الحمد لله مقدِّر الأقدار, {يخلق ما يشاء ويختار} القصص\68 اختار لنا من أيام دهرنا ما نتعرض فيه لنسائم رحمته, وعزائم مغفرته, في مواسم فاضلة يخْلف بعضها بعضاً لنتوب إليه ونستغفره, ونذكر آلاءه فنشكره.
والصَّلاة والسَّلام على إمام العابدين وسيّد الذَّاكرين الشَّاكرين, الذي علَّم العالمين كيف يرضون مولاهم, ويذللون دنياهم لتعمير أخراهم, فيغنمون الدين والدنيا معاً.
أتى رمضان مزرعة العباد ..... لتطهير القلوب من الفساد
ومن نعماء الله أن يجتمع شرف الزمان والمكان وفضلهما لأقوامٍ اختصَّهم من بين العالمين فهو الذي يختص برحمته من يشاء, فينبغي لهم الاجتهاد والسَّعي في الخيرات أكثر ممن انفرد بجهة واحدة من الشرف والفضل فبورك لكم يا أهل الشَّام تلك العطيّات.
ففي ظلِ الشدائد والمحن تتجلى لطائف العزيز العلَّام لتكون برداً وسلاماً على أهل الشَّام رحمات ربنا تنزل وأرواح شهدائنا تسمو ارتقاءً, ومجاهدٌ في سبيل الله يمضي, يبتغي إحدى الحسنيين ومرابطٌ يحرس الأرض والعرض والدين، وأناسٌ متعبون مضطهدون ينتظرون الفرج والنصر، عبادات جليلة اجتمعت مع عبادة الصيام للرحيم الرحمن.
فتهل على الأرض المباركة أزمنة مباركة ونفحاتٌ رمضانية تهفو إليها أفئدتنا, تسكن وتطمئن بها أرواحنا العليلة باعثة الأمل من رحم ألمنا وتقول في لمسة حانية لابن الشَّام المفعم بالجراح:
أيا مسلماً باع الهوى والملاهيا ..... وأصبح للذِّكر المقدَّس تاليا
فقد ظفرت وربِّ العرش بالفوز والعلى ..... وأحسنت إحساناً وحزت الأماني
فيا باغي الخير أقبل وأعرني سمعك وقلبك لحظة لنتجهز لرحلة الثلاثين يوماً القادمة؛ فالطائرة على وشك الإقلاع فهل أنت مستعد؟
سأقطف لك فيها ثلاث زهرات ....
الزهرة الأولى:
من حلب العز فالخير كلُّ الخير في هذه الأيام ليجدد أهل الشَّام خاصَّة وعموم المسلمين العلاقة مع باريهم وأنَّ رسالة الجهاد ماضية ما بقيت الروح في الجسد تتوارثها الأجيال فيا طوبى للشام يا طوبى للشام.
لكن حريٌ بنا أن نعيد ترتيب أوراقنا لنصحح مسار ثورتنا في أيامٍ عساها تكون أيام نصر وفتح مبين.
الزهرة الثَّانية:
فإنَّ بداية الخير تكمن في همسة نصحٍ استعداداً لاستقبال الشهر المبارك :
- صفاءٌ من الشحناء وإصلاح ما أفسده الشيطان من علاقات وأخصُّ علاقتنا مع الباري.
- تجديد التّوبة بألا تكون مجرد تأجيل للذنوب إلى ما بعد رمضان .
- الدُّعاء ببلوغه والإعانة على صيامه وقيامه , فقد كان من دعاء يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- "اللهمَّ سلمني إلى رمضان, وسلِّم لي رمضان, وتسلمه منّي متقبلاً"
- الابتعاد عن البطَّالين ومصاحبة أهل الهمَّة.
- التنبه والاحتراس من لصوص رمضان (السهر – التليفون – الرياء – التلفاز ....)
- تفقد المحتاجين من أقارب وجيران وغيرهم لئلا يجتمع عليهم جوع الصّيام وشدة الفقر.
الزَّهرة الثالثة:
أهديها على وجه الخصوص لمجاهدي الشَّام.
تعالوا يا نجوم الزَّمان لانتهاز الفرص, واستثمار هذا الموسم لتقوية العلاقة بالله, وتصفية القلب مما علق عليه من الرَّيْن فرمضان جُنة المجاهدين ورياض الأبرار والمقربين, يعيد للقلب والجوارح صحتها التي سلبتها أيدي الشَّواغل والصَّوارف.
وبحسب كميّة الوقود يكون طول المسير فالنفس تحتاج لوقفات وخلوات, لزيادة رصيد الإيمان وسكب العبرات بين يدي باريها وخاصَّة في زمن المحن والشدائد, وكأنَّها أيام الصبر التي أخبر عنها النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ (للعامل فيها أجر خمسين من أصحابه)
أخيراً وليس آخراً...أُخيَّ الحبيب ... رمضان بين يديك
وما هي إلَّا أيامٌ قليلة من نسائم الرحمات ستمضي مسرعةً ولسان حال الشهر يقول :
ترجل الشهر – والهفاه – وانصرما ..... واختصَّ بالفوز في الجنات من خدما
من فاته الزرع في وقت البدار فما ..... تراه يحصد إلَّا الهمَّ والندما
فهل من قارعٍ باب الريان ؟!
ولئلا نتحسر على فوات الشّهر في آخره, فلنتجهز لاستقبال أوائله ومن تأمَّل حاله آخر الشهر شمَّر عن ساعد الجدِّ وشدَّ المئزر.
(رغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثمَّ انسلخ قبل أن يغفر له)
اللهمَّ بارك لنا في رمضان وتقبل حسن استقبالنا له وأعنَّا على صيامه وقيامه واجعلنا فيه من الأتقياء الأنقياء العتقاء من النَّار, وارزقنا نصراً عاجلاً غير آجل فيه تمكين للمسلمين بتوحيد الصفِّ والكلمة إنَّك وليُّ ذلك والقادر عليه.