مقدمة:
قسم الله سبحانه وتعالى الزمان إلى سنوات وشهور وأسابيع وأيام، واختص بعضه بخصائص، فكان لشهر رمضان ما ليس لغيره من الفضائل، وكان لعشر ذي الحجة مزاياه الخاصة، وعيدان في السنة يفرح المسلمون فيهما ويحرُمُ عليهم صومهما، ويعتلي المنبر فيهما خطيب يعظ الناس ويعلّمهم، وجَعَلَ من كلِّ أسبوعٍ يوماً مميزاً، عَقَدَ العلماءُ في فضائله الأبواب ، وصنفوا المصنفات، لنبدأ أولاً مع المصطلح:
الجمعة في اللغة:
الجمعة بضم الميم، وسكونها، وفتحها، والمشهور الضم، ووجهوا الفتح على أنها تجمع الناس، كما يقال هُمَزَة، وضُحَكَة للمكثِرِ من الهمز والضحك، وتُجمع على جُمُعات إن كانت بضم الميم، وعلى جُمَع إن كانت بتسكينها ، ومعناها بسكون الميم وضمّها بمعنى اسم المفعول، أي اليوم المجموع فيه الناس، وإن كانت بفتح الميم فعلى معنى اسم الفاعل، أي اليوم الجامع للناس، أما التاء التي تلحق بها فهي ليست للتأنيث، لأنها صفة لليوم وهو مذكر، والصفة تتبع موصوفها في هذا الأمر، فهي إذا للمبالغة في الجمع ، وهذا أول معالم الأهمية، أن تسمى بصيغة من صيغ المبالغة في اللغة.
لكن ما سبب تسمية اليوم بهذا الاسم، وما مصدره؟
لم يكن اسمه في الجاهلية كذلك، بل كان يسمى يوم العروبة، المذكور في قول الشاعر الجاهلي:
نفسي الفداء لأقوام لهم خلطوا يوم العروبة أزوادا بأزواد
قيل إنه سمي بذلك، لأن كمال جمع الخلائق كان فيه، وقيل لأن خلق آدم جمع فيه
وقيل لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه، ويذكرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم أنه سيبعث نبي، وقيل سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم، فقال إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية، وقيل اجتمع الأنصار الى أسيد بن زرارة فصلى بهم ركعتين، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه.
ملامح أهميتها:
يصعب إحصاء كلِّ معالم أهمية خطبة الجمعة، إلا أنه يمكن الوقوف على بعضها:
ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يحث الناس على حضورها، وإن أهمية الأمر من عظمة الآمر، فإذا كان قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، قد طلب من عباده المؤمنين حضور خطبة الجمعة، فهي ليست مهمة فقط بل عالية الأهمية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
بعبارة أخرى يمكن أن نقول: إنها مهمة لأنها فرض، فالله سبحانه وتعالى قسم ما طلبه من عباده الى فرض وواجب ومندوب، وتتدرج أهمية الأمر مع تدرجه في هذا السلم، فإن كان من قبيل المندوب كان مهما إلا أن الواجب أهم، والأهم على الإطلاق هو الفرض، ويقسم الفرض إلى فرض كفاية، وفرض عين، أي فرض على المجتمع ككل، وفرض على الأفراد بأعيانهم، ولاشك أن فروض العين أهم من فروض الكفاية التي إن قام بها البعض الكافي سقط الإثم عن الباقين، وحضور خطبة الجمعة من قبيل الفرض العين على كل من تحققت فيه شروط وجوبها ، والدليل على أهمية الفرض وتقديمه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).
فبوابة التقرب الى الله سبحانه وتعالى هي الفرائض، ومنها خطبة الجمعة.
أحكام خاصة بخطبة الجمعة تدل على أهميتها:
جاء الشرع بأحكام خاصة بخطبة الجمعة، كاستحباب التبكير إليها، الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب النهي عن الاحتباء، كل هذا اهتمام من الشارع بخطبة الجمعة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).
فمطلوب التبكير إلى صلاة الجمعة كما في الحديث، ليهيئ المصلي نفسه لسماع الخطبة، وكلما بكر أكثر كلما كان أفضل، ولا يستمع المصلون فقط إلى الخطبة، بل إن الملائكة أنفسهم يستمعون إلى الذكر.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا)، قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ: (وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ)، وَيَقُولُ: (إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا).
وهذه مجموعة من التشريعات التي تحيط بالخطبة لتعطي أفضل نتيجة وهي الاغتسال، ومس الطيب، ولبس أحسن ثوب، وعدم تخطي الرقاب، والصلاة قبلها، والإنصات خلالها، هذا اهتمام واضح من الشرع بها.
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الحُبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ".
فالمصلي أثناء الخطبة متوجه بجوارحه كلها للخطيب، والاحتباء قد يجلب له النعاس، وهذا لا يليق هنا، فلئلا نصل اليه ينهى عن السبيل الموصلة فلا احتباء.
يَقُولُ أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ"، يَعْنِي الجُمُعَةَ.
وهذا من الحرص على استيعاب المخاطبين للخطاب، فإن كان الحر مزعجاً مشتتاً للأفكار، فالحل الإبراد، ليحضر ذهن الخطيب وجمهوره.
الترغيب في حضورها:
لا يكتفي الشارع بإعلان فرضية الجمعة، بل يرغّب في حضورها، فهي فرض كما سبق، آثم من تركه، وهي عمل صالح مثاب من فعله، وقد سبق الترغيب في التبكير إليها، والوعد بالمغفرة لمن يحضرها، وهذه نصوص أخرى تعد المصلي بالثواب العظيم:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا).
في الحديث من أحكام الجمعة سابقة الذكر، كالدنو من الإمام، إلا أن اللافت فيه عظم أجر المشي إليها، فكل خطوة بعمل سنة، ومن مشى ثلاثاً وثمانين خطوةً فقد اقترب من أجر ليلة القدر، وهذا متكرر كل أسبوع، هذا ترغيب عظيم بها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ).
فهذا حديث صحيح بتكفير ذنوب ما بين الجمعتين لمن يحضرهما، وقد سبق الحديث الحسن ذي المضمون القريب.
أهميتها من أهمية يومها:
فيوم الجمعة بأكمله له خصوصيات، ومنها أن خطبة الجمعة فيه، فإن اختيار الله سبحانه هذا اليوم العظيم لخطبة الجمعة دليل على أهميتها، ومما جاء في يوم الجمعة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ).
أحداث عظيمة حدثت في هذا اليوم، وسيحدث فيه الأمر العظيم وهو قيام الساعة، فهو ظرف مهم، وقد جاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوم الجمعة: (فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ، خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا سَمَاءٍ، وَلَا أَرْضٍ، وَلَا رِيَاحٍ، وَلَا جِبَالٍ، وَلَا بَحْرٍ، إِلَّا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ). ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ).
ومواطن استجابة الدعاء يهتم بها المسلمون، لأنها تمكنهم من أبواب خيري الدنيا والآخرة.
يومُها يومُ عيدٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ".
واعتبار الجمعة يوم عيد تدعمه العديد من النصوص كالتي تطلب الاغتسال والتطيب لبس الثوب الحسن كما سبق، وكما ورد من حديث ابن عباس رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ).
وتدعمه أيضا النصوص التي تنهى عن صيامه منفرداً، فالعيدان يحرم صومهما مطلقا، والجمعة تقترب منهما، وكذلك جاء النهي عن إفراد ليلها بالقيام كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ).
بل جاء في حديث آخر يفضّل يومَ الجمعة على يومي الأضحى والفطر، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ).
وقد ورد حديث في حال يوم الجمعة يوم القيامة وحال أهلها.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم تسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون).
وهذا حديث يرفع من شأن هذا اليوم لدى المسلمين، ويحضهم أن يكونوا من أهله.
يومها اختيار من الله سبحانه وتعالى: كما يؤكد ابن كثير رحمه الله، فقد ثبت لديه أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه، واختار اليهود يوم السبت، واختار النصارى يوم الأحد، واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة، الذي أكمل الله فيه الخليقة.
فقد ارتضى الله لعباده جميعا أن يكون يومهم الأسبوعي المميز هو يوم الجمعة، وقد أصابت أمة الإسلام ما ارتضاه الله عز وجل، ويشهد لهذا الحديث الصحيح، يَقُولُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ).
أهميتها من رسالتها الحضارية:
• كونها سبيل يوصل الى اجتماع كلمة المسلمين، وتآلفهم، فاجتماع الكبير والصغير، والغني والفقير، والجندي والأمير، كلهم في صعيد واحد، يسمعون كلاماً واحداً، ويأتمّون بإمام واحد، يؤدي بحول الله الى أن يكون للمسلمين جسم واحد، يأتمر من أمير واحد.
• تتجلى فيها المساواة في المجتمع المسلم، فكلُّ مكلفٍ بها حاضرٌ إليها ولا فرق بين الطبقات، والناس عند الله سواسية أسنان المشط.
• فيها سماع إجباري للنصح والموعظة: فقد ينشغل المرء في أسبوعه عن متابعة قلبه بسماع الكلام الذي تلين له القلوب، لذا تجده في يوم من أسبوعه جالساً يستمع الى ما انشغل عنه، ولا يمكنه لشدة انصاته ومتابعته الخطيب أن يمس الحصى.
• فيها طلب إجباري للعلم: فالمرء المسلم يحتاج الى كمٍّ من العلوم الشريعة، ومن أحكام الحلال والحرام مما لا يسعه جهله، لذا ضرب الله له موعداً للتعلم، من خلال درس يلقيه مختصٌّ، والكل يستمع ولا يشوش فيه الطلبة، بل ينصتون، ولا يعبث أحدهم بأقلامه ومسطرته، بل لا يمس الحصى كما سبق.
• فيها رسالة إلى غير المسلمين: فالناس تحب القيم السامية كالمساواة، والمتابع من غير المسلمين يرى ذلك بعينه.
كما أنه يُشعِرُ الأعداءَ بقوة المسلمين، وبثقتهم بأنفسهم، فناسٌ اجتمعوا على هذه الشاكلة، لابد أنّ بعضهم يعين بعضاً، وأنهم جسد واحد، ولابد كنتيجة لذلك أنهم واثقون مطمئنون للنصر.