1- قصَّة ابتلاءٍ
2- تمحيصٌ واصطفاء
مقدمة:
قصّ الله سبحانه على رسوله صل الله عليه وسلم مِن قصص الأوّلين، كقصّة بلعام بن باعوراء، ثمّ أمره أن يقصّ القصص على المؤمنين، ليعتبروا بما فيها {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175-176].
وفي القرآن قصص كثيرةٌ متنوّعةٌ، وأبزرها قصص الأنبياء، بل إنّ قصّة أحد الأنبياء استغرقت سورةً كاملةً، وقد افتتحها مبيّنًا أنّ أحسن القصص في القرآن {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3].
واختتمت السّورة ببيان مقصد قصّ القصص، وهو أخذ العبرة منها {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
وقد وصف الله عزو جل القصص القرآنيّ بأنّه القصص الحقّ، وذلك بعد أن قصّ فيه قصّة عيسى {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 62].
وقد سُمّيت إحدى سور القرآن بسورة القصص، وفيها طرفٌ مِن قصّة سيّدنا موسى، وأنّه قصّها على شعيبٍ إذ وصل مدين {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25].
1- قصَّة ابتلاءٍ
رخّص رسول الله صل الله عليه وسلم لأمّته أن يحدّثوا عن بني إسرائيل ما فيه العبرة، وحذّرهم في الوقت نفسه مِن الكذب عليه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).
فما وصلنا مِن قصصهم جاز لنا أن نرويه للعبرة، لا نصدّقه ولا نكذّبه، أمّا إذا حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم به فإنّه حقٌّ، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقٌ بالوحي مسدّدٌ به {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصّلت: 6].
وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربّه عز وجل فقصّ القصص على أمّته، ومِنها قصّة الأعمى والأبرص والأقرع، عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عز وجل أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، -أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ - فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ).
فإن لم يُقسم لنا أن نسمعها مِن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نقلها لنا علماء الحديث في صحاح الكتب.
2- تمحيصٌ واصطفاء
وفي القصّة -أعلاه- الكثير مِن الدّروس، ومنها: أنّ الابتلاءات متنوّعة كثيرةٌ، وقد يسبق إلى أذهان النّاس عند ذِكر الابتلاء أنّه يكون بالمصائب والأمراض والفقر فقط، والحقيقة أنّ الله سبحانه يبتلي بالمرض والصّحّة، ويبتلي بالفقر والغِنى، واختبار الفقير والمريض أن يصبرا، واختبار الصّحيح والغنيّ أن يشكرا {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنّعم
لقد اجتمع على الثّلاثة -بدايةً- الفقر والمرض، وهذا ابتلاء، ثمّ أراد الله جل جلاله أن يبتليهم بالصّحّة والغنى، فيظهر بالابتلاء ما سبق في علمه أنّ الأبرص والأقرع لن يشكرا، أمّا الأعمى فسيشكر، وفائدة ظهور ما علمه الله عز وجل للنّاس أن تقوم به الحجّة عليهم، فلا يتظلّمون، ويتذرّعون أن لو مُنحنا المال والصّحّة لشكرنا، فبذلك يظهر ما علمه الله سبحانه، وتنقطع حجّة المبطلين، أمّا لو رفع في الآخرة الأعمى إلى الجنّة وألقى صاحباه في النّار لقيل أيّ ظلمٍ هذا؟ يستوون في المصيبة، كلّهم فقيرٌ مريضٌ، ثمّ تتباين المصائر، فناسٌ في النّعيم وناسٌ في الجحيم، أمَا وقد ابتُلوا في الدّنيا فقد قامت الحجّة، وانقطع المراء، وقد بيّن الله عز وجل في قرآنه أنّ إقامة الحجّة على عباده قبل تعذيبهم مقصودٌ مطلوبٌ {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
وقد نصّ الله جل جلاله على هذا المقصد بعد أن ذكر طرفًا مِن قصص الأنبياء {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النّساء: 164-165].
ونستفيد مِن القصّة ألّا نتشوّف ونتطلّع إلى ما في أيدي النّاس مِن نعيمٍ نراهم يتقلّبون فيه {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
فربّما كان ذلك النّعيم ابتلاءهم الّذي سيكبّهم في النّار، وربّما ابتُلوا فنجوا؛ ولو ابتُلينا لما نجونا، فلنسأل الله عز وجل السّلامة مع العافية، ولنسأل الله خيري الدّنيا والآخرة، أمّا أن تقتصر أمانينا على نعيم الدّنيا فهل نضمن السّلامة في الآخرة؟ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التّوبة: 75 - 77].
خاتمةٌ:
ورد في الأثر أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهِمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ، حَتَّى إِذَا تَيَسَّرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، فَيَقُولُ لِلْمَلَكِ: اصْرِفْهُ عَنْهُ قَالَ: فَيَصْرِفُهُ، فَيَتَظَنَّى بِحَيْرَتِهِ: سَبَقَنِي فُلَانٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا اللَّهُ".
لذا فإنّ بعض الحرمان نافعٌ ما دام مِن اللّطيف الخبير عز وجل، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ).
لكن هنا علينا ألّا نخلط هذا بما يكون مِن أيدينا وأنفسنا، فربّ فقرٍ سببه الكسل، وربّ فقرٍ سببه الذّنوب، لذا لا نتّكّئ على هذا المعتقد؛ فنرى أنّ ما فينا هو مِن تدبير الله سبحانه لنا دائمًا، بل علينا أن نصلح أحوالنا ما استطعنا، وأن ندعو الله جل جلاله أن يرزقنا ما فيه صلاح الدّارين، وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّه الاستغناء بعد أن سأله التّقى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى).
وفي هذه القصّة دروسٌ أخرى، كفضل الشّكر والصّدقة والحثّ عليها والإحسان إلّى السّائلين فلا ننهرهم، فقد نجا الأعمى إذ نجا لمّا أقبل على الصّدقة وأباح للسّائل؛ فقال شاكرًا: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، "لا أجهدك" أي: لا أشقّ عليك في منع شيءٍ تطلبه منّي أو تأخذه، فالمنعم الله سبحانه، ونعماؤه ابتلاء، فلنسأل الله أن يعيننا فنقوم بشكر ما أنعم، فنحسن إلى السّائلين ونعطي ونزيد، عسى الله أن يكرمنا بالمزيد.