1- أنواع القلوب
2- إيقاظ القلب خير بداية
3- أسباب قسوة القلب
4- وسائل إحياء القلوب
5- ختاماً فلنطهّر قلوبنا
مقدمة:
لقد كلَّت الأسماع من السَّماع، وتعبت الآذان من المواعظ، فلا بدّ من الوصول إلى القلوب والأفئدة.
نداؤنا اليوم -ونحن على أعتاب رمضان- إلى أمير الجسد وملك الأعضاء ومصدر سعادتها ومنطلق صلاحها؛ نداؤنا إلى القلب، إلى محطّ نظر الرّبّ جل جلاله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).
أما آن لهذه المضغة أن تشمّ ريح رمضان؟
أما آن لها أن تستيقظ من خمرة الدّنيا وتنزع عنها الرّان الّذي غطّى على سويدائها؟
أما آن لها أن تستنشق عبق الأُنس بالله وتعيش جمال حياة القرب من الله؟
(أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ).
1- أنواع القلوب
ما سُمّي القلب قلباً إلّا من تقلّبه فاحذر على القلب من قلبٍ وتحويلِ
خلق الله القلوب مختلفةً في تقلّبها للأشياء؛ فمنها ما تجده طيّباً سريعاً في تقبّل الخير والتّأثّر به، ومنها ما تجده خبيثاً لا يتقبّل غيث الهدى.
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ).
فالقلوب كالأراضي منها الطّيّب الّذي يتقبّل الماء وينبت الزّرع فينتفع بالحقّ وينفع به، ومنها ما لا يتأثّر بما يُتلى عليه من الهدى والحقّ.
ومن هنا يحدث التّفاوت بين النّاس، فمنهم من لا تضرّه الفتن ولا تُبقي في قلبه أثراً كبيراً وهذا هو القلب السّليم الّذي إذا أتته الفتن أنكرها وفرَّ منها ولاذ بحصن الله، ومنهم ما تُبقي فيه الفتن آثاراً تظلّ تشاكسه وتحول بينه وبين الكمال الإنسانيّ حتّى تدخل معه القبر.
وقد بيّن لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الحكمة من الفتن؛ وأنّها لامتحان القلوب، عن حذيفة قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَالَ قوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ، فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ، قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: أَنَا، قَالَ: أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ).
امتحانٌ شديدٌ جارٍ لا محالة، فهي ابتلاءاتٌ متتاليةٌ على القلوب، وفتنٌ كثيرةٌ كموج البحر، وتختلف من قلبٍ لآخر، فهذا قلبٌ يُفتن بالمال والولد، {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: ٢٨].
وهذا يُفتن بالعطاء وغيره بالمنع ومنهم بالخير وغيرهم بالشّرّ، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: ٣٥].
وذاك يُفتن بالإمهال، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} [الأنبياء: ١١١].
وآخر يفتن بالوسوسة، {لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: ٥٣].
وأخير يفتن بالظلم والقهر والأسى، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: ١٠-١١].
فتنٌ تؤثّر في القلب وتلتصق به كما يلتصق الحصير بجنب النّائم يؤثر فيه شدّة التصاقه به.
2- إيقاظ القلب خير بداية
إنّ البداية الصّحيحة لسير القلب إلى الله إنّما تكون باليقظة، لينتبه الغافل ويفيق السّكران ويستيقظ الرّاقد، فيستشعر الجميع حاجتهم إلى الله تعالى وإلى شعورٍ بأنّ القلب قد انفتح للذِّكر وسار في طريق القرب ليصل إلى النّجاة في الدّنيا والآخرة.
يقول ابن القيّم: "فَأَوَّلُ مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ الْيَقَظَةُ وَهِيَ انْزِعَاجُ الْقَلْبِ لِرَوْعَةِ الِانْتِبَاهِ مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ، وَلِلَّهِ مَا أَنْفَعَ هَذِهِ الرَّوْعَةَ، وَمَا أَعْظَمَ قَدْرَهَا وَخَطَرَهَا، وَمَا أَشَدَّ إِعَانَتَهَا عَلَى السُّلُوكِ! فَمَنْ أَحَسَّ بِهَا فَقَدْ أَحَسَّ وَاللَّهِ بِالْفَلَاحِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْغَفْلَةِ فَإِذَا انْتَبَهَ شَمَّرَ لِلَّهِ بِهِمَّتِهِ إِلَى السَّفَرِ إِلَى مَنَازِلِهِ الْأُولَى، وَأَوْطَانِهِ الَّتِي سُبِيَ مِنْهَا".
واعلم أنّ العبد قبل وصول الدّاعي إليه في نوم الغفلة، قلبه نائمٌ وطرفه يقظان، فأوّل مراتب هذا النّائم اليقظة والانتباه من النّوم، وكأنّها هي القومة لله المذكورة في قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ} [سبأ: ٦٤].
ما زال يلهج بالرحيل وذكره حتى أناخ ببابه الجمَّالُ
فأصابه متيقِّظاً ومشمِّراً ذا أُهبةٍ لم تلهه الآمالُ
وبدون اليقظة تؤدّى العبادات بلا روحٍ، فلا تُحدث في القلب الأثر المطلوب، وإن حصل تأثًّرٌ فهو لحظيٌّ آنيٌّ سرعان ما يزول.
3- أسباب قسوة القلب
مرَّ إبراهيمُ بن أدهم بسوق البصرة، فقام إليه النّاس فقالوا: يا أبا إسحاق، اللهُ تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ونحن ندعوه فلا يستجاب لنا، فقال: "قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء:
أحدها: أنَّكم ادعيتم معرفةَ الله ولم تؤدُّوا حقَّه.
والثّاني: قرأتم كتابه ولم تعملوا به.
والثّالث: ادَّعيتُم طاعةَ رسوله، وتركتم سنته.
والرّابع: أنَّكم ادعيتم عداوة الشيطان، ووافقتموه.
والخامس: أنَّكم تيقّنتم الجنَّة، ولم تعملوا لها.
والسّادس: ادَّعيتم أنَّكم تخافونَ من النّار، وألقيتم نفوسَكم فيها.
والسّابع: علمتم أنَّ الموتَ حقٌّ، ولم تستعدّوا له.
والثّامن: اشتغلتُم بعيوب إخوانكم، ونبذتم عيوبَ أنفسكم.
والتّاسع: أكلتُم نعمةَ ربّكم، ولم تشكروه.
والعاشر: دفنتُم موتاكم ولم تعتبروا".
وقيل: أسباب قسوة القلب: الذّنب على الذّنب، وأكل الحرام، ومصاحبة الأشرار، والانشغال بالدّنيا، ومجالسة الموتى (موتى القلوب: الأغنياء المترفون).
ينبغي أن نصل إلى أصل الدّاء الّذي يقسّي قلوبنا، ويقطعنا عن واردات ربّنا، قد نُؤتى بسبب الظّروف الّتي نعيشها أو مع الأشخاص الّذين نعايشهم أو الأسواق والشّوارع الّتي تموج بالفتن أو معاملة النّاس بالدّرهم والدّينار، لكن الحقيقة ما أُتينا إلّا من قِبل أنفسنا، لا بدّ أن نعترف بكلّ صراحةٍ ووضوحٍ، وكفانا كيل التّهم جزافاً على غيرنا، علينا أن نوقن، {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النّساء: ٧٩].
ما لم نقرَّ بأن أنفسنا الأمّارة بالسّوء هي أعدى أعدائنا وأنّنا مأمورون بإصلاحها ومجاهدتها فلن يصلح لنا التزامٌ ولن نحصل على تطهير قلوبنا، لذا جاء في سيّد الاستغفار: (أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ).
4- وسائل إحياء القلوب
لكي يستيقظ الرّاقد ويفيق من سكرة الهوى وتنقطّع صلته بالأرض، لا بدّ له من مؤثّراتٍ ضخمةٍ تزعجه وتنبّهه، قال إبراهيم الخّواص: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتّدبّر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتّضرّع عند السّحر، ومجالسة الصّالحين".
القرآن الكريم أعظم وسيلةٍ لإصلاح القلب وزيادة الإيمان، {إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢].
إنّه العلاج النّاجع لأمراض القلوب، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٥٧].
مواعظ البشر مهما سمت في بلاغتها ومهما ارتقت في تأثيرها فهي عاجزةٌ أن تستلّ أمراض القلوب وأدناسها، فهي موعظة بشرٍ، لكنّ القرآن كلام خالق البشر، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤].
القرآن قادرٌ بإذن الله على أن يشفي الصّدور والقلوب من مختلف أمراضها؛ من شهواتٍ وشبهاتٍ وهوىً وانحرافٍ وشكٍّ وشركٍ، وصدق الله عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢].
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢].
قال خبّاب بن الأرت: "إن استطعت أن تقرّب إلى الله فإنّك لا تقرّب إليه بشيءٍ أحبّ إليه من كلامه".
{لوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: ٢١].
ومن الوسائل المهمّة في إيقاظ الإيمان في القلب:
قيام الليل والتّضرّع بالأسحار: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩].
لقد جرّبه الصّالحون فوجدوا له أبلغ أثرٍ في إحياء القلوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ).
كان أبو سليمان يقول: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا".
الذِّكر والفِكر: بالذِّكر تحيا القلوب، قال أبو الدرداء: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ جِلَاءً، وَإِنَّ جِلَاءَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ".
وينقل ابن القيّم عن شيخه ابن تيمية: "الذِّكر للقلب مثل الماء للسّمك، فكيف يكون حال السّمك إذا فارق الماء؟".
فالذِّكر يُخرج ما في القلب من معاني العبوديّة، والطّريق من خلال الذِّكر إلى الفِكر إلى أن يشاهد القلب جلال الله، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٩٠- ١٩١].
5- ختاماً فلنطهّر قلوبنا
يقول ابن الجوزيّ: "يا هذا: طهّر قلبك من الشّوائب، فالمحبّة لا تُلقى إلّا في قلبٍ طاهرٍ، أما رأيت الزّارع يتخيّر الأرض الطّيّبة ويسقيها ويرويها ثمّ يثيرها ويقلّبها، وكلّما رأى حجراً ألقاه، وكلّما شاهد ما يؤذي نحّاه، ثمّ يُلقي فيها البذر ويتعاهدها من طوارق الأذى؟ وكذلك الحقّ جل جلاله إذا أراد عبداً لوداده حَصَدَ من قلبه شوك الشّرك، وطهّره من أوساخ الرّياء والشّكّ، ثمّ يسقيه ماء التّوبة والإنابة.. ثمّ يُلقي فيه بذر الهدى، فيثمر حَبّ المحبّة، فحينئذٍ تحمد المعرفة وطناً ظاهراً، وقوتاً طاهراً".