بسم الله الرحمن الرحيم
بيان "الروابط العلمية والهيئات الإسلامية السورية"
حول
"الدولة الإسلامية في العراق والشام" وبيعة "جبهة النصرة"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تتابعت الأحداث خلال الأيام الماضية تحمل أفكارًا ومشاريع مثيرة للجدل في إقامة الدولة الإسلامية في سوريا، بدءًا من دعوة الظواهري إلى "إقامة دولة الإسلام في سوريا"، مرورًا ببيان أبي بكر البغدادي لتأسيس "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وانتهاء بإعلان أبي محمد الجولاني أمير "جبهة النصرة" بتجديد البيعة "لشيخ الجهاد الشيخ أيمن الظواهري".
وأمام هذه الأحداث بالغة الخطورة، والتي أصبح الكلام فيها علانيةً دون مواربة، لابد من البيان والتوضيح؛ حمايةً للثورة، وصيانةً لأهدافها، ونصحاً للأمة فإنَّ (الدِّين النَّصِيحَة).
إنَّ الثورة المباركة إنَّما قامت في سوريا حمايةً للمستضعفين، ودفاعًا عن الأرواح والأعراض والأموال، وإسقاطًا لنظام الإجرام والفجور، ولتبني دولةَ الحق والعدل على هديٍ من ديننا الحنيف، وفق سنن الله تعالى في التغيير، وعلى ضوء السياسة الشرعية الحكيمة، والمشاورة والمناصحة.
أما أن تعلن جهةٌ ما، لا تملك دولةً، ولا تحكم أرضًا، إقامةَ دولةٍ في مكانٍ آخر، وتبعيتها لها، وفرض البيعة على شعبها، دون استشارةٍ لأحدٍ من أهلها، فضلاً عن إشراك علمائها ومجاهديها، ودون حسابٍ لمآلات الكلام وعواقبه، فأمرٌ مستنكرُ شرعًا ومرفوضُ عقلاً، وهو افتئاتٌ على أهل الشام جميعهم، ومصادرةُ لفكرهم ومصيرهم.
إنَّ شعبنا السوري يعتزُّ بانتمائه للإسلام دون غلوٍ أو شطط، كما ظهر ذلك في ثورته وجهاده، وهو قادر -بعون الله له -على إقامةِ دولته التي ينشد، بما لديه من كفاءاتٍ وقدراتٍ، وبالكيفية التي تتلاءم مع مجتمعه وواقعه، ويرفض أن يُحمَّل وزر تنظيماتٍ خارجية، أو يُدخَل في معركةٍ من معاركها التي تديرها هنا وهناك.
ونوجه هاهنا ثلاثَ رسائل:
الرسالة الأولى إلى إخواننا في جبهة النصرة:
إنَّ جهادَكم على أرض الشام إلى جانب بقية الفصائل والكتائب منذ انطلاق الثورة المباركة، أمرٌ معلوم، وتضحياتكم فيه مشهودةٌ مشهورة، وما وقوف الشعب إلى جانبكم في جمعة (كلنا جبهة النصرة) إلا شهادة منه بذلك.
وإن واجب النصيحة يدعونا – وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه– أن نذكركم بأمورٍ عملاً بقول الله {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، سائلين الله أن يشرح صدوركم لها.
إنَّ إعلان تبعية "جبهة النصرة" للقاعدة تنظيميًا، وإعلان "البيعة" للظواهري"، فيه ما فيه من المحاذيرِ الشرعية، والمخاطرِ من جرِّ البلاد والعباد إلى معارك هم في غنى عنها، وإضفاءِ "الشرعية" على حرب النظام "للجماعات المتطرفة" كما يزعم، وفتحِ البلاد أمام التدخلات الأجنبية المتربِّصة، وتقديمِ المسوِّغ لها لأي تصرف تتخذه ضد المجاهدين أو قياداتهم تحت دعوى محاربة "التطرف والإرهاب"، وغيرِ ذلك مما لا يخفى على عاقل.
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يشاطرَ غطفان المشركة تمر المدينة؛ ليأمن جانبها، لما رأى العرب رَمَتهُم عن قوسٍ واحدة، أَفَنستعدي علينا الناسَ دون طائل!
لذلك فإننا ندعو إخواننا في "الجبهة" إلى التراجع عن "البيعة" وما تعنيه من ارتهانٍ مستقبلي بقراراتٍ وأحكامٍ خارجية، وما تؤدي إليه من ضعف التحام المسلمين وانضمامهم إلى بعضٍ في الداخل، وندعوهم أن يأخذوا قراراتهم بالتشاور مع إخوانهم العلماء والمجاهدين على الأرض، فهذا هو الضامن لتجنيب البلاد والعباد مآسيَ ونكباتٍ لا يعلم مداها إلا الله.
كما ندعو قادة "الجبهة" ولجانها الشرعية أن يبادروا إلى تبيينِ منهجها من قضايا التكفيرِ والتعاملِ مع المخالفين بكافة تنوعاتهم، ومع الكتائب الأخرى، ومن إقامة الدولة الإسلامية، وألا تدعَ هذا الأمر للشائعاتِ والتخرُّصات، مع عرض هذه المسائل للبحث والحوار مع أهل العلم.
الرسالة الثانية إلى إخواننا الثوار والمجاهدين:
إنَّكم ما قمتم بثورتكم المباركة هذه إلا لرفضِ الذلِّ والهوان، وكافةِ أشكالِ العبوديةِ لغيرِ الله عزَّ وجل، ولنصرة المظلوم، وإقامة الحق والعدل، وقد بذلتم في سبيل ذلك من التضحياتِ والعطاء ما أصبح محل فخرٍ وإعجابٍ ومضربَ مثل، وإننا في هذه الأحداث المتسارعة، نذكركم أنَّ معركتنا الكبرى هي ضد النظام المجرم، فينبغي أن نوجِّه سلاحنا إليه وحده دون سواه، وإلا انحرفت الثورة عن مسارها، وتَشتَّتت قواها.
كما نعظكم بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ)، فلا يجوز لمسلمٍ أن يكون عونًا على أخيه المسلم، ومهما بلغت الخلافات بين المجاهدين، فالواجب المعاملة بما تقتضيه الأخوة الإسلامية من الصبر والنصيحة ومحاولة الإصلاح، وأن ينصر الأخ أخاه (ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، والاستعانة على ذلك بأهل العلم والحكمة.
ونوصيكم بالحرص على التنسيقِ فيما بينكم، ورصِّ الصفوف، والبعدِ عن التنازع، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
واعلموا أن عدونا لا يحاربنا بالسلاح فقط، بل يعملُ على التَّحريشِ بيننا، وتفريقِ الصفوف، وإثارةِ النزاعات والإشاعات، فلنكن منه على حذر.
الرسالة الثالثة إلى دول العالم أجمع:
إنَّ الثورة السورية قامت بسواعدِ أبنائها، دون تبعيةٍ لجهةٍ أو تنظيم ما، بل هي ثورةٌ شعبية بحق، شاركت فيها جميع فئات الشعب؛ لما وقع عليه من ظلمٍ وإجرامٍ طوال العقود السابقة.
ولم يجد شعبنا – رغم كثرةِ التضحياتِ والجراحِ، وإجرامِ النظامِ وإيغالِه في الدماء -إلا التآمر والتواطؤ من النظام العالمي ضد ثورته، بإعطاءِ المُهلِ تلو المهل للنظام، وغضِّ الطرف عن سيل الأسلحة والمرتزقة من مختلف الدول الطائفية وروسيا، ومنعِ الأسلحةِ عن المجاهدين، تحت حججٍ واهية، وادعاءاتٍ كاذبة، وتبادل أدوارٍ مكشوف.
وإن اتخاذ أي إجراءات لاستهدافِ الكتائبِ المجاهدة، أو زيادةِ التَّضييقِ والحصارِ على الشعب السوري في التَّزُّود بالسلاحِ تحت ذريعةِ محاربةِ الإرهاب، لن يراه السوريون إلا إمعانًا في التآمرِ والتواطؤ، فلا إرهابَ فوقَ إرهابِ نظامِ الأسد المجرم.
وأخيرًا، فإنَّنا كما رفضنا تدخّل تنظيماتٍ أياً كانت في رسم مصير الدولة السورية، نُجدِّدُ التأكيد على رفضنا أيَّ تدخّلٍ خارجيٍ من النظام العالمي، بفرضِ شخصياتٍ أو حكوماتٍ أو مفاوضاتٍ مع النظام ونحو ذلك، فمستقبلُ سوريا لا يرسمه إلا أبناءُ سوريا المخلصون.
إنَّ قضيةَ الشعبِ السوري قضيةٌ عادلةٌ واضحة، وهي تسيرُ في طريقها لإسقاطِ النظامِ بمشيئةِ الله تعالى، لا يضرُّها في ذلك خذلانُ الخاذلين، ولا تواطؤُ المتآمرين، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16- 17].
وللهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعد، والحمد لله رب العالمين.
السبت 3 جمادى الآخرة 1434هـ- لموافق 13 / 4 / 2013 م