الخميس 16 شوّال 1445 هـ الموافق 25 أبريل 2024 م
ارمِ معهم بسهمٍ
الأربعاء 23 شوّال 1440 هـ الموافق 26 يونيو 2019 م
عدد الزيارات : 3016
ارمِ معهم بسهمٍ
عناصر المادة
1- معنى انصر أخاك
2- ضريبة الأخوّة الإيمانيّة أن تنصر أخاك
3- وأفضل الانتصار لأخيك في غيبته
4- ارمِ معه بسهمٍ، وإلّا فبمَ تدخل الجنة؟!
5- دعوةٌ بغير انتصار أفرادها لبعضها لا تُكتب لها الحياة
مقدمة:
إنّ الحديث اليوم طويلٌ بطول آلامه، ممتدٌّ امتداد الدّماء على طريق الدّعوة والجهاد، يُمزِّق القلوب كالأشلاء الّتي تُمزَّق صباح مساء، ولا ذنب لها إلّا أنّها ما رضيت الذّلّ والهوان، وإنّ الباري سبحانه من عظيم حكمته أنّه يبتلي عباده ببعضهم، ويبتلي كلّ مؤمنٍ بما أولاه؛ فابتلى الغنيّ بماله، وابتلى الشّجاع المقدام بجسده، وابتلى العالِم بعلمه، وابتلى الفقير بفقره، وابتلى المهاجر بهجرته، وابتلى المقيم بإقامته، وليضع كلّ واحدٍ منهم بصمته فيما أقامه الحقّ جل جلاله.
هذا، وإنّنا لنرى في المسلمين -لا سيما في الأوحال الّتي طال ظلامها وتلبّدت غيومها على سماء بلاد الشّام- من ذوي الحاجة وأصحاب الهموم وصرعى المظالم وجرحى القلوب الّذين لم يجدوا من يطرق بابهم، أو يسأل عن حالهم، أو يسعى في كشف الغمّ عنهم، بدافعٍ من خُلق "انصر أخاك".
1- معنى انصر أخاك
لقد كان أبناء الجاهليّة يتناصرون في الخير والشّرّ، وأراد الإسلام لهذا الخُلق أن يستمرّ بوجهه المشرق، فأعطاه معنىً جديداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: (تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ). صحيح البخاريّ: 2444
إذاً نصرك لأخيك هي تلك الغيرة الإيمانيّة الّتي تدفع المسلم لرفع الظّلم عن أخيه المسلم المستضعَف، أو لمدِّ يد العون إليه.
والقادر على نصرة أخيه المسلم بكلمةٍ أو شفاعةٍ أو إشارة خيرٍ... إن لم يقدّمها مع قدرته على ذلك وهو يرى بعينه إذلال أخيه، ألبسه الله تعالى لباس ذلٍّ أمام الخلق يوم القيامة؛ لتقصيره في نصرة أخيه ورفع الذّلّ عنه، عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، وَهُوَ يقَدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللهُ عز وجل عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). مسند الإمام أحمد: 15985
2- ضريبة الأخوّة الإيمانيّة أن تنصر أخاك
ما أجمل نصّ الحبيب صلى الله عليه وسلم في وشائج الأخوّة وسبل تحقيقها، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ: عِيَادَةَ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ العَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلاَمِ، وَنَصْرَ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ المُقْسِمِ". صحيح البخاريّ: 2445
إذ ليست من روابط الأخوّة الإيمانيّة أن يرتضي المسلم إيقاع ظلمٍ بأخيه، أو أن يدع أخاه فريسةً بيد ظالمٍ يذلّه، فقد علّمنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم أنّ: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ). صحيح البخاريّ: 2442
والقائم بحقّ أخيه نصرةً، أو من تخاذل عن نصرته؛ كلٌّ منهما يلقى ثمرة ذلك في الدّنيا والآخرة {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، {جَزَاءً وِفَاقًا} [النّبأ: 26].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ عز وجل فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ). مسند الإمام أحمد: 16863
فهل بعد هذا ترى مصيبةً واقعةً بأخيك وتُسلمه لها وتخذله فيها؟!
أم لا يروق لك نومٌ ولا يهدأ لك بالٌ ولا يستقرّ لك قرارٌ حتّى تبذل ما تستطيع من جهدٍ لكشف ما نزل من ضرٍّ بأخيك؟ محقّقاً بذلك وشيجة الأخوّة، ومتّبعاً سبيل الرّحم الإيمانيّ الّذي أضفاه على هذه الأخوّة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأعظِم به من مهرجانٍ قام في المدينة المنوّرة في هذا المجال.
3- وأفضل الانتصار لأخيك في غيبته
إنّ أعظم نصرٍ لأخيك: في حال غيابه، حيث تسقط المجاملات، وتظهر حقيقة المشاعر، ويخلص الانتصار لله تعالى.
وحينما يكون كذلك فإنّ من ثمارها الطّيّبة أن يسخر الله للنّاصر من يقف بجانبه في الدّنيا، وينصره ويتولّاه الله تعالى في الآخرة، كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه: (مَنْ نَصَرَ أَخَاهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، نَصَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). صحيح الجامع: 6574
لا سيما إذا كانت بعيدةً عن صور الجاهليّة في نصرة الباطل، ولم تدر في فلَك العصبيّة، عن ابن عمر رشي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَبْرَحَ). المعجم الأوسط للطّبرانيّ: 2921
4- ارمِ معه بسهمٍ، وإلّا فبمَ تدخل الجنة؟!
لا يثبت لمرئ صدق أخوّته لإخوانه وهو يرى ما ينزل في ساحتهم الآن من الطّغاة المجرمين، وهو يرى إخوانه المجاهدين في صفوف الرّباط ومواقف الجهاد في سبيل الله تعالى، فكيف يطيب له نومٌ أو يرقأ له جفنٌ دون أن يرمي معهم بسهمٍ؟!
ورد عن بشير بن الْخَصَاصِيَّةِ أنّه جاء لمبايعة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يستعفي من الالتزام بشرطين من شروط البيعة، فكان الجواب:
عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّدُوسِيَّ يَعْنِي ابْنَ الْخَصَاصِيَّةِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَايِعَهُ، قَالَ: فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ، فَوَاللهِ مَا أُطِيقُهُمَا: الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ، فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، فَأَخَافُ إِنْ حَضَرْتُ تِلْكَ جَشِعَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ الْمَوْتَ، وَالصَّدَقَةُ فَوَاللهِ مَا لِي إِلَّا غُنَيْمَةٌ وَعَشْرُ ذَوْدٍ، هُنَّ رَسَلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ. قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: (فَلَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا؟) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أُبَايِعُكَ. قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ. مسند الإمام أحمد: 21952
فعلّل خوفه من الجهاد بالخوف من وقوعه في كبير الفرار، وعلّل خوفه من الصّدقة بقلّة ما يملكه، فكان الجواب: (فَلَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا؟).
فالمسألة جدٌّ، ولا تحتمل المساومة ولا التّنازل.
5- دعوةٌ بغير انتصار أفرادها لبعضها لا تُكتب لها الحياة
لا بدّ لكلّ دعوةٍ من رجالٍ متشبّعين بخلق الانتصار، وإلّا فلن تُكتب لها الحياة، وأدناها أن تنصر أخاك بالمعونة ورفع المظالم، وأعلاها نصرته بالجهاد، وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته في المواسم بمنى كان يقول: من يؤويني؟ من ينصرني؟
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: (مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ؟). مسند الإمام أحمد: 14456
وحين بويع بيعة العقبة اشترط نصرتهم له، فقال: (وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلِأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُونَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ). مسند الإمام أحمد: 17078
وحتى أن ورقة بن نوفل كان يقول له في مطلع الرّسالة: "وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا". صحيح البخاريّ: 3
حتّى أنّ عمرو بن العاص أنصف غير المسلمين بما يتحلّون به من هذا الخُلق الّذي تجمّلوا به فزاد عددهم وكانوا أكثر الأصناف عدداً عند قيام السّاعة، ففي صحيح مسلم قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ)، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ". صحيح مسلم: 2898
أيّها المؤمن: قادرٌ ربّنا سبحانه على أن ينصر رسوله، لكنّه ترك للمؤمنين حظّاً في نصرته، يؤدّونه، ويُسألون عنه، ويؤجرون عليه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62].
وقادرٌ ربّنا سبحانه أن يهزم الأعداء وينصر عباده المؤمنين، ولكن سخرك أيّها المؤمن لتؤدّي دورك بحميّتك الإيمانيّة، وغيرتك للحقّ.
وأمّا الخذلان في ساعة الحاجة فشأن المنافقين الّذين قال الله فيهم: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الحشر: 12].
فكن نصيراً للحقّ حيث كان، وإلّا فلا تطمع بوسام الجهاد ولا شرف الاستشهاد.
 
1 - صحيح البخاريّ: 2444
2 - مسند الإمام أحمد: 15985
3 - صحيح البخاريّ: 2445
4 - صحيح البخاريّ: 2442
5 - مسند الإمام أحمد: 16863
6 - صحيح الجامع: 6574
7 - المعجم الأوسط للطّبرانيّ: 2921
8 - مسند الإمام أحمد: 21952
9 - مسند الإمام أحمد: 14456
10 - مسند الإمام أحمد: 17078
11 - صحيح البخاريّ: 3
12 - صحيح مسلم: 2898
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 114) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 143