مقدمة:
طوبى لمن أصابَته سرّاء فشَكر، وطوبى لمن أصابَته ضرّاء فصبر، وطوبى لمن أصَابته بلوَى فاعتَبر، ورُبَّ أمرٍ تتّقيه جرَّ أمرًا ترتضيه، خفِي المحظوظُ منه وبدَا المكروهُ فيه، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:216].
إن الله يفعَلَ ما يشاء، ويسلّط مَن يشاء على من يَشاء إذا شاءَ، تقويةً وإقدارًا وتغليبًا وإظهارًا، بما رَأَى من الحكمة وسبَق من الكَلِمة، إمّا عقوبةً ونِقمة وعذابًا، وإمّا تمحيصًا وابتلاء واختبارًا {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].
{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الانفال:37].
واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك قال جل في علاه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء:90].
إن القلوب لتذوب كمداً لما يحصل في الشام عامة وفي حلب خاصة ولتتفطر قهراً لما يحصل لأهلنا المهجّرين من حلب الصمود حلب الشموخ والإباء بلد العلم والعلماء والحضارة لكن كونوا على ثقة بأن حلب لن تباد بإذن الله فهي جزء من تلك البلاد المباركة التي وصفها الله بالمباركة في أكثر من موضع في القرآن العظيم وهي أرض الملاحم فيها خير أجناد الأرض و فيها الطائفة المنصورة بإذن الله فعن عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ - رضي الله عنه - , قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ ,قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ مَنْصُورِينَ ,لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) ابن ماجه:7 وقال الألباني حسن صحيح.
(وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ ) وهي أرض المحشر والمنشر فيا (طُوبَى لِلشَّامِ يا طُوبَى لِلشَّامِ يا طُوبَى لِلشَّامِ) هكذا قالها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثلاثاً»، فَقيل: لِأَيِّ شَيْءٍ ذَاكَ؟ فَقَالَ: «إنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِمْ»
نعم أيها الأحبة حلب جزء من هذا البلد المبارك التي باركها الله جلّ في علاه، واليوم للأسف يدنسها الروافض، ذبّحوا العباد ودمروا البلاد.
وما أشبه اليوم بالأمس دخل التتار حلب في عام 1260م وبعد ستة أشهر كانت معركة بيسان و عين جالوت معارك العز والفخار فصبراً أهلنا في حلب إنما هو ابتلاء لأهل الإيمان قال تعالى : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].
يا أهلنا المهجّرون من حلب {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 139-141).
اعلموا أنه إذا نزل العسر بهذه الأمة فإن اليسر يرافقه فإن الله تعالى قال مؤكداً ذلك: {فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً}.
قال الحسن رضي الله عنه: "لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين".
وقال عبد الله ابن مسعود: "لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه".
واعلموا بأنّ وراء كل محنة منح عظيمة لا يعلمها الا الله ستظهر لاحقا: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:172-173].
فمهما تكالبت الأمم علينا وحشد الصفويون وحزب الشيطان حشودهم فـ {لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:14].
وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن البلاء قرين الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) صحيح الجامع/992
إلى المستضعفين الذين شردوا من ديارهم بغير حق: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [ابراهيم:42].
وأنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].
وإلى المجاهدين المرابطين: إلى من علم الدنيا معنى الصمود، أنتم الكرّارون بإذن و الله ناصركم ولو بعد حين وسنعود فاتحين بإذن الله {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:15].
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47].
فطوبى لكم إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة قتلانا في الجنة بإذن الله وقتلاهم بالنار {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
فطوبى لكم يامن ضربتم أروع أمثال البطولة والفداء طوبى لكم يامن بعت أرواحكم لله قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].
إن التهجير هو بداية النصر الحقيقي بإذن الله فصبر جميل والله المستعان، هُجّر النبي صلى الله عليه وسلم عن أغلى بقاع الأرض إلى قلبه فبنى في المدينة دولة ربّى فيها رجالاً وفي السنة الثامنة للهجرة عاد فاتحاً ومعه عشرة آلاف من المسلمين ثم انطلقوا لفتح العالم ولكن تأملوا حاله عندما خرج مهاجراً إلى مكة واثقاً بنصر الله وهو في أشد اللحظات، مطارداً مطلوب حيَّاً أو ميِّتاً، يقول لسراقة بن مالك وبكل ثقة: (كيف أنت يا سراقة وفي يديك سواري كسرى؟) يبشر ه بمُلك كسرى وهو خرج مهاجراً متخفياً بل انظروا إليه صلوات ربي وسلامه عليه وهو في أشد لحظات الخطر والحصار أثناء غزوة الخندق وهو يكسِّر الصخرة يُبشِّر أصحابه (الله أكبر، فُتحت بصرى الله أكبر، فتحت الروم... الله أكبر، فُتحَت فارس.. ). نعم هذا هديه صلوات ربي وسلامه عليه في أصعب المواقف وقد تكالبت عليهم الأمم في غزوة الخندق يبشرهم بالنصر والتمكين في جميع أنحاء الأرض وينقلهم من الحيز الضيق في الزمان والمكان إلى رحمة الله الواسعة، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].
وإنّ من أوجب الواجبات في هذا الوقت تربية الأبناء: التربية الإيمانية والمحافظة على الهوية الإسلامية وترسيخ مبدأ القدوة الحسنة في نفوسهم وتبصيرهم بعظماء أمتهم وصناعة جيل النصر والتمكين بإذن الله، شجعوهم على تعلّم كتاب الله و سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا تنظروا لحالهم وإنما لمآلهم عاملوهم على أنهم بناة المستقبل وصانعو مجد الأمة، اصنعوا منهم كصلاح الدين و محمد الفاتح و......, سنعود فاتحين بإذن الله نملئ الأرض عدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجورا، واعلموا بأنّ من أهمل تربية أبناءه ساهم في خذلان حلب وخذلان أهل الشام والإسلام (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه
كما أنه من أوجب الواجبات أيضاً على من يعيش في بلد المهجر أن يتضرع إلى الله بالدعاء ويلح عليه أن يجبر كسر المستضعفين ويغني المحتاجين ويغيث الملهوفين ويحسن خلاص المحاصرين وينصر عباده المجاهدين وتحرّوا مواطن الإجابة في السجود وبين الآذان والإقامة وعند نزول المطر وحال السفر وفي ساعات السحر من الثلث الأخير في جوف الليل ....
وعليكم بدواء الأزمات والملمات الذي وصفه لكم رب الارض والسموات في كتابه الكريم حيث قال سبحانه {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:45] واعلموا أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر والصبر من مقام الأنبياء والمرسلين، وحلية الأصفياء المتقين، قال الله تعالى عن عباد الرحمن: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} [الفرقان:75].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل والأزمات يقف بين يدي الله يستمد منه العون والصبر وكشف ما نزل به وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة) رواه أحمد وأبو داود
والقارئ المتبصر للتاريخ يعلم أنه لا سبيلَ للعزّةِ ولا طريقَ للكرامَةِ ولا أمَلَ في النصر والرِّفعة ولا رجاءَ في دَفع العقوبة والنِّقمة إلا بالرجوع إلى دينِ الله العظيم وصِدق التمسُّك بما توجبه الشريعة ومحاربَة الفسادِ والقَضاء على المنكرَاتِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
وان التمكين و الاستخلاف وعد من الله ولا يخلف الله وعده فلا يغرنكم تكالب الطغاة من النصيرية العلويين وحزب الشيطان الملاعين والمجوس الصفويين لأن الله وعدنا وعد الحق و لا يخلف الله الميعاد. {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47].
فسبحان الذي اوجب على نفسه نصر المؤمنين تكرماً منه وفضلا وإنّ لله سنن لا تتبدل وقوانين لا تتحول فشروط الاستخلاف واضحة في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
فأكثروا عباد الله من الأعمال الصالحة وجددوا العهد بالإيمان مع الله عز وجل وكونوا شهداء لله قوّامين بالقسط.