الثلاثاء 1 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 3 ديسمبر 2024 م
خطبة الجمعة ودورها في تعزيز مفاهيم الوحدة والاجتماع
الجمعة 1 رجب 1440 هـ الموافق 8 مارس 2019 م
عدد الزيارات : 2061
خطبة الجمعة ودورها في تعزيز مفاهيم الوحدة والاجتماع
شكل الخطبة يدعو الى الوحدة والاجتماع:
خطبة الجمعة دعوة صامتة الى الاجتماع والائتلاف، ففيها من المظاهر ما يمكن اعتباره رسالة واضحة أنكم أصلاً صف واحد فكونوا كذلك، ومن هذه المظاهر:
هذه الخطبة لجميع العاملين في نفس اليوم، فلا تكون خطبة الفصيل الفلاني أو الجماعة الفلانية في أول الأسبوع، والفصيل الآخر وسطه أو آخره، بل كل العاملين مخاطبون بحضور الخطبة في نفس اليوم، وفي الساعة نفسها، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]. 
فالزمان الواحد يؤكد عليهم أن يكونوا في جسم واحد، كما أن اسم اليوم مأخوذ من الجمع، فـ (جمع) المتفرق جمعا ضم بعضه إلى بعض، وجمع القوم لأعدائهم حشدوا لقتالهم، و(أجمع) القوم اتفقوا، و(جمع) الناس شهدوا الجمعة وقضوا الصلاة فيها. المعجم الوسيط، باب الجيم، 1/135، تأليف: إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار، تحقيق: مجمع اللغة العربية بجمهورية مصر العربية، الناشر مكتبة الشرق الدولية، الطبعة الرابعة، 1425، 2004
وكفى باسمها دعوة لتوحيد العاملين في الثورة.
وتكون الخطبة في مكان حيادي لا يحسب على أي فصيل، وهو بيت الله سبحانه وتعالى، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]. 
فلا تكون في هذا الفصيل أو ذاك، والنجاح في جمع المنقسمين في مكان واحد خطوة في اتجاه جمعهم على كلمة واحدة، وتبرز هنا ظاهرة سلبية وهي وصول الانقسام إلى الخطباء، فيكون لكل فصيل أو جماعة خطباؤها، وبهذا لا يعود المسجد حيادياً مع الأسف، بل ينصبغ بصبغة خطيبه، وهذه طامة تجعل المنبر جزءاً من المشكلة لا من حلها ولا بد من تجاوزها، فالمساجد لله لا للفصائل.
النداء للصلاة واحد: وقد نادى الله سبحانه عموم المؤمنين بوجوب السعي إلى الصلاة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. 
ووصفهم بالإيمان تذكير بالرابطة الأولى والانتماء الأول قبل انتماءاتهم الضيقة إلى فصائلهم، وجعل الغاية من السعي هي ذكر الله تذكرهم بوصفهم عبادا لله والوصف الواحد أدعى للتكتل في جسم واحد، هذا هو النداء الأول، ولكل جمعة نداء تردده المآذن: "حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة" ولا يختلف النداء من فصيل لفصيل، وقبل هذا النداء شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وقبله وبعده شهادة لله بتوحيده إلها، وقومٌ إلهُهُم واحدٌ ورسولُهم واحدٌ أدعى أن يكون على قلب رجل واحد.
كلهم يقفون صفوفا مستوية متراصة، ويقف المأمور إلى جوار الأمير، ويطالبهم الإمام جميعا: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ)، (ولاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ)، (أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ)، وحري بمن كان في الصلاة صفا واحدا أن يكون في القتال كذلك، {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}.
مضمون الخطبة يدعو الى الوحدة والاجتماع:
يمكن لخطبة الجمعة أن يدعو مضمونها إلى الوحدة والاجتماع بطريقين، الطريق المباشر، ويكون بالحديث عن الوحدة وأهميتها وحكمها مستدلاً بالآيات والأحاديث وغيرها، والطريق غير المباشر، وهو أن يعالج الأخلاق التي يؤدي غيابها إلى الانقسامات، والتي سبق ذكرها مع شيء من الأحاديث والآيات التي تصلح شواهد لخطبته، وبذلك يعالج الخطيب أزمة الفرقة والاختلاف على منبره، ويكون طبيباً يدخل إلى قلوب الناس وعقولها، فيجري استئصالاً لأسباب التنازع، ويجري زرعاً لأسباب الوحدة، وإن من أعطاه سمعه مكّنه من الزرع والاستئصال، فالمريض مخدّر بين يدي طبيبه، والمصلي مصغٍ لكلام الخطيب ولا شغل له إلا الاستماع فمن مسّ الحصى فقد لغا.
مقدمة عن هيكل خطبة الجمعة: 
لابد في الخطاب أن يراعي الخطيب حال المخاطبين، فإن كانوا متنوعين لزمه أن ينوع خطابه ليناسبهم، فيذكر القصة وعموم الناس تتأثر بالقصص، ويقول الشعر الذي تتحرك له العواطف، ففي الناس من يستمتع بالشعر في الخطب، فالخطبة فيها الآيات القرآنية، وفيها الوعظ، وللوعظ يورد الخطيب الأحاديث النبوية، فهي من الوحي، {وما ينطق عن الهوى}، والقصص فقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]. 
ويورد الشعر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر لحكمة). سنن ابن ماجه، 620، رقم 3755
على ألا يطغى على الأحاديث والقرآن، لذا أسرد فيما يلي مع شيء من التحليل آيات قرآنية وأحاديث نبوية تؤصل للوحدة وتدعو لها وشيء من القصص وأبيات الشعر الداعمة للموضوع، وبها يكون مضمون خطبة الجمعة داعياً إلى الوحدة والاجتماع.
آيات قرآنية تدعو الى الوحدة والائتلاف، ووقفات تفسير وتحليل:
نقف عند مجموعتين من الآيات التي تدعو على الوحدة:
آيات تدعو إلى وحدة بني الإنسان: ليست قليلة تلك الآيات التي تخاطب بني الإنسان جميعا بقول الله تعالى: {يا أيها الناس} إذ تبلغ قرابة عشرين آية، ويقف هذا الخطاب على مسافة واحدة من أصحاب الاعتقادات المختلفة، فالمؤمن معني به والمشرك والملحد وأصحاب الكتاب وكل من كان من جنس الإنس، وتجد بعض هذه الآيات يتحدث عن الأصل المشترك لبني الإنسان، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
ويشير الله سبحانه هنا إلى الأرحام المقربين من المرء كأمه وأبيه، وإلى رحم أخرى عامة تشمل كل البشر، فقد خلقوا من نفس واحدة. الوحدة الإسلامية، ص13، تأليف الأستاذ محمد أبو زهرة، دار الرائد العربي، بيروت لبنان
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
وفي هذه الآية بعد أن بين الله سبحانه الأصل المشترك ذكر ميزان التفاضل بين المتساوين في الأصل، فالتفاضل يكون بمقدار الالتزام بالتشريع الذي أنزله الخالق والأتقى هو الأكرم، رغم أنه أثبت التكريم أولا لكل الجنس فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
كما ذكر التعارف {لتعارفوا} لتثبيت الوحدة الجامعة وتأليف القلوب المتفرقة. 
كما جاءت بعض الآيات التي تخاطب الناس تنبههم إلى وحدة المعبود وتسوقهم إلى تعظيمه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].
والآيتان في سورة الحج اللتان تدعوان البشر ان يقدروا الله حق قدره جاءتا بلغة قوية جدا، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 73-74].  
ولو ساق الخطيب جمهوره كذلك إلى نفس المورد، لصدروا عنه متفقين متجانسين.
وتمضي الآيات التي تخاطب الناس مع العوامل التي تجمعهم فتأتي على وحدة ما هم مكلفون به فالمطلوب من الجميع عبادة الله وحده، والانصياع للنور الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
فهو الخالق وهو مستحق العبادة.
وإذا كانت بعض الآيات قد نبهت إلى وحدة الأصل لبني الإنسان، فلا شك أن بعضها نبه إلى وحدة المصير فالناس كلهم موتى ثم مبعوثون ومحاسبون، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس: 23]. 
وهذا نداء آخر أكثر تفصيلا في سورة لقمان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33]. 
وإن تذكير الناس بعظم الآخرة وخطرها، يهوّن عليهم شأن الدنيا، وقد أعاد الله الخطاب نفسه لبني الإنسان في سورة فاطر بعد ذكرهم أنه الخالق الرازق كما سبق: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5].
إن التذكير بوحدة المصير وهو الوقوف بين يدي الله يدفعهم إلى الوحدة دفعاً، فكلهم واقف غداً أمام الله، وليس في الموقف محاباة لأحد.
إن استطاع الخطيب أن يغرس في مخاطبيه أن كلهم من تراب، وكلهم لآدم، وكلهم من نطفة، وكلهم ميتون، وكلهم مبعوثون، وأن ربهم واحد، ودينهم واحد فقد أنجز قسماً طيباً من عمليته الجراحية التي تسعى إلى إنتاج فكر مؤمن بالوحدة.
آيات تدعو إلى وحدة المسلمين: يخاطب الوحي حينا بني الإنسان عموماً، ويصور لهم وحدتهم، ويلتفت إلى الدائرة الأخص وهم المؤمنون أحيانا كثيرة فيخاطبهم بقوله: {يا أيها الذين آمنوا}، وتبلغ عدد مرات هذا النداء في القرآن قرابة أربعة أضعاف النداء السابق، ونداء الجميع بهذه الصورة مشعر بوحدتهم، ومذكر بالرابط الذي يربطهم وهو رابط الإيمان، إلا أن آيات أخرى كانت أكثر وضوحا وصراحة في هذا الجانب، فدلت بمنطوقها على وحدة المسلمين وأخوتهم، بل وعلّمتهم طرق إزالة الخلاف إن وقع، وأرشدتهم إلى الأخلاق التي تحميهم من الشقاق أصلاً، فالوقاية خير من العلاج، ونبهتهم إلى مخاطر النزاع آثاره بالغة السوء، لنقف مع هذه الآيات:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون *َ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 102-105].
قبل أن يطلب الحق سبحانه من عباده أن لا يتفرقوا في الآية الثانية من المقطع، طلب منهم في الآية الأولى منه أن يتقوا الله حق تقاته، وأن لا يفارقوا الإسلام لحظة واحدة، وذلك من خلال طلبه منهم ألا يموتوا إلا وهم مؤمنون، والموت غيب فما تدري نفس متى وبأي أرض تموت، والمعنى ألا تغادروا الإسلام ولو للحظة، وهذا يؤدي بهم لاشك إلى الوحدة، وهل تكون الفرقة إلا بسبب مخالفة البعض لدينه وخروجه جزئيا أو كليا عن تعاليمه، ثم طلب منهم سبحانه عدم التفرق، وليحققوا ذلك لابد لهم من أمر يلتفون حوله، ويعتصمون به، إنه حبل الله، إنه المنهج الذي أنزله الله سبحانه لهم. لباب التفسير من ابن كثير، ج 2 ص203، تأليف الدكتور عبد الله آل الشيخ، الطبعة الأولى، 1414
كما يقول سبحانه في آية أخرى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]. 
وقد أمرتهم آيات أخرى بالاعتصام بالله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78]. 
وليزيد حرص المؤمنين على هذه الوحدة يذكّرهم بماضيهم حيث كانت العداوة بينهم على أشدها، ويسمي الوحدة والأخوة نعمة، وطبع الإنسان أن يرعى النعم، وما تمت هذه النعمة إلا بتدخل مباشر من الله سبحانه وتعالى، فمعرفة عظمة مصدر هذه النعمة يدفع النفس إلى مزيد من الحرص عليها، وهذا ما صرح الله به في سورة الأنفال: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الانفال: 62-63].
فهي نعمة لا يمكن شراؤها بإنفاق ما في الأرض جميعا، فالمقطع دعوة للوحدة وتبيان لسبيلها وهو تمسك الجميع بحبل الله، ودعوة الى التمسك به أيضا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو طلب الوحدة وسببها وسبب سببها. 
يقول الحق سبحانه في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 6-13]. 
أما هذه الآيات فإنها دستور عظيم للوحدة بين المسلمين عموما ولوحدة العاملين في الثورة تحديدا، فلو جعلها الخطيب نصب عينيه أثناء علاجه لمرض الفرقة لاهتدى بإذن الله إلى الخير العظيم وإلى البوصلة التي توصله إلى ما ينشد، فالمقطع يفتتح بمعالجة أحد أكبر أسباب الفرقة والنزاع، ألا وهي الأخبار الكاذبة التي يكون مصدرها عادة الفسقة والكفرة، فإن استطعنا أن نبقيها عند مصدرها وأن نحاصرها فلا تنتشر، نكون قد دفناها مكان ولادتها، إلا أن النفس البشرية قد تصدّق الخبر الذي تحبه دون تثبت وقد تكذب الخبر الذي تكرهه دون تبين، والحق سبحانه يأمر بخلاف ذلك، واليوم مع تمكن الغالبية من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة صار نشر الإشاعة أمر شديد السهولة، فإعادة التوجيه وإعادة التغريد والمشاركة وغيرها خيارات متاحة بالفعل، وتزداد خطورة الأمر أننا نواجه عدوا له أجهزة مختصة بإيجاد الإشاعة ونشرها، ولا يخفى على عاقل دور الإشاعة في المعارك، فإن لم نتبين ونتثبت سهل وقوعنا في الفخاخ التي ينصبها لنا العدو، وهذا قيل للصحابة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى له، ويعرف قطعا الصدق من الكذب، فكيف حالنا ولا وحي، التبين الحل.
ليست هذه الآيات فقط هي التي تدعو إلى الوحدة فالله سبحانه يقول في سورة المؤمنون: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52].
وفي سورة الأنبياء: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
وآيات أخرى، إلا أن المقاطع الثلاثة التي ذكرت يمكن أن تكون للخطيب دستوراً في نشدانه الوحدة.
أحاديث نبوية تدعو الى الوحدة، ووقفات شرح وتحليل:
لئن وجدت الآيات سابقة الذكر في القرآن تتحدث عن الوحدة وتعالج أسباب غيابها، فلا بد أن تجد أمثلة عملية من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدور حول نفس الموضوع، وأحاديث شريفة يستفيد منها الخطيب في علاجه لتفرق العاملين في الثورة على منبره، لنقف مع بعض الأحاديث:
الاعتصام بحبل الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال). صحيح مسلم، رقم1715، ص 712
وقد سبق أنه سبيل الوحدة الذي لابد منه، وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى في خطبته الشهيرة خطبة الوداع فقال: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون)، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: (اللهم اشهد اللهم اشهد) ثلاث مرات.
النهي عن الاختلاف والسباب والاقتتال والتكفير بين المسلمين: وردت جملة من الأحاديث تنهى عن الأخلاق سابقة الذكر والتي تكون سببا للشقاق، ونتيجة كذلك، ومنها: عَنْ الْحَسَنِ قَالَ خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ، قَالَ: (إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ). صحيح البخاري، رقم7083، ص 9/51
ويدعمها قول رسول الله في خطبة الوداع أيضا: (أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ)، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ). البخاري، رقم 4402، 5/177
فلنخطب كما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو قدوتنا الحسنة، وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطورة مناصرة العصبة والأقارب على الباطل فقال: (من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية). صحيح مسلم، ص 773
وبما أن تكفير المسلم مدخلا لاستحال دمه وماله فقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرا شديدا فقال: (مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ). البخاري، رقم 6105، 8/26
وعن سباب المسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ). 
وفي النهي عن الاختلاف يقول صلى الله عليه وسلم: (لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا). البخاري، رقم 2410، 3/120
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم رسوليه إلى اليمن أبا موسى ومعاذ رضي الله عنهما بنصيحة عدم الاختلاف فقال: (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا) فهذه جملة من الأحاديث التي تفيد الخطيب في علاجه الموضوع.
أخوة الإسلام وواجباتها: كما قررت الآية سابقاً أن المؤمنون إخوة فقد جاءت الأحاديث تعزز هذا المعنى وتفصل في الواجبات المترتبة على هذه الأخوة، من هذه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عمن لا يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، فإن أحب العامل في الثورة أن ينال من ثمرة الدنيا شيئا ولم يحب ذلك لأخيه فليفتش في إيمانه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، وقد شبه رسول الله نسيج الأمة الإسلامية مرة كالبنيان المرصوص، ومرة كالجسد الواحد ليدل على مدى الترابط الذي ينبغي أن يكون بيننا، فيقول: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). مسلم، رقم 2586، ص 1041
وقال أيضا: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ). البخاري، رقم 481، 1/103
الإصلاح بين الناس: يوصينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض النصوص بالإصلاح بين المؤمنين إن حصل بينهم خلاف أو اقتتال، كما نجده ينفذ ذلك عند حصول ما يوجبه في المجتمع المدني فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِسَ وَقَدْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ، فَقَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: (اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ)، والكذب الذي يهدي صاحبه إلى الفجور ثم إلى النار توصيفه مختلف إن كان للإصلاح بين الناس، فأُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا). البخاري، رقم 2692، 3/183
وقد حصل نزاع مرة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على المنبر، فعالجه مباشرة بأن هدأ الناس وخفضهم كما في الحديث عن حادثة الإفك: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ: (مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي)، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَاللَّهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا. البخاري، 3/175، هذا مثال حي لعلاج نبوي للاختلاف والنزاع.
علاقة المصائب بالوحدة والاجتماع:
لابد من بث روح التفاؤل لدى جمهور الخطيب، فإن اليأس والإحباط مشاعر مدمرة للجمهور، ومثبطة وداعية إلى الهزيمة، نحن مأمورون ألا نيأس من روح الله، وألا نقول هلك القوم، فمن قالها فهو أهلكهم، لذا يمكن أن نقول إن الفرقة سبب لمصائبنا وفشلنا، ويمكن أن نعقّب أن الفشل والمصائب سبب لتجمعنا، وتكون السلسة: نجاحٌ فتنازعٌ ففشلٌ فألمٌ فوحدةٌ فنجاحٌ. 
يقول الشاعر:
بورك الخطب فكم لفَّ على     سهمه أشتاتَ شعبٍ مغضب
فإذا مصــر أغـــاني جلـــق     وإذا بغـــــداد نجــوى يثـــــرب
لمـــت الآلام منــا شــملنا     ونمـــت مـا بيننا مـن نســـب
دور الخطبة في استثمار الحدث لتعزيز هذه المضامين:
من وسائل جذب الجمهور للخطاب أن تحدّثه عما يعيش، وأن تناقش له الظروف التي يمر بها من ناحية شرعية، وعلى الخطيب أن يستثمر الحدث النازل ليعزز به دعوته إلى الائتلاف والوحدة، وقد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استثمر ما مر به الصحابة ليوصل لهم رسالة ما، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحلب ثَدْيهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَهم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ)، قال الصحابة: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا). 
 
1 - المعجم الوسيط، باب الجيم، 1/135، تأليف: إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار، تحقيق: مجمع اللغة العربية بجمهورية مصر العربية، الناشر مكتبة الشرق الدولية، الطبعة الرابعة، 1425، 2004
2 - سنن ابن ماجه، 620، رقم 3755
3 - الوحدة الإسلامية، ص13، تأليف الأستاذ محمد أبو زهرة، دار الرائد العربي، بيروت لبنان
4 - لباب التفسير من ابن كثير، ج 2 ص203، تأليف الدكتور عبد الله آل الشيخ، الطبعة الأولى، 1414
5 - صحيح مسلم، رقم1715، ص 712
6 - صحيح البخاري، رقم7083، ص 9/51
7 - البخاري، رقم 4402، 5/177
8 - صحيح مسلم، ص 773
9 - البخاري، رقم 6105، 8/26
10 - البخاري، رقم 2410، 3/120
11 - مسلم، رقم 2586، ص 1041
12 - البخاري، رقم 481، 1/103
13 - البخاري، رقم 2692، 3/183
14 - البخاري، 3/175
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149