السبت 1 صفر 1447 هـ الموافق 26 يوليو 2025 م
خيانة الأوطان
الأربعاء 28 محرّم 1447 هـ الموافق 23 يوليو 2025 م
عدد الزيارات : 337
خيانة الأوطان
عناصر المادة
1- نماذج مِن الخيانة والغدر
2- صور الخيانة
مقدمة: 
مَن تدبّر آيات القرآن الكريم، تبيّن له بوضوحٍ حقيقة الصّراع بين الحقّ والباطل، وأنّها سنّةٌ مِن السّنن الّتي أقام الله جل جلاله عليها الحياة، حيث إنّ الله سبحانه لم يجعل الحياة يسودها الخير المطلق، كما لم يجعلها شرّا مطلقًا، بل جعل فيها مِن هذا وذاك، وجعل هذا الصّراع امتحانًا وابتلاءً لعباده {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].
فمَن اتّبع الحقّ، وثبت عليه، ونافح عنه، فقد اهتدى، ومَن اتّبع الباطل، ووقف مع أهله، فقد ضلّ وغوى {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمّد: 3].
وهذا ديدن الكفّار وشأنهم {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [الكهف: 56].
ومِن هنا كان النّاس أمام الحقّ فريقين: فريقًا سلمت فيه قوّة الخير، فعرف الحقّ، وعمل به، وبذل جهده في إنقاذ النّاس مِن الباطل الّذي يُزهَق بنور الحقّ {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].
وهناك فريقٌ آخر نمت في نفسه قوّة الشّرّ ودوافع الباطل، فانطلق في الحياة كالوحش في الفلاة، يفترس مِن الأحياء ما أمكنه أن يفترس، ويستلب مِن الأموال ما أمكنه أن يستلب، ولا يقف على حدٍّ في ذلك، بل يعمل جاهدًا في صرف النّاس عن الحقّ، يُلبسه بالباطل، ويلقي عليه الشّبه والشّكوك، ليطمس معالمه، ويحاول أن يطفئ نوره {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحجّ: 8].
ولقد نهى الله عز وجل عباده عن موالاة أهل الكتاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51].
ووصف اليهود بالخيانة {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا} [المائدة: 13].
فالخيانة شأنهم. 
أخْلقْ بمَن رضي الخيانة شيمةً    ألّا يُرى إلّا صريع حوادث
ما زالت الأرزاء تُلحق بؤسها    أبدًا بغادر ذمّةٍ أو ناكث
1- نماذج مِن الخيانة والغدر
لقد تحدّث كتاب الله سبحانه في سورٍ عديدةٍ عن الصّراع بين الإيمان والكفر، وصوّره لنا بصورٍ مختلفةٍ، وأساليب متنوّعةٍ، وبيّن أنّ العاقبة للحقّ، وأنّ الباطل صائرٌ إلى زوالٍ {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرّعد: 17].
فقد ذكر ربّنا عز وجل لنا صراع نبيّه موسى عليه السلام مع الطّاغية فرعون، ثمّ قرّر حقيقة انتصار موسى عليه السلام على فرعون؛ فقال: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 118].
وكم وكم حدّث عن صراعٍ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فكانت العاقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتجلّى ذلك في غزوة بدرٍ الكبرى {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8].
بل لقد سمّى الله هذه المعركة: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: 41].
لأنّها كانت فرقانًا بين الحقّ والباطل، على مستوى الأفراد أوّلًا؛ حيث تمّيز الخبيث مِن الطّيّب، وعلى مستوى الأمّة ثانيًا؛ حيث ظهرت دولة الحقّ، ورُفعت راية الإيمان، وإنّ التّاريخ القديم والحديث مليءٌ بالأحداث الدّالّة على أنّ الدائرة عائدةٌ على الواقفين إلى جانب الباطل، وإنّ ممّا يشهد لهذا: انتصارنا -رغم قلّة عتادنا وعدتنا- على النّظام البائد المجرم المدجّج بمختلف أنواع الأسلحة، وعلى ميلشياته مِن إيران الرّافضة، وروسيا الملحدة، ودول الكفر والإجرام المساندة له، ثمّ عقبها الانتصار على فلول النّظام في السّاحل، فالله عز وجل لهم بالمرصاد، يُطفئ نار فتنتهم، ويخمد جذوتها {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].
وعندما يمتدّ أمد الباطل يظنّ بعض ضعاف الإيمان بالله غير الحقّ ظنّ الجاهليّة، فيحسب أنّ الله سبحانه يرضى عن صاحب الباطل، فيملي له في غيّه، ويقبل بالشّرّ، فيرخي له العنان، أو يحسب أنّ الباطل حقٌّ، وإلّا فلِمَ تركه الله جل جلاله يغلِب وينتصر؟! وهذا كلّه وهمٌ وجهلٌ وظنٌّ سيّءٌ مِن العبد بربّه، والأمر ليس كذلك، وها هو ربّنا سبحانه يحسم الموقف فيقول: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر: 78].
فلنُعِدَّ العدّة، ولنحسن الظّنّ بربّنا.
2- صور الخيانة
قال الرّاغب: "الخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ". مفردات ألفاظ القرآن ص: 305
وقال ابن عاشور: "حقيقة الخيانة: عمل مَن اؤتمن على شيءٍ بضدّ ما اؤتُمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة". التّحرير والتّنوير: 24/174
وإنّ أداء الأمانة روح الشّريعة، ونظام المعاملة، وعليها تدور حياة الأمم والشّعوب، فلا دِين إلّا بالأمانة، ولا نظام في الدّنيا إلّا بها، وإنّ الخيانة في الإنسان خسرانٌ مبينٌ، وشرٌّ مستطيرٌ، وجنايةٌ كبرى على مصير الأمم، وهي تدلّ على دناءة النّفس، وخسّة القدْر، وذهاب المروءة والشّرف، وإذا فشت الخيانة في أمّةٍ فقد تقوّض مجدها، وفقدت عزّتها، وهوت إلى الحضيض الأسفل، وأصبحت لقمةً سائغةً في يد عدوّها، قال الفيروز آبادي: "وردت الخيانة في القرآن على خمسة أوجهٍ: الأوّل: في الدِّين والدّيانة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْوالثّاني: في المال والنّعمة {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًاوالثّالث: في الشّرع والسّنّة {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْوالرّابع: الخيانة بمعنى الزّنى {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَوالخامس: بمعنى نقض العهد والبيعة {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}". بصائر ذوي التمييز: 2/152
ولقد رأينا بالأمس مَن خان الأمانة، ونقض العهد والميثاق، واستنجد بأعداء الدّين لقتل المسلمين، وتدمير بلادهم، وتلك وصمة عارٍ في جبينهم، وفضيحةٌ لهم يوم لقاء ربّهم سبحانه، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ‌(لِكُلِّ ‌غَادِرٍ ‌لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ). مسند أحمد: 5968
خاتمةٌ:
لقد كان رُسل الله وأتباعهم -في جميع العصور- يمثّلون جانب الحقّ، ويدعون إليه بإخلاصٍ وصبرٍ، وكان غيرهم مِن رؤوس الكفر والخيانة ودعاة البغي والفساد، يمثّلون جانب الباطل، يكفرون بالحقّ، ويصدّون عن سبيله، ويفتنون النّاس فيه، ولقد رسم الله جل جلاله لعباده المخلصين ما يقيهم ويقي دعوتهم شرّ التّأثّر بأراجيف المبطلين، وكيد المجرمين، فكفل لهم بوعده الحقّ النّصر والتّأييد ما استقاموا على طريقته، وتمسّكوا بحقّه، وجاهدوا في سبيله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257].
فلنكن دعاةً إلى الحقّ في جميع صوره وأشكاله، ولندعُ إلى تطهير النّفوس والمجتمعات مِن الأخلاق الفاسدة، فإنّ ذلك صورةٌ مِن صورة الدّعوة إلى الحقّ، ولنكن مستمسكين به، نقوله ولو على أنفسنا، لا نخاف في الله لومة لائمٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، ‌وَالْمَنْشَطِ ‌وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ". صحيح مسلمٍ: 1709
ولنكن مهتدين بنوره، متواصين به، حتّى نفوز مع الفائزين {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].
وإنّنا أمناء على ما ائتمننا الله عليه، لا نخون، ولا ننقض عهدًا، حتّى مع أعدائنا ما وفّوا بعهودهم، وهذا مِن أصل عقيدتنا، وصُلب دِيننا، فقد أمرنا الله عز وجل بالثّبات على العهد مع المشركين واليهود إن ثبتوا {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التّوبة: 7].
فإن نقضوا -كما فعل اليهود وأعوانهم بالأمس- رددنا لهم عهدهم.
 
1 - مفردات ألفاظ القرآن ص: 305
2 - التّحرير والتّنوير: 24/174
3 - بصائر ذوي التمييز: 2/152
4 - مسند أحمد: 5968
5 - صحيح مسلمٍ: 1709
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 125) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 154