1- التّضحية من أجل الدّين مطلبٌ شرعيٌّ
2- حبّ الوطن من الإيمان
3- نماذج في التّضحية
4- أخوّةٌ إيمانيّةٌ بلا قوميّةٍ ولا عنصريّة
مقدمة:
إنّ المخاض العسير، والظّروف القاسية، والأحوال الصّعبة، الّتي مرّت بها أمّتنا الإسلاميّة من قبل، هي أشبه ما تكون بالظّروف القاسية الّتي تمرّ بها أمّتنا اليوم، والّتي لا يضرّها قلّة السّالكين، ولا كثرة الهالكين، فالهجمة شرسةٌ، وملل الكفر على اختلاف مشاربها ومصالحها قد اتّفقت على الأمّة الإسلاميّة وتكالبت عليها، ودماء المسلمين تسيل رخيصةً في كلّ مكانٍ، ولكن هذا هو ثمن النّصر: فقرٌ وجراحٌ، وقتلٌ وتدميرٌ، وصبرٌ وتضحيةٌ، فداءً لتكون أرض الشّام بعدها عقر دار المؤمنين، كما قال الصّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ).
1- التّضحية من أجل الدّين مطلبٌ شرعيٌّ
التّضحية: كلمةٌ عظيمةٌ مدلولها واسعٌ، ومشمولها عظيمٌ، فتشمل التّضحية والانتماء، والتّفاني والولاء، وغيرها، ولطالما سمعنا هذه التّعريفات، وكثيراً ما وقفنا صامتين أمامها، إمّا لأنّنا ذُهلنا أمام صمود أبطالها الّذين قاموا بها، أو لأنّنا حاولنا وتحلّينا بالصّبر، وبذلنا قصارى جهدنا لكنّنا عجزنا أن نكون مثلهم.
إنّ الصّراع بين الحقّ والباطل قديمٌ مستمرٌّ، لم ولن يتوقّف أبداً، فقد قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وقال تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
وأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن تكالب الأمم علينا أمّة الإسلام، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا).
ومادام الأمر هكذا فلا بدّ للحقّ من أقوامٍ يدفعون عنه عدوان المعتدين، ويحفظونه من عبث الضّالّين المبطلين، وهيهات أن تقوم للحقّ قائمةٌ، أو أن يكون له وجودٌ، إلّا بالتّضحية والبذل، قال سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحجّ: 40].
نعم إنّ الحقّ بحاجةٍ إلى من يحميه ويدافع عنه، ولم يكن سدَنة الشّرّ ليكفّوا عن الحقّ ويتركوه لأنّه حقٌّ فحسب، بل لوجود من يتصدّى لهم ويقارعهم، وهذا لا يكون بدون بذلٍ وتضحيةٍ، فلا حياة للمبادئ من دون تضحيةٍ، ولا قيام للدّعوات والأفكار إلّا بالتّضحية، وعلى أكتاف المضحّين تنهض الدّعوات، وبتضحياتهم تحيا وتعيش، وتجتاز المحن والصّعاب، وتحطم السّدود والقيود، وما كان للجبناء المتخاذلين الّذين يؤثرون الدّعة والرّاحة أن يحملوا دعوةً، أو يدافعوا عن حقٍّ، أو أن يحرسوا أسوار الدّين.
فيجب على المسلم معرفة حجم وصور الضّربات القاسية، الّتي توجّه للمسلمين في كلّ مكانٍ، حتّى يجسم مقدار التّضحية الواجبة واللّازمة للذّود عنهم ولحماية الإسلام، وقدوتنا في ذلك سلفنا الصّالح رضوان الله عليهم، الّذين ضحّوا بالغالي والرّخيص، والدم والنّفيس، لوجه الله عز وجل، فبذلوا الأرواح والمهج والأموال، وجاهدوا في سبيل الله تعالى.
2- حبّ الوطن من الإيمان
إنّ من الفطرة الّتي فطر الله الإنسان عليها حبّه لوطنه، وتعلّقه به وصونه له وحمايته، فموطن الإنسان غالٍ لا يقدّر بثمنٍ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف مدى حبّه لوطنه -مكّة المكرّمة- موطن ولادته ونشأته، موطنٌ فيها البيت الحرام، وفيها نزل الوحي، وفيها الأهل والأقربون، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ).
رغم فساد أهلها -ذلك الوقت- وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته، ولكنّه عليه الصّلاة والسّلام يعطينا درساً في الانتماء الحقيقيّ، ويقول -كما في روايةٍ أخرى- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَكَّةُ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ).
نعم إنّ حبّ الوطن من الإيمان، بل إنّنا نقول أكثر من ذلك، ونذهب إلى أبعد من مجرّد أنّ حبّ الوطن دينٌ وفطرةٌ، فنقول إنّ في تراب الوطن شفاءٌ، ودليلنا على ذلك ما روته السيّدة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ: (بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا).
وهنا يقول الإمام مسلم: "قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِأَرْضِنَا هُنَا جُمْلَةُ الْأَرْضِ، وَقِيلَ أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِبَرَكَتِهَا".
3- نماذج في التّضحية
إنّ كلّ جهدٍ مادّيّ أو أدبيٍّ نفسيٍّ أو بدنيٍّ يبذله المؤمن في سبيل الله مهما يبلغ من ضآلة حجمه، فهو محسوبٌ له في رصيد حسناته عند الله، لا يضيع منه مثقال ذرّة، حتّى الخطوة الّتي تمشيها قدمه، والدّرهم ينفقه، وحتّى الإحساس بالتعب، أو الشّعور بالجوع أو العطش، كلّ ذلك محسوبٌ له عند ربّه سبحانه، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التّوبة: 120-121].
وحسب المسلم أن يسمع أو يقرأ آيةً تدعوه من كتاب الله تعالى إلى الجهاد والإنفاق، فإذا هو يسارع إلى تنفيذها ولا يحجم ولا يتردّد، مقدّماً النّفس والنّفيس ابتغاء رضوان الله تعالى، وهذا ما حصل مع الصّحابيّ الجليل أبي طلحة الأنصاريّ رضي الله عنه، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةً، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التّوبة: 41]، فَقَالَ: "أَلَا أَرَى رَبِّي يَسْتَنفِرُنِي شَابًّا وَشَيْخًا، جَهِّزُونِي"، فَقَالَ لَهُ بَنُوهُ: قَدْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُبِضَ، وَغَزَوْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ وَغَزَوْتُ مَعَ عُمَرَ، فَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ، فَقَالَ: "جَهِّزُونِي"، فَجَهَّزُوهُ وَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَمَاتَ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً يَدْفِنُونَهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ.
وعن الزّهريّ قال: خرج سعيد بن المسيّب إلى الغزو، وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنّك عليلٌ، صاحب عذرٍ، فقال: "استنفر الله الخفيف والثّقيل، فإن عجزتُ عن الجهاد، كثّرتُ السّواد، وحفظتُ المتاع".
نعم يا عباد الله: لقد توالت المحن على شامنا الحبيب، وخاض أبطالنا من المعارك ما خاضوا، وبذلوا فيها من الأموال والأرواح ما بذلوا، حتّى حرّروا قسماً كبيراً من البقعة الجغرافيّة الّتي كانت تحت سيطرة الّنظام الفاجر، ولا يزالون هنا وهناك يخوضون معركةً تلو أخرى ضد ّمن قتل وظلم، وأظهر في الأرض الفساد، بغضّ النّظر عن موقعها الجغرافيّ، لأنّ تحرير كلّ شبرٍ من أرض شامنا، يعود بالمصلحة والنّفع للمسلمين، حيث تتّسع رقعة المحرّر، ويعم خيرها على البلاد والعباد، بفضل الله أوّلاً ثم ّبفضل جنودنا المظفّرين الّذين لا يقدمون على الموت الكريم الشّريف لأنّهم قد أمروا بذلك، أو أرغموا عليه، بل يسارعون إلى مصارعهم كأنّهم يرون من خلال الغبار ضوء الجنان، وكأنّهم فرحوا بإتمام الصّفقة الرّابحة مع الله تعالى، الّتي يتحدث عنها ربّنا في كتابه الكريم فيقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التّوبة: 111].
لقد ظللنا في حياةٍ رخيصةٍ عشراتٍ وعشراتٍ من السنين، جهادنا كلام، ومعاركنا سبابٌ وخصامٌ، وأسلحتنا أوراقٌ وأقلامٌ، نعم ظللنا عشراتٍ من السنين لا نكتوي بنيران معركةٍ، ولا نفخر بحمل سلاحٍ في ميدانٍ، ولا نذوق الموت الأحمر في سبيل الله والوطن، فبَعُدَ العهد والأمد بيننا وبين الكفاح، حتّى أصبحنا نخاف الموت ونهابه، ونجزع من رؤية الدّماء، وما ذلك إلّا جزاء الاستكانة والاستسلام، حتّى أكرمنا الله تعالى بالجهاد في سبيله في أرض الشّام المباركة.
4- أخوّةٌ إيمانيّةٌ بلا قوميّةٍ ولا عنصريّة
إنّ ديننا الحنيف جاء ليحارب كلّ أشكال العنصريّة وينهى عنها، والّتي تعني التّفرقة والتّمييز في المعاملة بين النّاس، على أساسٍ من الجنس أو اللون أو اللّغة أو حتّى المستوى الاجتماعيّ والطّبقيّ، وإنّ أوّل من نادى بالعنصريّة هو إبليس عليه لعنة الله، حيث قال حينما أُمر بالسّجود لآدم عليه السّلام: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12].
ولم يبتعد العرب قبل الإسلام عن هذه النّعرة، بل كانت القبليّة سائدةً، والتّقسيم الطّبقيّ حاضراً، وكانت الحروب والنّزاعات تقوم بين القبائل لعشرات السّنين، لا تحطّ أوزارها لأسباب تافهةٍ، حتّى جاء الإسلام ليقضي على كلّ هذه الفوارق والطّبقات، وجعل النّاس كلّهم سواسيةً، فقد كان كبار الصّحابة من لا ينتمي للعرب أصلاً، فهذا سلمان (الفارسيّ)، وصهيب (الرّوميّ)، وبلال (الحبشيّ) رضي الله عنهم أجمعين، فالإيمان أزال وأذاب الفوارق الّتي تقوم على أساسٍ من الجِنس أو العِرق أو اللون، وجعل التّقوى معياراً للتّفاضل بين النّاس مهما كان الحسب والنّسب، حيث قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ).
وهكذا قضى الإسلام على كلّ صور العنصريّة والطّبقيّة، والنّعرات الّتي كانت سائدةً في المجتمع الجاهليّ، وحلّ محلّها روح المساواة والحبّ والألفة والمودّة والرّحمة.
إنّ للعنصريّة والعصبيّة آثار وأضرار جسيمة، وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ولا يخفى علينا ما يحدث في واقعنا المعاصر من الاعتداء وإزهاق الأرواح، وتخريب الديار بسبب العصبيّة والقبليّة، وهذه هي الجاهليّة العمياء، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَتَحَاشَى مُؤْمِنًا لِإِيمَانِهِ، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ).
فعلى المسلمين اليوم مهما اختلفت مذاهبهم، وتعددّت مشاربهم، ومهما تنوّعت أفكارهم، وتباينت آراؤهم، أن يتراحموا فيما بينهم، وأن يقفوا صفّاً واحداً في وجه كلّ من يعتدي عليهم، وهو يدّعي أنّه يحمي الممتلكات، ويدافع عن الأقلّيّات، ويبني الدّويلات، وهو كاذبٌ متاجرٌ في دعواه.
على كلّ حرٍّ أن يقف في وجه أولئك الّذين الطّغاة المّستبدّين -الّذين يزرعون الكراهية والعنصريّة بين صفوف المسلمين- متمثّلين قول بارئهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [الأعراف: 102-103].
وأخيراً: توجيهٌ وتحذيرٌ:
إنّ من الواجب علينا أن نهيّئ أنفسنا للتّضحية بالنّفس والمال والأوقات، وبأغلى ما نملك لدين الله سبحانه، وبغير التّضحية لا عزّة لنا، ولا كرامة للأمّة، ولتعلموا يا عباد الله أنّ دينكم هو لحمكم ودمكم، فاغضبوا لدينكم، أشدّ من غضبكم لأنفسكم، واحرصوا أن تكونوا مع الجماعة، أشدّ من حرصكم على أموالكم وبيوتكم، فلا عذر لكم إن استطعتم أن تنصروا دين الله وتخاذلتم، وفيكم قلبٌ ينبض، أو عينٌ تطرف، فأظهروا لله من أنفسكم قوّةً، وكونوا حيث أرادكم، وأخلصوا نيّتكم لربّكم في جميع أقوالكم وأفعالكم، حتّى تفوزوا مع الفائزين في الدّنيا والآخرة.