1- رسالةٌ إلى المحتاج: قناعتك رأسمالك
2- الإحسانُ من قيم الصَّادقين
3- الإنسانيَّة في عمل الخير
مقدمة:
ما أجملَ المسلم القويَّ الَّذي يبني حياته على العطاء، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [اللّيل: 5-6].
وما أبْهاهُ وهو يتفقَّد شؤون من ابتلاهم الله تعالى بالفقر والحاجة وأثقلت كاهلَهُم تبعاتُ الحياة، على أن يفقَهَ درسَ تداولِ الأيَّام وسرعةِ تقلُّبِها وتبدُّل أحوالِها، فيُعطي صورةً ناصعةً عن خُلق المُنفقين، وسترِ أحوال المحتاجين، ويعلم أنَّ الله تعالى استَرْعاهُ فيما منحَهُ من فضلٍ حتَّى يُكرم عباد الله تعالى، ولا يهينَهم، وحتَّى يشعر بأنَّهم تكرَّموا عليه بقَبول ما أوصل لهم من وديعةٍ عنده، هو مأمورٌ بتأديتها كما يُحبّ ربُّنا ويرضى، وإنَّنا -والحال الّتي تمرّ بالمسلمين من جائحاتٍ ومدلهمّاتٍ وشدائد لا تخفى على ذي قلبٍ- لا بدَّ لنا من وقفةٍ مع من أكرمهم الله تعالى بجبرِ الخواطر والإحسان إلى النَّاس أن يُتمّوا هذا الجبر والإحسان بمراعاة مشاعر المستضعفين، لا تدري أيّها المنفق الحبيب: لعلَّ الكثير مِمَّن برّحت بهم الشّدائد كانوا وما زالوا كرامَ النُّفوس، أعزّةً في رحالهم، مستوري الحال في بلادهم، يأتيهم رزقُهم في أوطانهم، تغيّرت عليهم الأحوال فأصبحوا يرجون رحمة الله من خلال كرم يديك، (ارْحَمُوا عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ).
1- رسالةٌ إلى المحتاج: قناعتك رأسمالك
إليكَ يا منِ ابتلاكَ الله تعالى بالحِرمان الدُّنيويّ، لا تستسلم لِدواعي الطَّمع والجَّشع، فإنَّ المرءَ إن أذعنَ لنفسه وشهواتِها ورغباتِها فإنَّها لا تقِف عند حدٍّ، عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ قالَ: (يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى). قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكِيمًا إلى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ منه، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ، فأبَى أَنْ يَقْبَلَ منه شيئًا، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ علَى حَكِيمٍ؛ أَنِّي أَعْرِضُ عليه حَقَّهُ مِن هذا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى تُوُفِّيَ.
وإنَّ هذا الحِرص الزّائد يبدأُ من الحاجة، ثمّ ما يلبَث يزداد حتّى يُفسد عليك دينك، كما أشار إلى ذلك طبيبُ الأرواح والقلوب حينما قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في غنَمٍ، بأفسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِهِ).
هذا وإنَّ صورةَ المُسلم العفيفِ تَتَنَافى مع صُورة اللَّاهِثِ وراءَ المطامع، الَّذي يرضى بالدَّنيَّة، وقد اعتادَ السُّؤال، واستمرأَ الشَّكوى، وقد أحسنَ علّامة الشَّام الشَّيخ حسن حبَنَّكة رحمه الله حينما كان يُربي أحبابه: "ما قُدِّرَ لماضغيكَ أنْ يمضغا؛ سيمضَغانِه، امضَغهُ بعزٍّ ولا تمْضغْه بذلٍّ".
وما أجملً توجيه النَّبيّ صلى الله في الحثِّ على العمل وعدم التَّواكل والانتظار: (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ).
وممَّا يُعين النَّفس على القناعة ألَّا تَنظر إلى منِ ابتلاهُم الله بالمال، فقد ورد في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).
2- الإحسانُ من قيم الصَّادقين
لسانُ حالِ أهلِ الإحسان مع ما استرعاهُم الله تعالى من مال؛ أنَّ هذا مالُ الله تعالى عندي، أي لستُ مُطلَق التَّصرُّف فيه، ولا يَصِحُّ لي أنْ أتصرَّف فيه كما أشاء، وإنَّما أنا كخازِن الصُّندوق، يُنفق في صُندوقه متَّبِعاً لجدولِ الصَّرفيّات الَّذي عَيَّنه له رئيسه، وهذا ما دعا قوم شعيبٍ أن يستغربوا حينما أمرهم بأن يتصرّفوا في أموالهم وِفق ما يريدُ الحقُّ سبحانه منهم، فقال سبحانه على لسانهم: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87].
فالمُحسن يشعر دائماً بِعبوديته لله، لا للمال والدِّرهم والدِّينار، فهو يعلم تعاسَةَ عابد الدِّرهم والدِّينار، وقد نصح النَّاصحون قارون برسالةِ الإحسان، وهي رسالةٌ إلى كلِّ من منحه الله تعالى من فضله مالا، حيث قال جل جلاله: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
أحسن إلى غيرك دون أن تُشهد بأنَّك المحسن، أحسِن إلى غيرك وأنت تعلم بأنَّك طريقُ الإحسان، فلست أنت المحسن، إنَّما المحسن في الحقيقة هو الله تعالى، لكن من فضلِهِ وكرمه عليكَ؛ خلقَ الخير وأعانك عليه ونسبَهُ إليك، وإنَّ من أجَلِّ معاني الإحسان استشعارُ ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث السَّبعة الّذين يُظلهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلَّه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاه).
وكَمِ الشَّمال قريبةٌ على اليمين؟ معَ كُلِّ ذلك أخفاها عنها، صيانَةً لِقلبه من الرِّياء، وصيانَةً لمقابِله من إِهْراقِ ماءِ وجهِهِ، فقد جاء في كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَة، قال: "كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُبَخَّلُ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ جَرِيرٌ فِي الْحَدِيثِ -أَوْ مِنْ قَبْلِهِ- إِنَّهُ حِينَ مَاتَ وَجَدُوا بِظَهْرِهِ آثَارًا مِمَّا كَانَ يَحْمِلُ بِاللَّيْلِ الْجُرُبَ إِلَى الْمَسَاكِينِ".
واسمع إلى فهمِ الرَّبانِيّين ومحافَظتِهم على الإِحسان وجبرِهم لخواطِر الضُّعفاء، وكم حدَّثنا أهلُ الشُّام عن فضيلةِ الشّيخ أديب الكلّاس رحمه الله حينما كان يُكرم أحد طُلابه، يُنزل يده وفيها المال ويأمُر طالِبه أن يَرفع يده ليأخُذ ما فيها، ويقول: يا بُنَيَّ يدُك العليا ويدي السُّفلى.
3- الإنسانيَّة في عمل الخير
إنسانِيَّتُك تبدأُ من حفظِ مشاعر أخيكَ المسلم في كلِّ شيء، مفهومُ الإنسانيَّة أنْ يكون المقصود من المال والاقتصاد أن يخدم الإنسان، أن يُلبِّي له حاجاته الّتي أذِن الله تعالى له فيها: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].
وليس العكسُ أن يكون الإنسان خدماً للمال والاقتصاد، ولا يراعي مقصودَ الإنسانية من أجل لعاعةٍ من الدُّنيا.
الإنسانيَّة ليست تُعنى بهذا الغلاف الخارجيِّ للجسد وليستَ هي للّحم والعظم، في الحقيقة هي تخُصُّ الرُّوح السَّماويّة الّتي سكنتْ هذا الجسد، دخلتِ النَّار امرأةٌ في هِرَّةٍ، ففي الحديث أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها حتَّى ماتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ)، قالَ: فقالَ: واللَّهُ أعْلَمُ: (لَا أنْتِ أطْعَمْتِها ولا سَقَيْتِها حِينَ حَبَسْتِيها، ولا أنْتِ أرْسَلْتِها، فأكَلَتْ مِن خَشاشِ الأرْضِ).
وبالمقابل غَفر الله لِبَغِيٍّ سقتْ كلباً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ).
سقتْ كلباً فغُفِرَ لها؛ فكيف بِمن سقى قلباً؟!
القلب دون إنسانيَّة الإيمانِ قطعةُ حجرٍ في القفص الصَّدريّ، لكن حينما يفيضُ بإنسانيَّة الإيمان يرتفع من ظلمةِ المادّيَّة والطِّين إلى إِشراقة الرُّوح وفيضِ القلب.
الإنسانِيَّة الأُولى حينما تَمَعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما رأى من ذوي الحاجة، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في صَدْرِ النَّهَارِ، قالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِن مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِن مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِما رَأَى بهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فأمَرَ بلَالًا فأذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخِرِ الآيَةِ، {إنَّ اللَّهَ كانَ علَيْكُم رَقِيبًا} [النّساء: 1].
وَالآيَةَ الَّتي في الحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18].
تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ، ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ قالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قدْ عَجَزَتْ، قالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ، كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ).
الإنسانيَّة حينما لا تحرج العجوز الكبيرة حتَّى تظهر على مواقع التَّواصل شاكيةً حالها، تَعرض ما حلّ بها، حينما لا تضطرّ الرّجل الكبير أن يقف على قدمينِ ما رضي بهما أن يعيشا الذُّلّ والهوانَ عند الطَّغاة، أَفهنا تَضطرّه إلى الوقوف بانتظامٍ في صفٍ من صفوفِ تسليم المساعدات!
إنسانيَّتُك حينما ترى المقهورَ المُستَضعَف، قدْ تكالَبَ عليهِ الطَّغاة حتَّى وصل إلى تلك الحالة، فعاملته بروحٍ عاليةٍ، وأشعرتَه بشعور الإنسانيّة الّذي يجمعكُما، ولم تكن مستغلاًّ لحاجته بظهور اسمك ولمعانِ بريقِ أُعطيتك، فاللَّهُ تعالى (طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا).
خاتمةٌ:
حالُنا الَّذي وصلنا إليه بحاجةٍ إلى مُراجعة القيم، وهي مجموعةٌ من المعاني السَّامية والأهداف العليا، تسمو بالدِّين، وترتفع بالوعي.
هذه النَّفحة الرُّوحيّة تُعطي للحال الحرج مسحةً من الجمال، يجدُ المكلومُ من يضمِّد له جراحاتِه دون ضوضاءٍ وصخبٍ، يَجد الفقير من يجلِب له لقمةَ العيش دون كاميراتٍ وتصويرٍ، يقف المحتاج عند حدٍّ لا يسمح لنفسه أنْ تجولَ وتصولَ متَّبعةٌ هواها مشبعةٌ لرغباتها.
بهذه القيم آتينا كلَّ ذي حقٍ حقَّه؛ حقّ الرُّوح وحقُّ الجسد وحقُّ العقل، تجد الرّوح مُتعتها في الوقوف مع المستضعف المظلوم من دونِ أضواءٍ برَّاقة ولا مهرجاناتٍ كبيرةٍ؛ تُشعره بالذُّلّ والهوانِ.