1- هنيئاً لكم يا أهل الصّيام
2- لا تقاطعوا ولا تدابروا
3- نعمة الأمن والأمان
4- أعظمُ الإحسانِ متابعةُ الإحسانِ
5- يا أهل الشّام لا تحزنوا
1- هنيئاً لكم يا أهل الصّيام
هنيئاً لكم يا من صمتم، هنيئاً لكم يا من قمتم، هنيئاً لكم يامن تصدّقتم، هنيئاً لكم يا أهل رمضان؛ أنتم اليوم تبتهجون بإكمال عبادتكم، فهذا يومٌ يفطر فيه المسلمون، هذا يومٌ يفرح به المؤمنون، هذا يومٌ تكبّرون الله فيه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون؛ {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185].
أكملتُم العدّة وكبّرتُم، وبقي الشكر لله؛ {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
(لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ).
فافرحوا اليوم على أن وفّقكم لهذه العبادة وتمامها، وسلوه القبول، فإنّما يتقبّل الله من المتّقين.
2- لا تقاطعوا ولا تدابروا
عباد الله: هذا اليوم يومٌ مشهودٌ من أيّام المسلمين، يومُ عيدٍ وفرحةٍ وسرورٍ، هو فرصةٌ لإزالة الضّغائن والأحقاد من القلوب، (لاتَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا).
هذا اليوم هو لتصلَ مَن قطعك، وتعفو عمّن ظلمك، وتصطلح مع مَنْ هجرك، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
وقال عليه الصّلاة والسّلام: (وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا).
وأعظمُ القطيعةِ قطيعةُ ذي رحمٍ، قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22-23].
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ)، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ)، قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ).
3- نعمة الأمن والأمان
عباد الله: قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4].
لقد امتنّ الله على عباده بنعمة الأمن من الخوف، لذا فلنتذكّر ما يحلّ بأهلنا اليوم من انعدام الأمن، والرّعب الّذي تجلبه طائرات وحملات النّظام البائد وشبّيحته والمجرم الرّوسيّ، يصبّون حمم الحقد والانتقام فوق رؤوس أهلنا، لا يراعون حرمة شهر فضيلٍ، ولا يوم عيدٍ!
إذ نتذكّر ذلك فعلينا أوّلاً أن نساندهم في يومنا هذا المبارك يوم العيد، أن نساندهم بالدعاء، وبما تصل إليه أيدينا من أوجه العون والمساندة، وكذلك من جهةٍ أخرى فعلينا أن نشكر الله على الأمن الّذي نعيشه إن كنا بعيدين عن مواطن الرّعب والقتل والتّدمير.
4- أعظمُ الإحسانِ متابعةُ الإحسانِ
عباد الله: عملُ الخيرِ لا ينقضي بانتهاء شهر الصّوم، بل أوجهُ الخيرِ كثيرةٌ، وأبوابُهُ عديدةٌ؛ ومن أفضل القربات الّتي ينبغي أن يعتادها ويداوم عليه المؤمن بعد رمضان: قضاءُ حوائجِ المسلمين، وتفريجُ كرباتهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ).
5- يا أهل الشّام لا تحزنوا
عباد الله: في هذا اليوم الأغرِّ المبارك علينا أن نفرح ولا نحزن، رغم ما أصابنا ونزل بنا من مِحنٍ وبلاء، وشدّةٍ وغلاء؛ أنتم يا من في أنوفكم شَمَمٌ، وفي قلوبكم إباءٌ، وفي نفوسكم ترفُّعٌ واعتدادٌ، أنتم يا من لم يوحشكم قلّةُ النّاصرِ، ولم يوهنكم كثرةُ الخاذل.
اعلموا أنّه لن يبيع الشّام من لا يملكها، ولن يشتريها من لا يستحقُّها، إنّ غرس النّصيريين لا ينبت، وإن نبت لا يثبت.
إن الشّام وديعة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم عندنا؛ وأمانةُ عمرَ الفاروق في أعناقنا، وعهدُ الإسلام في أعناقنا؛ لئن أخذها الرّوافض منّا ونحن عُصْبَةٌ إنّا إذاً لخاسرون..
فالصّبرَ الصّبرَ يا أهل الشّام؛ فما النّصرُ إلّا من عند الله، ونِعمَ الناصرُ اللهُ، كَتَبَ اللهُ بأنّ الحقَّ غالبٌ، وبأنّ الرّسلَ منصورون باسم الله مهما أَرجَفَ الطّاغوت واستعلى وأفنى وتكالب.
لا تيأسوا ليلُ الشقاءِ سينجلي والفجرُ سوف يزفُّ صوتَ البلبل
وستحمِلُ الدنيا مشاعلَ نصرِنا في كفِّها وتدك كلَّ مضلِّلِ
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 139-142].
وختاماً يا عباد الله:
أحيوا في هذا اليوم معاني الوحدة الإسلاميّة، وروابط الألفة الرّبّانيّة، واطردوا حظوظ الشّيطان ووساوسه من بينكم؛ أيّها القابضون على الزّناد، أيّها المرابطون على ما بقي من الأرض المحرّرة في سورية، اعلموا أنّ نصركم في اجتماع قلوبكم، وتوحّد كلمتكم، وأنّ فشلكم بتفرّقكم، وأنّ انهزامكم وذهابَ ريحكم بوقوع التّنافر بينكم.
فاتّقوا االله واغتنموا هذه النّفحات الرّبانيّة في ختام شهرٍ عظيمٍ، وفي يومٍ مباركٍ؛ وقد مرّت بكم السّنون السّابقة فرأيتم ماذا جنى علينا التّفرّق والتّناحر.
إنّ مناظر القصف اليوم الّتي تدمّر البيوت على أهلها، فتقطّع الأطفال والضّعفاء إلى أشلاء! وإنّ مناظر التّشريد والتّهجير في السّهول وتحت الشّجر، إنّ كلّ ما سبق ممّا تعلمونه، بل ترونه، لهو ممّا يعظّم عليكم المسؤوليّة أمام الله؛ أما آن لنا بعد ذلك كلّه أن نعتبر؟! أما آن لنا أن نتّعظ؟!
قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال"46].