1- النّبيّ صلى الله عليه وسلم مربّياً ومعلّماً
2- النّبيّ صلى الله عليه وسلم مازحاً متبسّماً
3- النّبيّ صلى الله عليه وسلم باكياً متضرّعاً
مقدمة:
محضُ فضلٍ مِن الباري سبحانه وتعالى أنْ جعلنا من أمّة سيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن قيّض لنا حفظ حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكل مفرداتها، حتّى حَفِظ الثّقاتُ الأثبات سكوت النّبيّ صلى الله عليه وسلم (ثمّ سكت).
حتّى كانت حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم شاملةً لكلّ مناحي الحياة ولكل تفاصيلها؛ حتّى يتسنَّى لكل محبٍّ اتّباعَ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
من هنا كان قول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
فقد جاء القرآن الكريم بحرف الجرّ (في)؛ الّذي يفيد الظّرفيّة {فِي رَسُولِ اللَّهِ}، ليس بأخلاقه أو عبادته فقط، بل بكلّ تفاصيل حياته.
ولما كثرت تجزئة الدِّين، وكلُّ حزبٍ يأخذ ما يحلو له من الجزء المهتمّ به، ويحشد له من النّصوص والأدلّة ويضخّمه على حساب الجزئيّات الأخرى من الدِّين؛ كان لا بدّ من الوقوف عند الشّموليّة في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
فهو الأب العطوف الّذي لا دَمْع أسخى من دمعته، وهو القائد الفَذُّ والمقاتلُ الشُّجاع الّذي لا سيف أمضى من سيفه، وهو المتعبِّد المتذلِّل لربّه المُنطرحُ على أعتابه، حتى استأهل أن يتربّع على عرش الأخلاق الحسنة {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
1- النّبيّ صلى الله عليه وسلم مربّياً ومعلّماً
لقد ربّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، وغرس التّربية في أعماق قلوبهم، وتناول بتربيتهم وتعليمهم كلّ ما أتيح له من وسائل وأساليب، وقد كان يستَغِلُّ كلَّ موقفٍ من المواقف حتّى يغرس من خلاله قيمةً من القيم، أو معنىً من معاني التّربية أو جَذوَةٍ من نور العلم.
ولعلّنا حينما نتابع الجانب التّربويّ التّعليميّ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نكاد نقول هو أوضح جانبٍ من جوانب حياته، لما فيه من ازدهارٍ ورقيٍّ.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ).
لقد ربّى بالألحاظ، كما ربّى بالحبّ والتّوجيه والحكمة، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ -وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ- قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: (أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟) فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِك، قَالَ: (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ).
انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يسائل الصّحابة بأسلوب الاستفهام، حتّى يُخرِج مَخبوءَ صدورِهم من العلم، وحتّى يستقرَّ المعنى في أذهانهم:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ)، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (هِيَ النَّخْلَةُ).
حتّى إنّنا لنقول: قد صوّر مشهداً لأصحابه منذ ما ينيف على ألفٍ وأربعمئة عامٍ كأنّه شاشة إسقاطٍ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟) فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: (أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟) قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: (فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ).
هو الأميّ لم يقرأ كتاباً فعلّم قارئينَ وكاتبينا
فيا عجباً لقوم كذَّبوه ألم يكُ بينهم يدعى الأمينا؟!
ومن يُعرفْ بصدقٍ في صباه يصدّقْ عند سنِّ الأربعينا
2- النّبيّ صلى الله عليه وسلم مازحاً متبسّماً
مع كل ما كانت تحمله حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم من أعباء جليلة وهموم ثِقال؛ غير أنه كان يعطي كل ذي حقٍّ حقّه، وهو الّذي صدّق سلمان في ذلك، عَن وَهْبٍ السُّوَائِيِّ قَالَ: آخَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَ سَلْمَانُ).
فكما أنّه المربّي الكامل والمعلم الأوّل؛ كذلكم لم تكن حياته خِلْواً من إضفاءة الأُنس والسّرور على أهل بيته وعلى أصحابه الكرام وعلى من حوله، فكم مزح بالحقّ ومازح، وكم أثلج صدراً مكلوماً ينتظر ابتسامة ثغر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو الّذي علّم الصّحابة أنّ الضّحك لا يتنافى مع العبوديّة لله تعالى، ولا يصطدم مع حمل هموم الدّعوة وأعباءِ قيامِ دولته صلى الله عليه وسلم، أما قال له الباري سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ} [النّجم: 43].
وما أجملها ونحن نسمعها (حتّى بدت نواجذه)! عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91].
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: "وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ".
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْمِلْنِي، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ) قَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ).
رغم كل متاعب الحياة، وما بها من آلامٍ؛ كان يترجم عن رضاه وعن عبوديّته بالتّبسّم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
3- النّبيّ صلى الله عليه وسلم باكياً متضرّعاً
ما أجمل المشاعر الصّادقة الّتي تنبثق من خلالها الدّموع الدّافئة؛ الّتي تشفّ عما تحتها من إيمانٍ بالله تعالى وخوفٍ منه وشوقٍ إليه، كلّها عبّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والغريب أنّه ذاته الّذي كنّا نسمع عنه كثيرَ التّبسّم، فإذا اهتاج تحت جوانحه الحنين إلى الملأ الأعلى عبّر عن ذلك بالدّموع، بل ولربّما يتجاوز الأمر الدموع إلى النّشيج، عن عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ صلى الله عليه وسلم".
وهو الّذي حينما يجد الفرصة سانحةً يربّي بدموعه السّخيّة، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَبَكَى، حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ قَالَ: (يَا إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا).
وهو نفسه -بأبي وأمّي- الّذي كان يمازح نهاراً ويربّي بقاله ضحىً؛ يبكي ليلاً ويربّي بحاله بين يدي الحقّ جل جلاله، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا، فقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، قَالَ: فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: (يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي) قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟، قَالَ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا) {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ...}» الْآيَةَ كُلَّهَا [آل عمران: 190].
خاتمةٌ:
إذاً: ما جاءت (فاتبعوني) هكذا، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
مدرسةٌ من التّكامل، وفيضٌ من أنهار الشّموليّة، كمن وقف أمام بحرٍ زاخرٍ متلاطم الأمواج، كلّما ذهبت موجةٌ تلتها أخرى.
فإلى من حصروا تعاليم النّبيّ صلى الله عليه وسلم في زاويةٍ ضيّقةٍ؛ دونكم سيرته العطرة وحياته المشعّة بالنّور والّتي جاءت كالشّمس في رائعة النهار، لا تأخذوا منها جانباً واحداً وتتركوا بقيّة الجوانب المتعدّدة؛ الّتي تترجم حقيقة {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
فهذا الحبيب للدِّين كلّه، وتعاليمه للتّطبيق والاتّباع كاملة، وقد ضلّ من ضلّ من قبل بتجزئة الكتاب، فحذار أن نقع في ذلك.
فهو الرّسول الأسوة، والمعلّم المثل، والمربّي القدوة، والمجاهد الفريد، والدّاعية الأول.
مشكاة النّور، ومنبثق التّوحيد، وقلب الدّعوة، وروح الحياة،صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.