الثلاثاء 1 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 3 ديسمبر 2024 م
برُّ الوالدة
الخميس 12 محرّم 1438 هـ الموافق 13 أكتوبر 2016 م
عدد الزيارات : 4691
MPEG : 9MB
9MB
مقدمة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَحَد الْفَرْد الصمد الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْأَمِينِ الْيَتِيمِ الَّذِي تَرَبَّى يَتِيمًا فَصَبَرَ وَمَا اشْتَكَى فَلَمَّا زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ وَهُوَ يَقُودُ أَلْفَ فَارِسٍ مُدَجَّجٍ رَقَّ قَلْبُهُ وَبَكَى، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ الْأَبْرَارِ وَآلِ بَيْتِهِ الْأَطْهَارِ وَمنْ سلك سَبِيلهِمْ مِن الْمُؤْمِنِينَ الْأَخْيَارِ. 
أَيُّهَا الْوَلَدُ كَبِيرًا كُنْتُ أَمْ صَغِيرًا غَنِيًّا أَمْ فَقِيرًا عَامِّيًّا أَمْ أَمِيرًا فَأَنْتَ وَلَدٌ وَلَكَ وَالِدُ وَاللَّهُ يُقَسمُ فَيَقُولُ {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} وَاللَّه لَا يُقَسِمُ الا بِعَظِيمٍ مِنْ خَلْقِهِ فَهَلْ فَكَّرتْ يَوْمًا بِعَظَمَةِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَالديك وَلَسْتُ هُنَا لِأُحَدِّثَكَ عَنْ برِّ الْأُمِّ بَلْ عنْ برِّ الْوَالِدَةِ حَتَّى لَا أُطِيلَ نِقَاشَكَ بِأَنَّ وَالِدَتَكِ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَلِذَا فَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ لَقَبَ الْأُمِّ الْمُهِمِّ أَنَّنَا مُتَّفِقَانِ أَنَّهَا وَالِدَةٌ وَهَذَا سَبَبٌ كَافٍ لِبِرِّهَا أَشَدَّ الْبَرِّ وَلَوْ وَلَدتكَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَرَمَتْكَ فِي ميتمٍ فَهِيَ وَالِدَتُك وَلَهَا عَلَيْكَ أَنْ تَبرَّهَا وقد قرن الله بين التوحيد والبر بقوله: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
أنْظُرْ فِي حَالِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ يُكَلِّمُهُ جِبْرِيلُ وَيجْرِي اللَّهُ عَلَى يَدِهِ الْمُعْجِزَاتِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لِقَوْمِهِ عظمَ شَأْنِهِ لِيَتْبَعُوهُ حدَثهُمْ عَنْ خلقٍ نَبِيلٍ وَفِعْلٍ جَلِيلٍ فَقَالَ : {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} إِنَّهُ الْبرُّ فَرْض وَنِعْمَةَ فَرْض لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَهُ عَلَيْنَا مَعْشَر الْأَوْلَادِ فَلنُطَبِّق وَصِيَّة الرَّبِّ الْقَائِلِ جَلَّ وَعَلَا {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حسَنًا}.
وَالْبِرُّ نِعْمَةٌ لَا يُوَفِّقُ اللَّهُ إِلَيْهَا إِلَّا كُلَّ مُخْلِصٍ وَسَعِيدٍ فَإِن وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاك لِلْبِرِّ فَالْحَمْدُ الْحَمْد لَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْكَبِيرَةِ وَالْفَضْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي جَزَاؤُهُ الْجَنَّةُ فَيَا منْ أَدْرَكَ وَالِدَتَهُ حَيَّة تَعِيشُ مَعَهُ هَنِيئًا لَكَ هَنِيئًا لَكِ الْزَمْ رِجْلِهَا فَثَمَّ الْجنَّةُ وَيْحكَ الْزَمْ رِجْلِهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ.
وَلَا شَكَّ أَخِي أَنَّنَا جَمِيعًا نَحْفَظُ آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ تَحُضُّ عَلَى برِّ الْوَالِدَةِ لَكِن كَيْفَ نُطَبِّقُ ذَلِكَ عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ ؟ هَلْ نُطَبِّقُهُ بِشَكْلٍ سَلِيمٍ لِنَنْطَلِق مَعًا لِنَنْظُرَ فِي حَالِ السَّلَفِ الْقُدْوَةِ كَيْفَ طَبَّقُوا برَّ الْوَالِدَةِ وَلِنَتَعَلَّمَ مِنْهُمْ وَلِنُطَبِّقَ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ أَبرُّ الصَّحَابَةَ رَجُلَانِ هُمَا عُثْمَانُ بْنِ عَفَّانَ وَحَارِثَةً بْنَ النعمان.
فَأَمَّا عُثْمَان فَإِنَّهُ قَالَ: مَا قدرتْ أَنْ أَتَأَمَّلَ أُمِّيَّ مُنْذُ أَسْلَمَتْ. أَدَبٌ جَمٌّ رَفِيعٌ يَمْنَعُهُ أَنْ يَتَأَمَّلَ أُمَّهُ اسْمَعْ يَا قَائِل الأفُ فَمَا فَوْقهَا يامن تَنْظُرُ لِأُمِّكَ شذراً كَأَنَّهَا عَدْوٌ لَا تُؤْذِ أُمُّكَ وَلَوْ بِالنَّظْرَةِ. 
وَأَمَّا حَارِثَةً: فَإِنَّهُ كَانَ يُفَلِّي رَأْسَ أُمِّهِ وَيُطْعِمُهَا بِيَدِهِ، وَلَمْ يَسْتَفْهِمْهَا كَلَامًا قَطُّ تَأْمُرُ بِهِ حَتَّى يَسْأَلَ منْ عِنْدهَا بَعْد أَنْ يَخْرُجَ: مَا أَرَادَتْ أُمِّيَّ؟.
أَمَّا مَنْ تَبِعَهُمْ كَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يظُنُّ أَنَّهُ بِهِ مَرَضٌ إِذَا دَخَلَ عَلَى أُمِّهِ لِشِدَّةٍ تضعفُهُ وَانْكِسَارِهِ عِنْدَهَا.
وَسُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصرِيُّ: مَا الْبرُّ؟ قَالَ: "الْحُبّ وَالْبَذْل"، قِيلَ: وَمَا الْعُقُوقُ؟ قَالَ: "أَنْ تَهْجُرَهُمَا وَتَحْرِمُهُمَا". ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: "النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْأُمِّ عِبَادَةً، فَكَيْفَ بِرُّهَا ؟!".
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنِ المنكدر: "بَتٌّ أَغْمِزُ رَجُلَ أُمِّيٍّ وَبَاتَ أَخِي عُمَر يُصَلِّي لَيْلَتَهُ فَمَا تَسُرُّنِي لَيْلَتهِ بِلَيْلَتِي".
هَذَا حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَبَيْنَنَا أَوْلَادٍ كُثُرٍ يَمْشون عَلَى هَدْيِهِمْ وَبَيْنَنَا مُقَصِّرُونَ وَبَيْنَنَا لِلْأَسَفِ عَاقُّونَ.
وإن كتابة الأجر العظيم على البر لهو أكبر الكرم فلو أوجب علينا الله بر الوالدين بلا أجر لكان حريا بنا أن نفعله بدافع المكافأة أمك هي من سهرت لأجلك يوم نام الجميع عنك وأمك هي من كانت تنتظرك على قوارع الطرقات يوم سافرت وأمك هي من ترفع يديها فبدل أن تدعو لنفسها تدعو لك وانظر أخي الى دقيق المعنى في مشاهد يوم القيامة يوم يفر المرء من كل أحد كل أحد: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [سورة عبس: 34-37].
تفر من أمك وأبيك نعم تفر وتنشغل عنهم نعم تنشغل عنهم لكن لنكمل مشهد الفرار بمشهد الفداء وانظر للمجرم ماذا يفعل: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [سورة المعارج: 11-13].
يود أن يفتدي بكل أحد كل أحد إلا والديه لم يذكرا كما في آية الفرار ذلك هو الأدب ذلك هو الأدب رغم هول المحشر والحساب. 
واسمعوا معي لهذا الموقف الرهيب وهذه القصة الشعرية المعبرة:
أغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا    بنقوده كي ما ينال به الوطر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى    ولك الجواهر والدراهم والدرر
فمضى وأغمد خنجرا في صدرها     والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى    فتدحرج القلب المضرج إذ عثر
ناده قلب الأم وهو معفّـر     ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟
فكأن هذا الصوت رغم حنوه    غضب السماء على الغلام قد انهمر
فدرى فظيع جناية لم يجنها    ولد سواه منذ تاريخ البشر
فارتد نحو القلب يغسله بما    سالت بها عيناه من فيض العبر
ويقول يا قلب انتقم مني ولا    تغفر فإن جريمتي لا تغتفر
واستل خنجره ليطعن نفسه    طعنا فيبقى عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الأم كف يدا ولا    تطعن فؤادي مرتين على الأثر
فيا عبد الله أمك ثم أمك ثم أمك تفقد رضاها وقبل يديها وانظر لحاجتها فإنما الحياة أيام وتنقضي والفائز من يكسب فيها أجرا
فَيَا مُسْلِمُ أَطِعْ رَبَّكَ وَنَقِّ قَلْبَكَ وَبرَّ أُمُّكَ مَتَّعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِبِرِّ أُمَّهَاتِنَا وَأَدْخَلْنَا مَعَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ آمِينَ.
 
محمد | syria 15/10/2016
جعلني الله واياك من البررة ما شاء الله كلمات طيبة 
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149