1- لا تيأس من رجوع أحدٍ؛ فلعلّ الصّلحة بلمحة
2- للكلمة الطّيّبة نورٌ يدخل إلى الأعماق
3- اليد الحانية سرٌّ من أسرار التّعامل مع الشّاردين
مقدمة:
في زمنٍ كثر فيه قطَّاع الطّرق إلى الله تعالى، يصبح الشابُّ على خيرٍ وهدىً؛ يمسي وقد اكتنفه جوٌّ جديدٌ ملؤه الشّرود والبعد عن الله تعالى، ولو أننا تركنا كلَّ شاردٍ دون السّعي على إرجاعه لَما سلِم لنا أحدٌ، هي نفثةٌ في صدور الغيارى على من لو اصطلحوا مع الله تعالى لتغيَّرت حياة من حولهم، تعالوا بنا أن نكثِّف الجهود عليهم، نقترب منهم، نسمع أنَّات صدورهم، نربِّت على أكتافهم، نمسح على قلوبهم، لا تدري لعلّ الله يكتب لك أجر رجوع غافلٍ إليه فتَسعد وتُسعد، تعالوا بنا أن نجريَ تحصيناتٍ إيمانيّةٍ على من حولنا، فقد أرهقتنا أحاديث الدّنيا وتقلّبات الأسعار وأمزجة التّجّار وحديث النّاس عن الأكل والشّرب ليل نهار.
1- لا تيأس من رجوع أحدٍ؛ فلعلّ الصّلحة بلمحة
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّهِ لَيْلَى، قَالَتْ: "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي إِسْلَامِنَا، فَلَمَّا تَهَيَّأْنَا لِلْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، جَاءَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَنَا عَلَى بَعِيرِي أُرِيدُ أَنْ أَتَوَجَّهَ فَقَالَ: أَيْنَ يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: آذَيْتُمُونَا فِي دِينِنَا، فَنَذْهَبُ فِي أَرْضِ اللهِ، حَيْثُ لَا نُؤْذَى فِي عِبَادَةِ اللهِ، قَالَ: صَحِبَكُمُ اللهُ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَجَاءَنِي زَوْجِي عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُهُ مِنْ رِقَّةِ عُمَرَ، فَقَالَ: تُرَجِّينَ أَنْ يُسْلِمَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ".
هذا فاروق الإسلام -عملاق الأمّة- كان رقماً صعباً في الصّدِّ عن الدّعوة إلى الله تعالى، ومحاربة أهلها وتعذيب من انتسب إليها، حتّى قالوا عنه ما قالوا، غير أنّ نفحةً من نفحات الحقّ جل جلاله تنتظره حتّى يصبح من أوائل الصّحابة، بل من أوائل الخلفاء والفاتحين.
كثيرٌ من النّاس أهلكنا بشؤمه، وقد حذّرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم من ذلك، فكم من أُناسٍ رجعوا بعد شرودٍ وعادوا بعد غفلةٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا أَدْرِي، أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ.
2- للكلمة الطّيّبة نورٌ يدخل إلى الأعماق
كم حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على انتقاء الكلمة الطّيّبة وبذلها للنّاس، حتّى عدَّها صدقةً عن أب هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ).
وقال: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
كم من موقفٍ أنهته إيجابيّاً كلمةٌ طيّبةٌ!
كم من غافلٍ ذكَّرته كلمةٌ طيّبةٌ!
كم عاصٍ أنقذته كلمةٌ طيّبةٌ!
حتّى المغنّي زاذان أرجعَته عن الغناء كلمةٌ طيّبةٌ من سيّدنا عبد الله من مسعودٍ رضي الله عنه.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: تَابَ عَلَى يَدِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ.
وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، قَالَ: "قَالَ زَاذَانُ: كُنْتُ غُلاَماً حَسَنَ الصَّوْتِ، جَيِّدَ الضَّرْبِ بِالطُّنْبُوْرِ، فَكُنْتُ مَعَ صَاحِبٍ لِي، وَعِنْدَنَا نَبِيْذٌ، وَأَنَا أُغَنِّيْهِمْ، فَمَرَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَدَخَلَ، فَضَرَبَ البَاطِيَةَ ، بَدَّدَهَا، وَكَسَرَ الطُّنْبُوْرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ مَا يُسْمَعُ مِنْ حُسْنِ صَوْتِكَ يَا غُلاَمُ بِالقُرْآنِ، كُنْتَ أَنْتَ أَنْتَ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَأَلْقَى فِي نَفْسِي التَّوْبَةَ، فَسَعَيْتُ أَبْكِي، وَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَاعْتَنَقَنِي، وَبَكَى، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ، اجْلِسْ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَخْرَجَ لِي تَمْراً.
قَالَ زُبَيْدٌ: رَأَيْتُ زَاذَانَ يُصَلِّي كَأَنَّهُ جِذْعٌ".
هكذا تعلَّم صحابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأوصلوا لنا ذلك؛ أن ينتقوا أطايب الكلمات -وهم أهل الطّيب ومنهم ينبثق- حتّى كتب الله لكلماتهم القَبول حتّى في قلوب الغافلين.
3- اليد الحانية سرٌّ من أسرار التّعامل مع الشّاردين
كثيراً ما نسمع في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وشبَّك بيده، وأخذ بيدي، ومسح بيده على صدري) وغير ذلك الكثير الكثير؛ لنعلم أنّ هذه اليد الحانية حينما تمتدُّ مع قلب مترعٍ حبّاً لعودة هذا الشارد، لها تأثيرها البالغ في القلوب.
ولا تغيب عن أذهاننا قصّة ذلك الشّابّ الّذي جاء طالباً الإذن في الفاحشة، وكيف امتدّت إلى صدره أعطف وأحنُّ وأبرك يدٍ عرفها الوجود؛ فغيّرت -بإذن الله تعالى- من نفسه المتوثّبة للفاحشة إلى روحٍ مشرئبّةٍ للتّوبة والوصال:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ، مَهْ، فَقَالَ: (ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا)، قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: (أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ)، قَالَ: (أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟) قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ)، قَالَ: (أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ)، قَالَ: (أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ)، قَالَ: (أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ)، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ)، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
واللهِ إن لم تمتدّ إلى هؤلاء أيدي الطّائعين؛ لتأتينّهم كلّ الأيادي الآثمة، ولتتلقّفنّهم حواجز قطّاع الطّرق إلى الله تعالى.
ألا فلنمدّ إليهم الأيادي مع انشراح الصّدور لعودتهم، وتكثيف الدّعاء لرجوعهم، والفرح بهم إذا اصطلحوا مع الله تعالى.
ختاماً:
يجب أن ننزع من أذهان الجميع: أنّ الّذي لم يلتزم مبكّرا ذهب الوقت عليه!
يجب أن نعلم جميعاً أنّ حركة الهداية إلى الله تعالى لا تتوقّف أبداً، ففي كلّ يوم هناك قوافل عائدةٌ من الشّاردين، وهناك شبابٌ قد أثقلتهم المعاصي وقرّح أكبادهم البعد عن الله ربّ العالمين، هناك أناسٌ تتقطع أوصالهم إلى من يأخذ بأيديهم إلى الله تعالى ليجدوا جنّة القرب منه، فقد أنهكت قواهم وعثاء الحياة وما فيها، ألا من مشمّرٍ فالميدان يسع الجميع.