مقدمة:
خطبةُ الجمعةِ عمليةٌ متكاملةٌ بين الخطيبِ وموضوعِ الخطبةِ، فلا يمكنُ أنْ نُغفِلَ أو نُهمِلَ دورَ الخطيبِ في معالجة الاختلالات الفكرية، كما لا يمكن إهمالُ موضوعِ الخطبةِ التي تعالج المجتمعَ من مختلف الاختلالات والأمراض الفكرية الموجودة فيه.
وسوف يتمّ تناول هذه القضايا بالبحث في مؤهلات الخطيب، وبحث منهج خطبة الجمعة.
مؤهلاتُ الخطيبِ:
يشترط في الخطيب أن يتصف بالصفات التالية:
منهجُ خطبةِ الجمعةِ:
أما منهجُ خطبةِ الجمعةِ فقد راعى الشرعُ فيه حالةَ المكلفِ، ولا شكّ أنّ الغرضَ الأساسَ منها هو التذكيرُ والوعظُ والتنبيهُ، إذْ من المفروض أنّ المسلمَ محتاجٌ إلى التذكير بآيات الله عز وجل وأحاديث رسوله، ليستقيم حاله وليزدادَ من الخير وليرتدعَ عن الغي ويقوّم اعوجاجه ويبادر للاستجابة، على حدّ قوله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [النور:51].
وقال سبحانه: {فَبَشّرْ عِبَادِي ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـئِكَ الذين هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُو ٱلألْبَـٰبِ} [الزمر: 18].
ومن هنا شرعَ الإسلام في الخطبة عدمَ التطويل حتى يعقلَ السامع كلامَ خطيبه، وتعظمَ هيبةُ الدين في النفوس، وتُجمع همة الحاضرين لأداء الصلاة بروح خاشعة وألباب واعية وقلوب داعية.
وعن عمّار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة). صحيح مسلم: باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم:869 – 2\594 – دار إحياء التراث العربي – بيروت
ولا شكَّ أنَّ مثلَ هذه الآدابِ في الخطبة هي آدابٌ تؤدّي إلى حصول الفائدة من الخطبة، وذلك بالعدول عن التطويل المملّ إلى الاختصار غير المخل، وخير الكلام ما قلّ ودلّ، وهو أسلوب تنفردُ به الخطبة عن المحاضرة، إذ الخطبة موجَّهة لعموم الناس على اختلاف طبقاتهم، وأيضاً ليسوا في [المحاضرة] ملزَمين بوجوب الإنصات ولا بلزوم الخصور، وإنما المحاضرة اختيارية، بينما الخطبة يجب أن ينصتوا، فلما وجَب عليهم الحضورُ والإنصات خوطب الإمامُ بأن يخفّف عليهم.
فالخطبة تقوم على الإيجاز وعلى الفكرة السريعة الخطابية والإقناع ببراهين الوحي من الكتاب والسنة، وهي أشدّ تأثيراً وحكمة وحكماً من براهين المنطق المجرّد.
وعند تتبُّعِ منهجِهِ صلى الله عليه وسلم في الخطبة نجد ما يلي:
قال جابر: كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يقول بعد أن يحمد الله ويصلى على أنبيائه: (أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن العبد المؤمن بين مخافتين، أجل قد مضى لا يدرى ما الله قاض فيه، وبين أجل قد بقى لا يدرى ما الله صانع فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، والذى نفسى بيده، ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم). المواهب اللدنية بالمنح المحمدية – أبو العباس شهاب الدين- 3/ 279 – المكتبة التوفيقية – مصر
نلاحظ في هذه الخطبة أمربن:
يدور معنى الخطبة على الخوف من الله تعالى واغتنام الشباب والدنيا بالعمل الصالح والرضا بقدر الله قبل فوات الأوان.