الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
خطيب الجمعة ومرتكزات التغيير المنبري
الجمعة 22 رجب 1440 هـ الموافق 29 مارس 2019 م
عدد الزيارات : 981
خطيب الجمعة ومرتكزات التغيير المنبري
الباحث: محمد أمين النجار من ريف حمص الشمالي، استشهد عام 2015 على يد تنظيم داعش، وهذا المقال جزء من بحث له حائز على المركز الثالث في المسابقة السنوية لدراسات المنبر التي أقامتها رابطة خطباء الشام عام 2014
مقدمة:
تقوم رسالة المنبر على الإرشاد والتوجيه، ليصل المجتمع إلى أعلى درجات الرقي، ولما كان الكمال غير ممكن والتطور البشري مستمر والنفس تصبو إلى كل خير، فإن دور المنبر والخطابة لا يقتصر على التنبيه إلى المفاسد والشرور التي تعم المجتمع الإنساني وتعرقل سير عمله علواً، بل إن من أهم مهمات المنبر هو إرشاد الناس نحو تطوير الخبرات الاجتماعية الحالية ولو كانت خيرة جيدة بما يتلاءم مع التطور البشري، إذ إن كثيراَ من العادات التي توصف اليوم بأنها خيرة مفيدة، ستتحول مع مرور الزمن إلى عقبات شائكة في طريق الخير، نتيجة لتطور الإنسان وخبراته.
على كل حال فإن شيئاً مما ذكرنا لن يتحصل ما لم يقم الخطيب بمنبره بتوصيف واقع المجتمع بشكل دقيق ومتكامل وعلى أسس منهجية وعلمية، توصيف يحدد آفاته العامة ويكشف عن عناصر العافية والسلامة، عبر زيادة الخبرة بالثقافة الاجتماعية والاطلاع على مكامن الخطورة والعقبات التي تواجه سير الأمة نمواً، أو تدعم انحداره هبوطاً.
وسأذكر هنا بعضاً من المعايير الشرعية التي تمكن الخطيب من الدخول إلى نفس المستمع والتأثير على عقله وبالتالي على سلوكه تصحيحاً وبناءً وتطويراً، إذ لا بد أن يراعي جملة من الأمور من أهمها:
الالتزام بروح المبادرة: ذلك أن الثورة على الواقع النهوض بالأمة نحو التغيير يعني صداماً طويلاً ومعارك قاسية سيخوضها الخطيب ليحرف الناس نحو المفاهيم الصادقة الصحيحة. 
لذا لا بد أن يتصف راقي المنبر بدافع القوة المساعد على تحقيق مبدأ استمرارية الفكرة، بل والانطلاق بالأفكار إلى حيّز التغيير الهادف.
العمل على اكتساب روح الثقة من السامعين: ليلتفوا حوله وليتجهوا معه لتحقيق الأهداف المرسومة بعد توضيحها، وذلك بالاعتماد على صحيح النقل، والمقبول بالعقل، وإظهار روح النصح، ومطابقة العمل للقول.
"فينبغي أن تتوثق بهم صلة الخطيب، حيث إن دور الخطيب لا يبدأ بصعود المنبر، وينتهي بنزوله عنه، بل عليه أن يتغلغل في معرفة الوسط الذي يعيش فيه، ويتعمق في فهم مشكلاته، وأمراضه الاجتماعية وقضاياه المحلية، وذلك لا يتأتى إلا بالتواضع للمصلين الذين يؤمون مسجده، ويقطنون حيه، وبخفض الجناح لهم، والسؤال عن أحوالهم، ومتابعة مشكلاتهم الفردية، والجماعية، والمشاركة في مشاريعهم المتعلقة بتحسين البيئة، وتطوير الحي، وبناء المجتمع، إن بناء الثقة بين الخطيب وبين الناس لا يتأتى بالخطب البليغة فقط، بل لا بد أن يراه الناس سباقا في المجالات الاجتماعية، مؤديا للحقوق إلى أهلها". خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة ص: (149) عبد الغني أحمد جبر مزهر/ نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد / السعودية/ الطبعة: الأولى/ سنة: (1422) هـ
وفرة الأدلة والنصوص الشرعية والعقلية: لأن النفس تأنس بالدليل وتقبل بالبرهان، وتترك المألوف إن وجدت بالنص الواضح بطلانه وفساده.
يقول الشيخ بكر أبو زيد طيب الله ثراه: "والمقام في خطبة الجمعة مقام له خصوصيات متعددة يخالف غيره من المقامات في الدروس والمحاضرات والوعظ والتذكير، وهو مقام عظيم لتبليغ هذا الدين صافياً، يجهر الخطيب بنصوص الوحيين الشريفين، وتعظيمهما في القلوب، والبيان عنهما بما يليق بمكانتهما ومكانة فرائض الإسلام". تصحيح الدعاء من الغلط والاعتداء ص: (99) لبكر بن عبد الله أبو زيد/ نشر: دار الراية/ السعودية - الرياض/ الطبعة الأولى/ سنة: (1419) هـ (1999) م
الاعتناء بالمضمون لا بالأسلوب: وقد قيل الخطبة بمضمونها لا بإلقائها، إذ إن الأسلوب وحده لا يكفي لأن يصل بالمستمع إلى التغيير المطلوب، بل إن التغيير أو التنمية تحتاج إلى جملة من الأفكار تطرح وتفهّم للناس، وهذا لا يعني ترك الأسلوب وإهماله، إذ لا يخفى دوره في الإقناع والتأثير، ولكن المقصود جعل الأولوية في الخطاب المنبري للمضمون.
وحدة الموضوع: فلا يجوز أن يتسم الخطاب المنبر بالإسراف في سرد مسائل مطروحة للتغيير، لأن ذلك يدخل التشويش في أفهام السامعين ولا يصل بالخطاب إلى مقصوده.
التدرج في العرض: إذ ينبغي أن يتمهل الخطيب في طرح قضاياه للتغيير، فهذا لا يتحصل إلا درجة درجة، منطلقاً من الأهم عبر ترتيب الأولويات، فهي سنة الله في عباده، فعن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّوَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ". رواه البخاري في فضائل القرآن، باب تأليف القرآن رقم: 4707
الرفق واللين: لأن التقريع يتنافى مع مبادئ الوعظ والإرشاد، وينفر القلب ويقع منه كوقع الحنظل من اللسان، وقد قال الباري جل جلاله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. 
وإن كان ولا يد من التشديد في الإنكار على مخالفة شرعية يجب أن لا يستخدم أسلوباً يستفزّ مشاعرهم، ويؤذي كرامتهم، وهذا طبع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا؟". رواه أبو داود في السنن كتاب الأدب، باب في حسن العشرة، رقم: (4788) وصححه الألباني
ويظهر هذا في قوله تعالى آمراً نبييه موسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43-44].
 
1 - محمد أمين النجار من ريف حمص الشمالي، استشهد عام 2015 على يد تنظيم داعش، وهذا المقال جزء من بحث له حائز على المركز الثالث في المسابقة السنوية لدراسات المنبر التي أقامتها رابطة خطباء الشام عام 2014
2 - خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة ص: (149) عبد الغني أحمد جبر مزهر/ نشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد / السعودية/ الطبعة: الأولى/ سنة: (1422) هـ
3 - تصحيح الدعاء من الغلط والاعتداء ص: (99) لبكر بن عبد الله أبو زيد/ نشر: دار الراية/ السعودية - الرياض/ الطبعة الأولى/ سنة: (1419) هـ (1999) م
4 - رواه البخاري في فضائل القرآن، باب تأليف القرآن رقم: 4707
5 - رواه أبو داود في السنن كتاب الأدب، باب في حسن العشرة، رقم: (4788) وصححه الألباني
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 113) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 142