الجمعة 20 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 22 نوفمبر 2024 م
الاعتصام والتَّلاحُم مع أهل الحقِّ دون سِواهم
الأربعاء 1 ربيع الآخر 1444 هـ الموافق 26 أكتوبر 2022 م
عدد الزيارات : 864
الاعتصام والتَّلاحُم مع أهل الحقِّ دون سِواهم
عناصر المادة
1- قوَّتنا في اعتصامنا
2- مع مَن نعتصم؟
مقدمة:
لقدْ جعل الله سبحانه المؤمنين على مرّ الدّهور والعصور، ورغم اختلاف الأجناس والألوان، وتباين الصّفات والأنساب إخوةً، فقال تعالى: {‌إِنَّمَا ‌الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
ليسوا إخوةً في النّسب فحسب، بل إنّهم إخوةٌ في الإيمان بالله عز وجل، فأخوّة النّسب قد تنقطع بالموت، وأمّا إخوّة الإيمان بالله جل جلاله فهي باقيةٌ إلى ما بعد الموت، قال تعالى: {‌الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزّخرف: 67].
وإنّ هذه الأخوّة تُوجب على المؤمنين اجتماع الكلمة، وتآلف القلوب، ونبذ الفرقة والشّتات، حتّى يصبح المجتمع الإسلاميّ مترابط الأجزاء كالجسد الواحد كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنِ ‌النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (‌مَثَلُ ‌الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى). صحيح مسلم: 2586
ولقد شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين المتآلفين فيما بينهم بالبناء المتماسك القويّ، عَنْ ‌أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْمُؤْمِنُ ‌لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. صحيح البخاريّ: 2446
وامتدح الله عز وجل المؤمنين الّذين صفت سرائرهم وسلمت صدورهم مِن الشّحناء والضّغينة، فقال جل جلاله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ ‌سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10].
ولقد أينعت هذه الآداب الإسلاميّة، وآتت أُكُلَها أضعافًا مضاعفةً، وكان المسلمون بها أمّةً واحدةً؛ تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يدٌ متراصّةٌ على مَن عاداهم، يوم اعتصموا بحبل الله المتين، ولم يتخلّوا عن مبادئهم الرّاسخة للأهواء المضلّلة، والأنانيّات الفرديّة، والتّكتلات الحزبيّة، والنّعرات الطّائفيّة، فألقى الله سبحانه في صدور عدوّهم المهابة منهم.
نعم: إنّ مِن أهمّ ما أمر به ديننا الحنيف: تآلف القلوب، وتوحيد الهدف، والاعتصام بحبل الله المتين، فهو ضمانٌ لبقاء الأمّة، ووقايةٌ مِن الشّرور والفتن، وخذلانٌ للعدوّ، وطردٌ للمعاول الهدّامة، ولا يخفى علينا جميعا أنّ الفرقة والبغضاء، والتّدابر والشّحناء، سببٌ للخسارة والدّمار، و سبيلٌ للشّقاء الدّنيوي، والعذاب الشّديد الأخرويّ، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (‌إِيَّاكُمْ ‌وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا). صحيح البخاريّ: 6064
فهل آن لنا أن نصحو مِن رقادنا، وأن نستفيق مِن سباتنا العميق؟!
1- قوَّتنا في اعتصامنا
إنّ مِن أهمّ مقاصد الشّريعة الغرّاء: اجتماع الكلمة، ووحدة الصّفّ، واتّحاد الغاية، على ما يرضي ربّنا جل جلاله، فلقد انتشرت بين النّاس في الجاهليّة العداوات والخلافات، والحروب والخصومات، حتّى جاء الإسلام فألّف الله به بين القلوب، وقذف فيها المحبّة، فتحابّوا وتوافقوا، وصاروا إخوانًا متراحمين، وكلّ ذلك بفضل الله وتوفيقه، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ‌لَوْ ‌أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63].
فاجتمعوا بعد الافتراق، وتآلفوا بعد البغضاء، وازدادت قوّتهم بسبب اجتماعهم، وخير مثالٍ على هذا: ما كان مِن حال  الأوس والخزرج، تلكم القبيلتين اللتين جمع الله عز وجل قلوبهم على الإسلام، وطهّرها مِن الأحقاد والضّغائن، وخلّصهم من الحروب الطّاحنة الّتي دامت لسنين طويلةٍ، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ‌إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
فلمّا رآهم اليهود بهذه الحالة مِن الوحدة غاظهم ذلك وأرادوا إفساد هذا الاتّفاق ولكنّهم باؤوا بالفشل.
إنّ صفاء النّفوس المسلمة، واجتماع الكلمة على التّقوى والمحبّة، ونبذ الفرقة والشّتات، وتوحيد القوى تحت راية العقيدة السّليمة، والإيمان الخالص، لمجابهة العدوّ؛ هو أساس كلّ سعادةٍ، وعماد كلّ تقدّمٍ ورقيٍّ، وإنّ الخير كلّه في التّعاون المتبادل على البرّ والتّقوى، وفي التّضحية والفداء مِن أجل رفع راية التّوحيد خفّاقةً عاليةً. 
حقًّا: إنّ توحيد الصّفّ، ونقاء السّريرة، مِن أهمّ المطالب الّتي لا بدّ منها لكلّ أمّة تبغي الصّلاح، وتسعى للنّجاح، وترجو الوصول إلى العلياء، فبهذه الدّعائم القائمة على الإيمان والتّقوى، والعدل والحقّ، يتحقّق للأمّة الأمن والأمان، والسّلام والاستقرار، وكلّ ذلك بفضل تعاونها، ووقوفها سدًّا منيعًا في وجه العقبات والصّعوبات، وذلك يُوجب على المؤمنين جميعًا التّعاون في الوصول بالأمّة إلى المكانة المرموقة الّتي بوّأها الله لها، ولن يكون ذلك إلّا بالتّآخي والتّعاون، قال تعالى: {‌وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
2- مع مَن نعتصم؟
عندما تدلهمّ على المؤمن الخطوب، وتحيط به الكروب، فليس أمامه سبيلٌ لمواجهتها إلّا الاعتصام بحبل الله المتين، والوقوف مع إخوانه يدًا بيدٍ للتغّلبّ عليها، قال سبحانه: {‌وَاعْتَصِمُوا ‌بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحجّ: 78].
ولقد جاءت السّنّة لتؤكّد على أمر الاعتصام بحبل الله القويّ فإنّ فيه النّجاة والمنعة، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ ‌يَرْضَى ‌لَكُمْ ‌ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ). مسند احمد: 8799
فمَن اعتصم بحبل الله سبحانه وحافظ على طاعته، وابتعد عن نواهيه، وتوكّل عليه، دفع عنه الشّبهات والشّهوات، وردّ عنه كيد الأعداء وشرّ الأشرار، وإنّه ليُوجب على كلّ مؤمنٍ موالاة المؤمنين الصّادقين، ونصرة المؤمنين بعضهم لبعضٍ، تحت راية الحقّ والعقيدة الصّحيحة، قال جل جلاله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ‌بَعْضُهُمْ ‌أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوبة: 71].
نُوالي المؤمنين الصّادقين، ونحذر نصرة  الظّالمين المعتدين الّذين يؤثرون الدّنيا على الدّين، ويسفكون الدّماء المعصومة بغير حقٍّ، ويعتدون على الأموال، ولا يرعون حرمة ذلك، متجاهلين بذلك شرع الله الحكيم، الّذي أعطى حرمةً للدمّاء والأنفس والأعراض، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، ‌كُلُّ ‌الْمُسْلِمِ ‌عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ). صحيح مسلم: 2564
ومستهينين بوعيد الله لقاتل النّفس بغير حقٍّ، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا ‌مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النّساء: 93].
فحريٌّ بنا أن نتأمّل كيف رجع النّبي صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية إلى المدينة، ولم يسمح للصّحابة بدخول مكّة وقتئذٍ، خشية أن يُقتل بعض المؤمنين والمؤمنات المستضعفين ممّن يكتم إيمانه ويخفيه، قال تعالى: {وَلَوْلَا ‌رِجَالٌ ‌مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 25].
ولقد نهى الشّرع حين القتال مع العدوّ عن قتل مَن أظهر شيئًا مِن علامات الإسلام، فكيف بمَن يؤدّي شعائر الدّين؟! قال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ‌السَّلَامَ ‌لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النّساء: 94].
ولقد أمرنا الإسلام بلزوم الجماعة، أصحاب العقيدة السّليمة الصّافية، والإيمان والحقّ والعدل، وأمّا غيرهم فلا نصرة لهم علينا، ولا ولاء لهم منّا. 
خاتمةٌ:
في ظلّ ما تعيشه الأمّة الإسلاميّة في هذه الأيّام العصيبة، الّتي تموج بالفتن والحروب، والصّراعات والخلافات، لغاياتٍ شتّى، وأهدافٍ متنوّعةٍ، حيث تفرّق الأمر، وتشتّت الشّمل، وأصبح المؤمنون شِيَعًا وأحزابًا، كلّ حزبٍ فرحون بما لديهم، فإنّنا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تجديد الإيمان بالله سبحانه، إيمانٍ يَعمر القلوب، ويَغمر الجوارح، ويُثمر الطّاعة والأخلاق والفضائل، وإنّنا -أيضًا- بأمسّ الحاجة إلى الاعتصام بحبل الله عز وجل، وتوحيد الصّفّ واجتماع الكلمة على ما يُرضي ربّنا، وعدم التّدابر والتّناحر، للوقوف صفًّا واحدًا في وجه عدوّنا، تحت مظلّة العقيدة الصّحيحة الصّافية، الخالية مِن الشّوائب، نُوالي مَن والى الله  ورسوله، ونخالف مَن حاد عن صراط الله المستقيم، وجديرٌ بنا أن نتدبّر الآيات الّتي سمعناها ونعمل بها، فإنّها تُحذّرنا مِن معاول الشّرّ والهدم، فلا سلامة لكيان الإسلام والمسلمين إلّا بمخالفة الأعداء والحذر منهم، ومواجهتهم بسلاح الإيمان والتّقوى، فبهما قوّة المجتمع الإسلاميّ، وعونٌ على دفع كيد الكائدين ومكر الحاقدين الّذين  يسعون جاهدين  لتمزيق عرى الإسلام والمسلمين، فلننتبه مِن غفلتنا،  ولنستيقظ مِن رقادنا، ولنستعدّ لمجابهة عدوّنا، ولنكنْ مع أهل الحقّ والعدل، ولنعتصم بالله مولانا، فإنّه نِعْم المولى ونِعْم النّصير.
1 - صحيح مسلم: 2586
2 - صحيح البخاريّ: 2446
3 - صحيح البخاريّ: 6064
4 - مسند احمد: 8799
5 - صحيح مسلم: 2564
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149