الأربعاء 19 جمادى الآخر 1447 هـ الموافق 10 ديسمبر 2025 م
مِن ساحات الفرح إلى ميادين العمل
الأربعاء 19 جمادى الآخر 1447 هـ الموافق 10 ديسمبر 2025 م
عدد الزيارات : 70
مِن ساحات الفرح إلى ميادين العمل
عناصر المادة
1- وصايا بعد عامٍ من العطايا
2- ماذا حقَّقنا؟ وإلى أين نتجَّه؟
مقدمة:
لقد مرّت علينا منذ أيّامٍ ذكرى عظيمةٌ على قلوبنا، تحقّق فيها وعد الجبّار، ذكّرت العالم كلّه بيومٍ مِن أيّام الله، صاحب الكرم والامتنان، أكرم الله جل جلاله فيه العباد، بزوال حكم طاغية الشّام، الّذي طغى في البلاد، فأكثر فيها الفساد، حتّى بلغ إجرامه مالم يبلغه مَن كان قبله مِن حكّام الظّلم والاستبداد، فكان مِن رحمة الله عز جل بعباده أن يأتي هذا اليوم، بعد عقودٍ مِن الظّلم والقهر والاعتقال، ومزيدٍ مِن سفك الدّماء، وتدمير المدن، وقصف البلاد، ونهب الأموال، ولِيكون النّصر رحمةً للضّعفاء والمساكين {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].
وعبرةً للمعتبرين {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النّمل: 69].
فالله سبحانه لا يهمل إذ يمهل، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ ‌لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ، ‌حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). صحيح البخاريّ: 4409
قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
لاذَ طاغية الشّام بالفرار، يجرّ أذيال الذّلّ والعار، وترك جنده الأذلّاء، تعلوهم المهانة والصّغار، وتلك سنّةٌ مِن سنن الله القهّار، الّتي لا تتبدّل في هلاك الفجّار {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].
 ولقد كان ثمن هذا النّصر -بعد فضل الله عز وجل وتوفيقه- شدّةٌ وبلاءٌ، وبأساءٌ وضرّاءٌ، ودماءٌ وأشلاءٌ، حتّى لقد تسلّل اليأس إلى القلوب {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].
فلمّا قام المجاهدون بما أُمروا به، نصرهم الله سبحانه، فمنهم مَن ذاق طعم النّصر، ومنهم مَن مضى مع ركب الشّهداء {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
فكان نصرًا مبينًا، وفتحًا قريبًا، كانت معه نهاية حقبةٍ مظلمةٍ، وبداية مرحلةٍ جديدةٍ، توجب علينا الاعتراف بفضل الخلّاق، وإدراك عظم المسؤوليّة المنوطة في الأعناق.
1- وصايا بعد عامٍ من العطايا
إنّ مِن أعظم نِعم الله سبحانه على عباده أن سحق أعداءهم، ونصر ضعفاءهم، ومكّن لهم في أرضه {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرّوم: 47].
ولم يأت هذا النّصر إلّا بعد أن تعلّقت القلوب بعلّام الغيوب، وطال الصّبر على أذى أهل الظّلم والطّغيان، فأتي النّصر رغم قلّة الأعداد، ونقصٍ في العتاد، ولقد ذكّر الله جل جلاله المسلمين الأوائل بضعفهم، وخوفهم في مكّة، ثمّ إيوائهم في المدينة بعد الهجرة، ونصره لهم بعد غزوة بدرٍ {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
وهذه الآية دعوةٌ لنا جميعًا أن نتذكّر حالنا عندما كنّا قلّةً، لا حول لنا ولا قوّةً، وإنّ تذكّر هذه الحالة يبعث في النّفس التّواضع والشّكر، ويمنع الغرور والكبر، فما أتانا مِن كرمٍ ونصرٍ؛ فمِنْ فضل الله عز وجل، فلا يليق بنا أن نتباهى بما أوتينا، فلقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة فاتحًا منتصرًا، متواضعًا لله خاشعًا متذلّلًا، موقنًا بما أُنزل عليه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
وإنّنا إذ نتذكّر أيّامًا عظيمةً مِن أيّام الله جل جلاله، أغدق الله علينا فيها مِن نِعَمه، فنفرح بفضله، ونسجد شكرًا لعظمته {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الرّوم: 4-5].
ولكنّه ليس فرحًا صاخبًا، تُنتَهك فيه الحُرمات، وتنتشر فيه المحرّمات، بل أوّل ما يكون بالسّجود لله شكرًا، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: (كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، ‌خَرَّ ‌سَاجِدًا، شُكْرًا لِلَّهِ جل جلاله). سنن ابن ماجه: 1394
ثمّ بتحقيق أركان الشّكر، وذلك باعتراف القلب بأنّ النّصر مِن عند الله سبحانه وحده، ثمّ يأتي شكر اللّسان بالحمد والثّناء والتّسبيح، وتذكير الأجيال بفضل الله ذي العزّة والجلال، ومِن ثَمّ تكتمل قواعد الشّكر بقيام الجوارح بالعمل الصّالح، والتّمسّك بالحقّ، وإقامة العدل، فالشّكر اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
فلنكن مِن هؤلاء القليل، ولنشكر ربّنا العظيم الجليل، على نعمة زوال الخوف والاستبداد، وتحرير السّجون الّتي كانت ممتلئةً بالعباد، وتخليص البلاد مِن الظّلم والفساد، فالمؤمن لا يكون إلّا صابرًا متفائلًا، يدفعه ذلك لحسن البناء والعمل، وطرد اليأس والفشل.
2- ماذا حقَّقنا؟ وإلى أين نتجَّه؟
 ها هو قد مرّ عامٌ على التّحرير الكبير لسوريّا الحبيبة، ذلك النّصر الّذي أكرمها به المولى القدير، ولقد كان عامًا مليئًا بالأحداث والتّحدّيات، ولكنّه كان يحمل أيضًا في طيّاته دروسًا وعبرًا، يجب أن نستلهمها في حياتنا اليوميّة، وهنا نقف لنتساءل عن الإنجازات الّتي حقّقناها بعد زوال حكم النّظام البائد، وزوال العدوّ الفاسد، وإنّ هذا التّساؤل لَمِن أوجب الواجبات، ذلك أنّ مرور عامٍ على النّصر العظيم والفتح المبين، محطّةٌ لمراجعة الذّات، وتقييم المنجزات، وذا ضمانٌ للثّورة مِن الانحراف عن الأهداف إلى شتّى الجهات، فكان مِن الواجب علينا أن نكون متيقّظين، نحذر الانهماك في الشّهوات والملذّات، ونعرض عن التّنافس على الدّنيا ومناصبها الزّائلة، والاغترار بمتاعها وزخارفها الفانية {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
فعندما التفت الصّحابة الكرام للغنائم بعد غزوة أحدٍ كان سبب خسارتهم، فجاءهم العتاب مِن ربّهم {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].
وهنا نحتاج إلى اليقظة المستمرّة الدّائمة، والوعي العميق، بحجم التّحدّيات الّتي لم تنتهِ بزوال النّظام البائد، ثمّ لننظر هل حافظنا على الثّوابت والمبادئ الّتي مِن أجلها قامت الثّورة المباركة؟ وهل طهّرنا المنشآت والمؤسّسات مِن الفساد والمحسوبيّات والأنانيّات، الّتي كانت في عهد النّظام المجرم؟ وهل أقمنا فيها العدل والمساواة والشّفافية الّتي ضحّينا مِن أجلها كثيرًا؟ ثمّ هل نحن جاهزون لردّ شرّ الأشرار الّذين يخرّبون البلاد، ويبغون فيها الفتن والفساد، فأرادوا أن يبثّوا سمومهم، محاولين تفريق شملنا، وتمزيق اجتماعنا في هذه البلاد المباركة، وهيهات هيهات، فسوريّا دولةٌ قويّةٌ متماسكةٌ مباركةٌ، عصيّةٌ على التّقسيم والتّضليل، قدّم أبناؤها الأرواح والأموال، فداءً لدِينهم ووطنهم، فلنكن مخلصين للدِّين والوطن والأمّة، لا نبحث عن حظٍّ شخصيٍّ، ولا ننساق وراء مصالح ضيّقةٍ، فالأرض لا تنهض إلّا بأبنائها الصّالحين، الّذين غُرست في نفوسهم قِيَم العدل والأخلاق، فكانوا متآلفين، وبالحقّ مستمسكين، ولكل خطابٍ ينادي بالفرقة والشّتات متجنّبين.
خاتمةٌ:
كثيرةٌ هي العظات والدّروس الّتي تجلّت في نصر الله سبحانه عباده في بلاد الشّام، بعد سنين عجافٍ مِن الظّلم والقهر، والخوف والاستبداد، والاعتقال والفساد، وكلّ ذلك يستدعي فهم السّنن الرّبانيّة، وتدبّر الآيات القرآنيّة في انتصار الحقّ وأهله، ودحر الباطل وحزبه، وتستلزم الفرح بفضل الله جل جلاله ورحمته، والتّبرّؤ مِن حول الإنسان الضّعيف، إلى حول الله القويّ وتدبيره الحكيم، وتوجب مزيدًا مِن شكر الله المنعم، صاحب الجود والإحسان، كما تستلزم هذه السّنن عدم الرّكون إلى الّذين ظلموا، والحذر مِن الاغترار بالجاه والسّلطان، والقوّة والمال، والشّرف والعزّة، فإنّ القوّة لله جميعًا، وهو القادر سبحانه على تحويل القويّ إلى ضعيفٍ، والعزيز إلى ذليلٍ، والغنيّ إلى فقيرٍ في لمح البصر، وبأهون الأسباب، فكم مِن آمرٍ أضحى مأمورًا، وكم مِن آمنٍ أصبح خائفًا، سواءً ما وقع في الأمم الغابرة، والقرون الخوالي، أو ما شهدناه فيما عشناه بالأمس القريب، حيث كانت هزيمة طاغية الشّام، بعد ما كانت له صولةٌ وجولةٌ، سفك فيها الدّماء، وقتل العلماء والأبرياء، ودمّر المدن وحوّلها إلى ركامٍ وخلاءٍ، وأذاق النّاس البأساء والضّراء، حتّى نزل به غضب الله الّذي لا يرُدّ عمّن كانوا له أعداء، ونحن في ذكرى مرور عامٍ على زوال النّظام البائد، نراجع حساباتنا، ونجدّد لله شكرنا، ونكون أوفياء نسير على درب شهدائنا، ونواصل مسيرة العمل والإصلاح والبناء، ونحذر شرّ الأشرار، وكيد الفجّار، الّذين يحاولون تفريق أمّتنا، وتخريب بلدنا، ونعتصم بحبل ربّنا، فهو حبلٌ متينٌ، مَن تمسّك به استعصى على الكائدين الماكرين.
 
1 - صحيح البخاريّ: 4409
2 - سنن ابن ماجه: 1394
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 125) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 17%
لا أدري (صوتأ 4) 3%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 156