شيوخ السلطان الذين صعدوا على دبابات المحتَل النصيري الصليبي الملحد.
لقد كانوا يعلنون فرحتهم على الشعب السوري المكلوم الأعزل حتى قال كبيرهم في حلب: نبارك انتصار الجيش في حلب!.
يا هذا: أيّ انتصار تتحدث عنه بعد أن استهدف جيشك الحاضنة الشعبية قبل أن يستهدف الثوار؟!.
أيّ انتصار هذا الذي دمّرت فيه سورية بطائرات النظام وبراميل النظام وأسلحة حلفاء النظام ؟!.
أيّ انتصارٍ هذا الذي دمّرت فيه البنية التحتية لسورية من مدارس ومساجد ومخابز ومستشفيات؟!.
أيُّ انتصارٍ هذا وهؤلاء المرتزقة الذين دخلوا البلدات التي سقطت حملوا كؤوس الخمر بأيديهم متبجحين قائلين: هذا نخب انتصارنا على شريعتكم!
أي انتصار وقد جيء إلى مقابر المسلمين فتمّ نبشها، وإلى قبور الشهداء فتمّ التمثيل بها حتى أخذ هؤلاء المرتزقة صور السيلفي مع جماجم شهدائنا همجية وحقداً؟!.
أيّ انتصار وهؤلاء الإرهابيون لم يحفظوا حرمة الأموات فضلاً عن الأحياء؟ّ.
أيّ انتصارٍ وهذا حال مغول العصر هؤلاء الذين تهنئهم يا أبا الفتح يا من لا فتحَ لديك سوى فتحٍ نحو حذاء سيدك طاغية الشام لتقبّله!.
أيّ انتصارٍ هذا أيّها السادة والحيوانات المنزلية لم تسلم منهم!.
لقد وصلني فيديو عن أحد هؤلاء المجرمين يضع البنزين على كلبٍ منزلي ثم يحرقه عقوبة له، لأنه كان ينبح لأصحابه الثوار! بينما فيديو آخر يتحدث عن إرهابي آخر يمسك بيديه ماعزاً صغيراً يفتح له فمه وهو يقول: قل لا إله إلا بشار!.
يا شهداء الزور يا أدعياء العلم: ماذا نقول بعد أن سلطتم ألسنة وأقلام أعداء الأمة على العلم وأهله حين اختزلوا لنا بسببكم علماء سورية في ثلة فاسدة من الحسون والمأفون ومن لفّ لفّهما مع الدخلاء مع أنّ لدينا آلافاً من علماء سورية الأحرار ممن وقفوا في وجه ظلم النظام وأيدوا الثورة في وجه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، لكن لم يسلّط الضوء عليهم عن قصد وعن سبق إصرار وتصميم لكي يقال تشويهاً إن علماء الإسلام يقفون مع ظلم الإنسان ويؤيدون الفجور والطغيان وذلك ضمن سياق الحرب على الإسلام.
أما الذريعة فهي تصريحات ومواقف أدعياء علماء الإسلام من مؤيدي القتل والظلم والإجرام ممن صنعهم النظام على عينه منذ أزمان!
أما حسّون المفتون الجالس على كرسيّ الإفتاء في الشام فنحن نعرف بداياته وأقسم بالله إنّنا نعرف نهاياته وإنّ غداً لناظره قريب.
لقد انبعث مسيلمة الكذاب في سورية من جديد على لسان وتصريحات حسون وزمرته حين شهدوا لكل أعداء الله بأنّهم لم يعتدوا على شعب سورية,بينما كل معتدٍ على الشعب السوري له من شهادة الزور لدى مسيلمة الكذاب هذا وعصابته نصيب!. بعد ذلك انتقلنا إلى مرحلة لاحقة، هذه المرحلة لا بد أن نُؤَصِّلَ لها أولا: في الستينات كان هناك عالم إسلامي مهندس تركي اسمه نجم الدين أربكان يقول: عندما تصبح سورية قضية فاعلم أنّ الهدف التالي هو تركيا! هذا يعني أن الذي يجري في سورية ليست تركيا بمنأى عنه، وأنّه يقصدنا أولاً ثم يقصد الإخوة الأتراك لاحقا.
تحرّك الإخوة الأتراك ثانيا ولاحقا تحركوا بكل قوة وكانت بالأمس معارك مجلجلة مع أعدائنا في بلدة النيرب انتهت إلى تحريرها بفضل الله تعالى.
الإخوة الأتراك عندما يتحركون فإنّهم يتحركون بِنَفَسِ الدولة فهم ليسوا فصيلاً من الفصائل، لكنهم دولة لها حساباتها كي لا يتحول الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، لذلك أنصحكم وأنصح نفسي في أن لا نسيء الظن بالأتراك، لأننا جميعاً في خندق واحد، حينئذ بدأ مسيلمة الكذاب ومن كان على شاكلته من أبواق النظام يثيرون أسئلة خبيثة من نحو: وما علاقتنا بالأتراك!
ومن ثَمّ انتقلوا من التصريح إلى التلميح متحدثين بكل وقاحة عن احتلال تركي تتعرض له سورية!
إنّني قبل أن أجيب عن هذا السؤال أودّ أن أردّ السؤال عليكم يا جماعة النظام وأسألكم: وما علاقتكم أنتم بروسيا؟ ما علاقتكم بموسكو الأرثوذكسية التي لا تحدّها حدود بكم؟ ما علاقتكم بروسيا الشيوعية التي نشرت الإلحاد في العالم؟ أما نحن فبيننا وبين الأتراك أكثر من ألف عام من الدين الإسلامي الحنيف، والفتوحات الإسلامية المشتركة، والثقافة الإسلامية الواحدة، وخندق المواجهة الواحد، ومصير الأمة الواحد، والمستقبل الإسلامي الواحد.
فإذا كان العرب هم الذين نشروا الإسلام في الأرض، وإذا كان العرب هم الذين نشروا الإسلام بين الأتراك، فإنّ الأتراك هم الذين حملوا الإسلام للدنيا لأكثر من ألف عام.
آخر دولة للعرب قامت في تاريخ الإسلام كانت في العام 656 عندما سقطت بغداد على يد هولاكو، أما بعد ذلك فلم تقم للعرب قائمة ولم تقم لهم دولة، لكنهم صاروا ابتداء من ذلك التاريخ جزءاً من رعايا الدول التي قامت في بلاد المسلمين يجاهدون ويتاجرون ويتعلمون ويعلمون وينشرون رسالة الإسلام في العالمين من خلال تلك الدول، لكن تلك الدول لم تكن دولتهم أبداً، وهو ما نسرده على سبيل قراءة التاريخ بكل شفافية، وهذا من علامات الساعة أي أن يذهب ملك العرب، وهذا لا نقوله انحيازاً لأحد، لكنها الحقيقة، فلا تعاتب الترك لماذا أقاموا دولاً حافظوا بها على الإسلام و على تماسك الأمة في وجه كيد الأعداء، لكن سل العرب معاتباً لماذا قصرتم في ذلك؟.
لماذا أخفى خليفة بغداد الذهب الذي كان يمكنه أن يجهز به جيشاً جرّاراً يردّ به شرّ هولاكو، لكنّه على نقيض ذلك سرّح أكثر أفراد جيشه استجابة لنصيحة وزيره ابن العلقمي؟
سله لماذا آثر الاستسلام وإقامة المفاوضات مع هولاكو حتى كان أول ضحاياه، في المقابل لا تعتبوا على الترك أنهم كانوا مادة معركة عين جالوت بعد سنتين والتي لو هزمنا فيها لما قامت للإسلام قائمة إلى قيام الساعة.
لقد كانت الدولة الزَّنكية تركية، كما كان عماد الدين زنكي بن آق سنقر تركياً، وهو الذي نشر الأمن والأمان ونظم المساجد والدواوين والقضاء ورفع المظالم عن الشام. وعماد الدين زنكي هو الذي قاد الحملات من الشام في وجه الصليبيين وهو الذي شرب الصليبيون نخب موته فرحاً بموته فإذا بابنه من بعده نور الدين يخرج عليهم أشد من أبيه وقد كان بالبداهة تركيا أيضا.
أما تلميذه صلاح الدين الأيوبي الذي أقام الدولة الأيوبية فقد كان كردياً، وكانت دولته كردية وهي الدولة الوحيدة التي لم تكن تركية، لكن نواتها وتربيتها كانت تركية.
قطز قائد عين جالوت واسمه محمود بن ممدود كان تركيا خوارزميا فخاله السلطان جلال الدين الخوارزمي الذي قارع المغول وحقق فيهم انتصارات مباشرة كان تركياً، وبالتالي فالدولة الخوارزمية كانت تركية.
الدولة المملوكية كانت تركية فالظاهر بيبرس الذي تنسب له المكتبة الظاهرية في دمشق كان تركيا، أما أقطاي قائد البحرية في مصر وعز الدين أيبك قائد المشاة فقد كانا من الترك أيضاً.
الدولة الغورية كانت تركية، الدولة الإخشيدية كانت تركية، الدولة الطولونية كانت تركية، الدولة السلجوقية كانت تركية، وأرسلان ألب السلجوقي الذي حرر حلب من بيزنطة بعد حرقها ونهبها والاعتداء على حرماتها من قبل البيزنطيين كان مجاهداً تركيا، وعثمان مؤسس الدولة العثمانية كان تركيا، و أورخان بن عثمان الذي نشر اللغة العربية في ربوع الدولة العثمانية كان تركياً، والسلطان عبد الحميد الثاني الذي ما فرّط في ذرة تراب من أرض القدس والأقصى وفلسطين، فعرّض عرشه للخطر بسبب مواقفه ولم يفرط في فلسطين كان تركياً.
الدولة العثمانية التي امتدت قرابة السبعمائة عام ابتداء من العام 1299 ميلادية والتي نشرت الإسلام في أوربا وطرقت أبواب فيينا مرتين وجعلت دولاً مثل بلغاريا ورومانيا واليونان والبلقان دولاً إسلامية يرتفع في جنباتها أذان المسلمين خمس مرات كل يوم كانت تركية.
إنّ الذين وسّعوا المسجد النبوي الشريف وفرشوه بالسجاد وأسرجوا له السّرج، وصانوا كرامة مدينته وأهلها من رجس المعاصي والعوز والفاقة حتى قاموا بتوسعة كبيرة في الحرم النبوي تعرف بتوسعة السلطان عبد المجيد كانوا أتراكاً.
وإنّ الذين خدموا المسجد الحرام ويسروا أمر الحج لضيوف الرحمن قروناً متطاولة حتى كان أحد سلاطينهم السلطان سليم الأول أول من لقب بخادم الحرمين كانوا أتراكاً.
إخوة الإيمان والعقيدة: فنحن السوريين والأتراك وسائر الشعوب الإسلامية يقول الله عز وجل فينا جميعاً دون استثناء: {إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}.
وفي آية أخرى: {وأنا ربكم فاعبدون}.
أما نحن العرب خاصة فهم من أوصل الإسلام إلى الأتراك، وأما الأتراك خاصة فهم حملة الإسلام في الأرض لأكثر من ثلثي تاريخ الأمة الإسلامية، وقد امتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتفتحنّ القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش).
فهذا امتداحٌ نبوي في الجيش الفاتح للقسطنطينية وفي قائد ذلك الجيش، ومن المعلوم بداهة أنّ القسطنطينية هي إسلامبول أي إستانبول حفظها الله ورعاها وسائر الأراضي التركية وسائر أرض المسلمين.
كما امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الترك وقتالهم قبل إسلامهم فقال: (اتركوا الترك ما تركوكم).
ثم شاء الله سبحانه أن ينالوا شرف خدمة العالم الإسلامي، وأن تصبح شعوبه شعوباً في دولتهم، وأن يصبح أفرادها رعايا للدولة السلجوقية ثم لوريثتها الدولة العثمانية العتيدة التي كانت أطول إمبراطورية في التاريخ على الإطلاق، ووالله لولا العدالة التي كانت سائدة في أرض الخلافة العثمانية، والتي كانت مستمدة من تعاليم الإسلام لما عاشت تلك الدولة قروناً متطاولة، فالله عز وجل لا يحابي أحداً في سننه وقوانينه.
كل الدنيا عربيها وعجميها أغلقت أبوابها دوننا إلا بشروط تعجيزية إلا إخوتنا الأتراك.
لقد دخل الناس إلى تركيا من دون جواز سفر، وأحيانا من دون هوية شخصية، فمن فعل ذلك معنا غيرهم؟ أجل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
أجل نحن السوريين من طلبنا من التركي أن يأتي، أليس لهذا الشعب كلمة.
ووالله لو أنّ النظام اكتفى بمواجهتنا معه في ساحات سورية ولم يأت بجيوش روسيا وإيران وحزب الشيطان و عصائب الباطل، ولم يأت بحثالات الأرض لأكثر من ستين ميليشيا ضدنا لما استنجدنا بالتركي، لكن النظام يعلم يقيناً أنه بغير هؤلاء هو ساقط فعلياً منذ السنة الأولى من عمر الثورة، لذلك لما جاء النظام بعصابات الدنيا إلى سوريا استنجدنا بدورنا بأخ تركي كريم بيننا وبينه عهود ومواثيق من الأُخوّة في الله والحق والإسلام والجوار ومئات من السنين في العيش الكريم المشترك معهم، وفوق ذلك كنا رعايا لهم، كنا وما زلنا وسنبقى إخوةً: المصيرُ واحد، والخندقُ واحد، والسلامُ واحد، والطريقُ واحد، والربُّ واحد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.