إنّ العقل الرشيد يدفع المرء إلى النظر في تجارب الآخرين، فما كان فيها من خير أخذها وتلقفها، وما كان فيها من شرّ حذر منه واجتنبه، والآيات الداعية إلى ذلك كثيرة جداً من ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يوسف: 109].
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 9].
وإنّ مما ينبغي الرجوع والعودة إليه بالنظر والدراسة والتمعن من أحوال الأمم السابقة، العودة إلى تاريخ المسلمين في الأندلس، تاريخٌ استمر ما يقرب من 800 عام، بلغ فيه المسلمون قمة المجد والحضارة، حتى وصل الحال الى ملوك أوروبا حينها إلى مخاطبة خليفة المسلمين بقولهم "خادمكم فلان"، ثم ماذا كان بعد ذلك، كان التنازع والتفرق إلى إمارات متصارعة متناحرة، فما كانت النتيجة؟ كان البلاء والعقاب من الله، وكان زوال ملك المسلمين، وعاد الصليبيون ليذيقوا المسلمين أبشع صور التعذيب التي لا تخطر على البال.
وإنه بالمقارنة بين حال المسلمين اليوم وحال المسلمين في الأندلس، تظهر النتيجة أنّنا بحالة قريبة من حالهم، ولئن كان افتراق الأندلسيين إلى إمارات متناحرة فنحن اليوم منقسمون إلى حكومات متناحرة، وما من شكّ أنّنا كلما سرنا نحو وحدة الكلمة ورص الصفوف كان التأييد والنصر والتمكين من الله لنا، ولإن سرنا نحو التشرذم والاقتتال، كان العقاب من الله ملاحقا لنا وما صور القتل للمستضعفين وانتهاك الحرمات وانتزاع الأرض والديار في بلدان المسلمين عنا ببعيد.
فاللهم إنا نسألك أن توحد كلمة المسلمين وأن تلم شعثهم، اللهم إنّا نسألك التوفيق والسداد لمن أراد وحدة المسلمين، والخزي والعار لمن أراد غير ذلك.