1- أن نكون أولياء لله
2- أن نحقّق عبوديّتنا لله
3- شهادة حُسن سلوكٍ في أخلاقنا
4- الاستغفار دوماً خير بدايةٍ وخير نهايةٍ
5- رائدنا الخوف من الله ألّا يتقبّل منّا
أن نبقى على العهد
مقدمة:
على رسلك يا رمضان، يا شهر الغفران والقرآن، يا شهر الإحسان والرضوان.
سلامٌ عليك يوم جئتنا فهديت العاصي، وأرشدت الحائر، وقربت البعيد...
فيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدري إذا ما العام ولَّى وعدتَ بقابل في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حياً أو أنك تلقني في اللحد بالي
فهذي سنة الدنيا دواماً فراق بعد جمع واكتمال
وتلك طبيعة الأيام فينا تبدّدُ نورها بعد الوصال
عشنا في هذه الدورة الإيمانية الرمضانية شهراً كاملاً فلمسنا بها شفاء الأمة من أمراضها، وبناء الإيمان في قلوبنا، حتى تمنينا ألا يغادرنا رمضان، ومرت لحظات أُنسه سراعاً، وكأن لم يكن بالصيام والفطر إلا عشية أو ضحاها، ولا عجب في ذلك فلحظات الوصال سريعة الزوال.
مرت سنين بالوصال وبالهنا فكأنها من حسنها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنهم وكأنها أحلام
لقد وضعنا رمضان على الجادة وأعطانا خطوط السير إلى الله تعالى، وااااالهف نفسي ما الذي يريده رمضان منا قبل أن يرحل؟!
1- أن نكون أولياء لله
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
فبدأ الآية بالإيمان وختمها بالتقوى إذ هما الشرطان الأساسيان ليكون الواحد منا ولياً لله تعالى، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} من هم يا ربنا؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، فمن هو الوليّ بمنظور الكتاب والسنة؟!
الوليّ: فعيل بمعنى فاعل، لأنه والى عبادة الله تعالى وطاعته من غير تخلل معصية، أو بمعنى مفعول: لأن الله تولى حفظه ورعايته مقابل حفظ حدوده ورعاية أوامره ونواهيه، قال في الصحاح: والولي ضد العدو، والوَلاية: ضد العداوة وأصل الولاية المحبة والتقرب، وأصل العداوة البغض والبعد.
قال ابن حجر: "الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللَّهِ الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ".
قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62-63].
إذاً هم خلّص عباده القائمون بطاعته من حققوا أهم صفتين: الإيمان والتقوى.
وإن رمضان لمدرسةٌ متكاملةٌ فيهما؛ لاجتماع الإخلاص والمراقبة لله تعالى، وبذل الجهد والمسارعة في رضوان الله تعالى.
ورمضان يفتح الباب واسعاً فسيحاً أمام الناس ليدخلوا جميعاً إلى ساحة الولاية ويتفيؤوا ظلالها ويأنسوا بأمنها وطمأنينتها وليظفروا بأهم آثارها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).
كانوا مع الله في طاعته والتزام أوامره فكان الله معهم بتوفيقه وحفظه، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل.
ومن آثارها الكريمة أن الله يجعلهم الله مستجابي الدعوة (وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
ولقد كان كثير من السلف معروفاً بأنه مجاب الدعوة، منهم: البراء بن مالك، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص، وأنس بن النضر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ).
2- أن نحقّق عبوديّتنا لله
إن أول مظهر يظهر للصائم هو أنه عبد لله تعالى، يشهد من نفسه ذله وفقره وفاقته وحاجته لله رب العالمين، فعندما يمتنع من طعامه وشرابه سويعات قليلة يضعف جسمه ويفتر عقله ويثقل لسانه ويجف حلقه كل هذا يدعوه إلى أن يقف ملياً وينظر طويلاً: من ذا الذي ركبني هذا التركيب العجيب؟ من ذا الذي سلبني هذه القوة ومن ذا الذي كان قد أمدني بها؟ فيشعر بعبوديته لله تعالى، فيقوى هذا المظهر حتى يشعر العبد بطعم خاص ومذاق لا يوصف بمحراب عبوديته لله تعالى وإن رمضان يريد أن يضعنا في بداية الطريق حتى نعيش العمر كله عباداً لله تعالى {وعباد الرحمن}.
وإن أكثر من أظهر هذه العبودية لله تعالى هو حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أحب هذا الاسم {سبحان الذي أسرى بعبده}.
وانظر إلى منظر العبودية عندما كان يواصل الصيام ويمنع غيره فقال: (وَأَيُّكُمْ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ).
3- شهادة حُسن سلوكٍ في أخلاقنا
إنّ شهر رمضان مدرسةٌ للأخلاق، يرتقي بالمؤمن بأخلاقه السامية ومعانيه الرفيعة حتى أنه ليعطي شهادة حسن سلوك تمده بالأخلاق طيلة العام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ).
فترى الصائم الملتزم هادئ النفس، لين الطبع، في غاية الاحترام والاتزان، يستشعر المراقبة حال الصيام فلا يرفث، ولا يفسق: لا يخرج عن حدود الأدب.
ولا يصخب: لا يرتفع صوته لأن الصيام نوعٌ من السكون.
ولا يجهل: لا يعصي الله لأن العصيان جهالة وكل عاصٍ جاهل.
ولا يعامل الناس بما يكرهون فمعاملة السوء جهالةٌ، بل معاملته دائماً بالحسنى، وإذا أوذي أو أضر به أحدٌ فإن المبدأ الإسلامي يظهر جلياً: رد السيئة بالحسنة «إِنِّي صَائِمٌ».
فمدرسة رمضان أكبر فرصة لتحسن أخلاقك عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ).
ولتتدرب على معاملة الناس بالحسنى اقتداء بالحبيب صلى الله عليه وسلم، فعندما أعرض الناس عن وعود الشرع في مسألة الأخلاق والاعتماد على تجاربهم الحياتية خُذلوا، وعندما جعل المسلم من رمضان برنامجاً تقويمياً سلوكياً وأخلاقياً متكاملاً ووظف ظروف رمضان المواتية لذلك من تأهيل للقلب وفرصة تصفيد الشياطين واستغل الفرصة فنمى الأخلاق الحسنة ونبذ الرذيلة استأهل شهادة رمضان التي تبقى معه طيلة العمر.
4- الاستغفار دوماً خير بدايةٍ وخير نهايةٍ
لقد أمرنا الله بعد الفراغ من أداء مناسك الحج بالاستغفار: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه} [البقرة: 199].
وذكر العابدين المتهجدين أنهم يختتمون صلاتهم بالاستغفار: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18].
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، كما نقل لنا ثوبان رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلَاتِهِ. قَالَ: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ)، ثَلَاثًا.
قال عمر بن عبد العزيز بمناسبة آخر رمضان: قولوا كما قال أبوكم آدم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
وقولوا كما قال نوح: {إِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47].
وقولوا كما قال موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16].
وقولوا كما قال يونس: {لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
هذا التقصير في الطاعة، وهذه الخروق في الصيام والقيام تحتاج إلى استغفارٍ.
5- رائدنا الخوف من الله ألّا يتقبّل منّا
قال علي رضي الله عنه: "كُونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَامَا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، فَإِنَّهُ لَنْ يُقْبَلَ عَمَلٌ إِلَّا مَع َ التَّقْوَى، وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ؟".
ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
سألت عائشة رضي الله عنها، قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: (لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ»، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ).
إذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي ولا بكم)
أُخيّ: لا تغتر بركيعاتك التي تصليها فخير هذه الأمة يخافون ألا تقبل أعمالهم.
أن نبقى على العهد
لحظات الوداع مريرةٌ، ولكن غير مودع ودعناك، وغير مقلي فارقناك، ذقنا فيك لذةً في غيرك ما ذقناها، فكيف ترحل عنا بعد أيامٍ حلوةٍ معك قضيناها.
وما في الأرض أشقى من محبٍّ ولو وجد الهوى حلو المذاقِ
تراه باكياً في كل حالٍ مخافة فرقة أو لاشتياقِ
ويسخن قلبه عند التداني وتسخن عينه عند الفراقِ
ولكن تلك مقادير ربي قدرها وسواها، ولكن عزاؤنا أنك زرعت فينا الهمة وألهمتنا سلوك طريق الثبات حتى نصل لمرضاة الله تعالى.
بلا شكٍّ عبق رمضان لا مثيل له، ونشاط رمضان على العبادة لا يساويه نشاطٌ في غيره، لكنّ العهد أن نبقى سائرين على الطريق متمثلين: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ).
لا تقطع قربك من الله تعالى الذي شعرت به في رمضان، (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ).
كان رمضان مدرسة أخلاقٍ وتهذيبٍ، فابقَ على ما عهدناك عليه، كنت جواداً كريماً فلا تقطع العهد.