السبت 21 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 23 نوفمبر 2024 م
غزوة بني قريظة (2)
الاثنين 13 ذو القعدة 1435 هـ الموافق 8 سبتمبر 2014 م
عدد الزيارات : 3020

قال تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا، وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا).

عباد الله :
لما عادت حشود الأحزاب تحمل معها الفشل والخيبة، بقي يهود بني قريظة وبقي معهم غدرهم الذي فضحهم. بعد أن جاهروا بسب النبي صلى الله عليه وسلم. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه جبريل عليه السلام عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: أوقد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتها، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة؛ فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس:
(مَن كانَ سامعًا مطيعًا فلا يُصلِّينَّ العصرَ إلَّا في بَني قُرَيْظةَ)، وأعطى الراية علي بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة. وبادر المسلمون إلى امتثال أمره، ونهضوا من فورهم، وتحركوا نحو قريظة، وأدركتهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمِرْنا، حتى إن رجالاً منهم صلوا العصر بعد العشاء، وقال بعضهم: لم يُرَدْ منا ذلك، وإنما أراد سرعة الخروج، فصلَّوْها في الطريق، فلم يعنِّف واحدة من الطائفتين. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وتقدمه أسيد بن الحضير فقال: "يا أعداء الله، لا نبرح عن حصنكم حتى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلبٍ في جحر" فقالوا: يا ابن الحضير: نحن مواليك دون الخزرج، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا ذمة. ودنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى بأعلى صوته فقال: (أجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ أتشتمونني)؟
فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وفي لفظ: ما كنت فاحشا. وتقدم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، وصاح علي: "يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم". وهنا بدأت معنويات اليهود تنهار. فلما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم زعيمهم كعب بن أسد ثلاث خصال:
الخصلة الأولى: أن يسلموا ويدخلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم، وقد قال لهم: والله، لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم.
والخصلة الثانية: أن يقتلوا أبناءَهم ونساءَهم بأيديهم، ويخرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف مُصْلِتِين، يناجزونه حتى يظفروا بهم، أو يقتلوا عن آخرهم.
والخصلة الثالثة: أن يهجموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويكبسوهم يوم السبت؛ لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه.
فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث.
وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد، في انزعاج وغضب: "ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما". ومع ذلك فقد وافق كعب قومَه ونقض عهدَه، وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين؛ حربًا لله ولرسوله. والذي لابد أن يُعْلَمْ ويُرَبَّى عليه أبناء أمة الإسلام هو أن الكلاب لا تلد إلا الكلاب، وبنات الأفاعي كأمهاتها لا تجيد إلا لغة المراوغة والخداع ونفث السم في صف الأمة الوسط. ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كان باستطاعتهم أن يتحملوا الحصار؛ لتوفر الغذاء والماء ومناعة الحصون؛ ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس والجوع الشديد في العراء، مع شدة التعب الذي اعتراهم؛ بسبب مواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب، إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب، فقد قذف الله في قلوبهم الرعب وأخذت معنوياتهم تتزلزل وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر باعتقال رجالهم، فوضعت القيود في أيديهم. وقام الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، هؤلاء موالينا، فأحسن فيهم، فقال: (ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟) قالوا: بلى. قال: (فذاك إلى سعد بن معاذ) قالوا: قد رضينا. فأرسل إلى سعد بن معاذ، وكان في المدينة لم يخرج معهم للجرح الذي كان قد أصاب أكْحُلَه في معركة الأحزاب. فأُركب حماراً، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يقولون: يا سعد، أجمل في مواليك، فأحسن فيهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكَّمك لتحسن فيهم، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً، فلما أكثروا عليه قال: "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم". ولم ينسَ سعد حينذاك كيف نقضت قريظة عهدها، وكيف استقبلته بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب يناشدهم الوفاء.
ولما انتهى سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا سعد، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك). قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قال: (نعم). قال: وعلى المسلمين؟ قال: (نعم)، قال: وعلى من هاهنا؟ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية النبي صلى الله عليه وسلم إجلالاً له وتعظيمًا. قال: (نعم وعلي). قال: فإني أحكم فيهم: أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات). وأمر صلى الله عليه وسلم بحفر خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً، وتضرب فيها أعناقهم. وكانوا ما بين الستمئة إلى السبعمئة. وهكذا تم استئصال أفاعي الغدر والخيانة، الذين كانوا قد نقضوا الميثاق المؤكد، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة كانوا يمرون بها في حياتهم، وكانوا قد صاروا بعملهم هذا من أكابر مجرمي الحروب الذين يستحقون المحاكمة والإعدام. ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما تم أمر قريظة انتقضت جراحته، فلم يَرُعْهُمْ إلا والدم يسيل إليهم من الخيمة، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قِبَلِكُم، فإذا سعدٌ يغذو جرحه دماً، فمات منها.
في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ). ولما حُمِلتْ جنازته قال المنافقون: ما أخف جنازتَه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة كانت تحمله).
إن سعد بن معاذ رضي الله عنه، عاش في الإسلام قرابة ستة أعوام، واهتز عرش الرحمن لموته، لمكانته عند الله تعالى، تلك المكانة التي اكتسبها بإيمانه وإخلاصه وعمله الصالح في ستة أعوام فقط، وإن منا من عاش أضعافَ أضعافِ هذه المدة، إلا أن الأرض التي يمشي عليها لتلعنه، وتفرح الأحياء بل والجمادات بموته، راحة منه ومن عصيانه وظلمه، وعار والله أن يعيش المسلم منا وما قدم للإسلام شيئاً، وما هدى للإسلام أحداً، وكل همه تحصيل شهواته، بل إن من المسلمين من أعان ويعين على هدم الدين، وظلم المسلمين، ويمضي عمره في نشر باطله من شهوات وشبهات، فما حال آكلي أموال الناس بالباطل؟ فالويل لأهل الظلم من ثِقل الأوزار، وذكرُهم بالقبائح قد ملأ الأقطار، ذهبت لذاتهم بما ظلموا وبقي العار، شيّدوا بنيان الأمل فإذا به قد انهار، فإذا قاموا في القيامة زاد البلاء على المقدار، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) نعوذ بالله من حال لا يرضي الله. أقول هذا القول وأستغفر الله.

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149