إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن
يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ )
(يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً)
( يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً ، يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَ يَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً )
أما بعد :
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله .. وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم .. وشرَّ الأمور محدثاتها ..وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ...
الخطبة الأولى:
في زمن أصبحت الأمانة فيه كنز عظيماً ..
في زمن أصبح الأمين فيه نادر ثميناً ..
في زمن كثرت فيه الخيانة وقلت فيه الأمانة ...
ما أحوجنا في هذا الزمان إلى الأمانة والأمينيين كيف لا وهي صفة من أشهر صفات أفضل خير البشر ، هي صفة من صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد لقب صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وقبل أن يوحى إليه بالصادق الأمين ، فالأمنة من الأخلاق الكريمة النبيلة ، من شيم الرجولة وحسن الخلق.
والأمانة لشيء عظيم لا يقدر عليه إلا الرجال ، فعلى المؤمن الحق أن يكون أمينا في قوله وفعله لأن ربنا وخالقنا أمرنا بذلك حيث قال جل جلاله (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة النساء
الأَمانَةُ هي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه؛ يؤدي حق الله في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويرد الودائع... وهي خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات و الأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول تعالى: في سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
يقول الشيخ أبن عثيمين رحمه الله
الأمانة : تطلق على معان متعددة، منها ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها ، فإنها أمانة اتئمن الله عليها العباد.
ومنها : الأمانة المالية، وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها ، وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان، لمصلحته أو مصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان ؛ إما أن تكون لمصلحة مالكها ، أو لمصلحة من هي بيده ، أو لمصلحتهما جميعاً .
فأما الأول: فالوديعة؛ الوديعة تجعلها عند شخص ، تقول مثلاً : هذه ساعتي عندك احفظها لي، أو هذه دراهم احفظها لي وما أشبه هذا ، فهذه وديعة بقيت عنده لمصلحة مالكها.
وأما التي لمصلحة من هي بيده: فالعارية يعطيك شخص شيئاً يعيرك إياه من إناء ، أو فراش، أو ساعة، أو سيارة، فهذه بقيت في يدك لمصلحتك.
أما التي لمصلحة مالكها ومن هي بيده: فالعينُ المستأجرة، فهذه مصلحتها للجميع؛ استأجرت مني سيارة ، وأخذتها ، فأنت تنتفع بها في قضاء حاجتك، وأنا أنتفع بالأجرة. وكذلك البيت والدكان وما أشبه ذلك. كل هذه من الأمانات.
ومن الأمانة أيضاً: أمانة الولاية وهي أعظمها مسؤولية، الولاية العامة والولايات الخاصة، فالسلطان مثلاً الرئيس الأعلى في الدولة، أمين على الأمة كلها ، على مصالحها الدينية ومصالحها الدنيوية، على أموالها التي تكون في بيت الماس، لا يبذرها ، ولا ينفقها في غير مصلحة المسلمين وما أشبه ذلك.
أمانة في حقوق الله : وهى أمانة العبد في عبادات الله عزّ وجلّ ، وأمانة في حقوق البشر" وهي كثيرة جداً
وأداء الأمانة من علامات الإيمان: فكلما وجدت الإنسان أميناً فيما يؤتمن عليه ، مؤدياً له على الوجه الأكمل ؛ فاعلم أنه قوي الإيمان . وكلما وجدته خائناً ؛ فاعمل أنه ضعيف الإيمان.
ومن الأمانات : ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة التي لا يحب أن يطلع عليها أحد، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها، فلو استأمنك على حديث حدثك به ، وقال لك : هذا أمانة، فإنه لا يحلّ لك أن تخبر به أحداً من الناس، ولو كان أقرب الناس إليك. سواء أوصاك بأن لا تخبر به أحداً، أو عُلم من قرائن الأحوال أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد .ولهذا قال العلماء: إذا حدثك الرجل بحديث والتفت فهذه أمانة، لماذا؟ لأنه كونه يلتفت ، فإنه يخشى بذلك أن يسمع أحدٌ ، إذاً فهو لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإذا ائتمنك الإنسان على حديث ، فإنه لا يجوز لك أن تفشيه.
ومن ذلك أيضاً : ما يكون بين الرجل وزوجته من الأشياء الخاصة ، فإن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة، الجل يفضي على امرأته وتفضي إليه، ثم يتحدث بما جرى بينهما، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته.
إذاً علينا أن نحافظ على الأمانات، وأول شيء أن نحافظ على الأمانات التي بيننا وبين ربنا، لأن حقّ ربنا أعظم الحقوق علينا ، ثم بعد ذلك ما يكون من حقوق الخلق الأولى فالأولى.
الأمانات التي عليك والتي معك يا عبد الله كثيرة
1- الأمانة العظمى والتمسك بالدين وتبليغه.
2- أمانة ما أنعم الله عليك وحفظ النعم.
3- أمانة عرضك وشرفك وأن تصونه وتحميه.
4- أمانة الولد تربيته وتعليمه.
5- أمانة العمل الذي توكل به أن يكون على أكمل وجه.
6- أمانة السر أن لا تفشي أسرار الآخرين.
7- أمانة الوديعة بردها إلى أصحابها.
وأمرنا ربنا بحفظ الأمانات بقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) آية 27 من سورة الأنفال
ووصفها الله جل جلاله من صفات المؤمنين حيث قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)آية 8 من سورة المؤمنون .
وقد وصف رسولنا الكريم من يخون الأمانة بالمنافق حيث قال ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ) رواه البخاري
بل إن عدم الأمانة والخيانة من الذنوب الكبائر حيث قال رسولنا الكريم ( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ) رواه أحمد
والكثير من الناس قد يتهاون في الخيانة خصوصا أن يخون من خانه وهذا لا ينبغي ولا يصح لنهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ". رواه أبو داود في البيوع.
فيا أيه المسلمون فلنشعل روح الأمانة بيننا ولنتعامل بخلق الأمانة ولنحرص عليها ونوصي بها من حولنا.
نفعني
الله وإياكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم .. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه
إنه هو الغفور الرحيم
**********************************************
الحمد
لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه
اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
أما بعد ..
عباد الله ..
أوصيكم ونفسي بتقوى الله ..
اتقوا الله عباد الله { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ }..
الخطبة الثانية:
إن في حياة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من صفات الأمانة والقصص التي نعتبر منها ونستفيد منها حيث كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يحكي لأصحابه رضي الله عنهم: " اشترى رجل من رجل عقاراً له ، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني ، إنما اشتريت منك الأرض ، ولم ابتع منك الذهب ، فقال الذي شرى الأرض ( أي : الذي باعها ) : إنما بعتك الأرض وما فيها ، قال : فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام بالجارية ، وأنفقوا على أنفسكما منه ، وتصدقا " رواه مسلم
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن رجل من بني إسرائيل أنه سأل رجلاً من بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال : كفى بالله شهيدا ، قال : فائتني بالكفيل ، قال : كفى بالله كفيلا ، قال : صدقت ، فدفعها إليه على أجل مسمى ، فخرج في البحر ، فقضى حاجته ، ثم التمس مركباً يركبها ، يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً ، فأخذ خشبة ونقرها ، فأدخل فيها ألف دينار ، وصحيفة منه إلى صحابه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً ألف دينار فسألني كفيلا ، فقلت : كفى بالله كفيلا ، فرضي بك ، وسألني شهيداً فقلت : كفى بالله شهيداً ، فرضي بذلك ، وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، وإني استودعكها ، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف ، وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده .
فخرج الرجل الذي كان أسلفه ، ينظر لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشية التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة . ثم أقدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، فقال : والله ما زلت جاهداً في طلب مركبة لآتيك بمالك ، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه ، قال : هل كنت بعثت إلي شيء ؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه . قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشية ، فانصرف بالألف دينار راشداً) رواه البخاري.
فلنبدأ من اليوم ولنراجع أنفسنا في أماناتنا ولنتعاهد بالتغيير من هذه اللحظة عسى الله أن يقبل أعمالنا خالصتا لوجهه وأن يدخلنا الجنة ...
اللهم انصر دينك وكتابك ، وسنة نبيك وعبادك الموحدين ..اللهم انصر من نصر الدين ، واخذل من خذل عبادك الموحدين..اللهم إنا نسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحب عمل يقربنا إلى حبك يا ربّ العالمين..اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ، و عين لا تدمع ، وأذن لا تسمع ، ونفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا ترفع ..الله حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسق والعصيان..اجعلنا يا ربنا من الراشدين ..
آمنا في أوطاننا .. وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا .. اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاكيا ربّ العالمين..
اللهم اغفر ذنب المذنبين ، واقبل توب التائبين ..واكشف كرب المكروبين ، وفرج هم المهمومين ، واقض الدين عن المدينين ..ودل الحيارى ، واهد الضالين ..واغفر ربنا للأحياء ، وللميتين..
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة: 201.
عباد الله ..
إن محمد صلى الله عليه وسلم أوصانا بالصلاة والسلام عليه حيث قال (من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا)
وقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]
عباد الله ..
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بَالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعْلَكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروا على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله أعلم ما تصنعون.