1- حاسب نفسك قبل أن يحاسبك مولاك
2- الاحتفال بعيد رأس السّنة الميلاديّة
3- التّاريخ الهجريّ هو تاريخ المسلمين
مقدمة:
إنّ أصحاب المؤسّسات والشّركات التّجاريّة ورجال المال والأعمال يحدّدون لهم وقتاً في السّنة، يراجعون فيه حساباتهم الماضية ويخطّطون لمستقبلهم، فالبضائع الكاسدة والتّصرّفات الخاطئة هي درسٌ لهم لا يكرّرونه، بل يسعون في إصلاحه، وأمّا أعمالهم النّاجحة وبضائعهم الرّائجة فهي دافعٌ لهم للإكثار منها والسير على نهجها ليكون الرّبح أكثر والمستقبل أفضل، يقفون مع حساباتهم هذه الوقفات، مع العلم أنّه ليس ثمّة أحدٌ سيحاسبهم أو يدقّق في حساباتهم، وكلّ هذا في أمورٍ دنيويّة زائلةٍ.
وها هو عامٌ من العمر قد مضى، وانتهت تلك السّنة، ودخلت سنةٌ جديدةٌ، والعمر يمضي، والعبد يسير إلى ربّه مرحلةً بعد مرحلةٍ، حتّى يقدم على الله سبحانه وتعالى، فاستدركوا أنفسكم وحاسبوها.
فالإيمان قائدٌ، والعمل سائقٌ، والنّفس حَرونٌ، فإن فتر السّائق ضلّت عن الطّريق، وإن فتر القائد حرنت واستعصت، فإذا اجتمعا استقامت، والنّفس إذا أُطمعت طمعت، وإذا فُوّض الأمر إليها أساءت، وإذا حُملت على أمر الله حملاً صلحت {وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: ٥٢]، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشّمس: ٩-١٠].
ومن هنا كان لا بدّ من المحاسبة، يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر عنه من أفعال في نهاره، فإن كان محموداً أمضاه، وأتبعه بما شاكله، وإن كان مذموماً استدركه وانتهى عن مثله، وهكذا يقطع رحلته من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ.
1- حاسب نفسك قبل أن يحاسبك مولاك
فبعد انقضاء عامٍ كاملٍ لا بدّ لك أخي المسلم من وقفةٍ مع نفسك، تحاسبها على تقصيرها، وتذكّرها بعظيم حقّ ربّها، وتشكر ربّك الّذي أمهلك عاماً كاملاً وفتح لك باب الطّاعات وقوّاك عليها.
لقد وقف أبو بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه مع نفسه وقفة محاسبةٍ دقيقةٍ، وصرخ قائلاً: "يا ليتني كنت شجرةً تُعضَد ثمّ تؤكل".
وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يخشى على نفسه أن يكون من المنافقين، وكان يقول: "والله لودّدت أن أنجو يوم القيامة كفافًا، لا عليّ ولا ليّ".
وقال رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنّه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم؛ وتَزَيَّنوا للعَرْض الأكبر، يومئذٍ تُعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ".
ويقول الحسن البصريّ: "لا تلقى المؤمن إلّا يعاتب نفسه، ماذا أردتُّ بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟".
ويقول مالك بن دينار: "رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبةَ كذا؟ ألستِ صاحبةَ كذا؟ ثمّ زمَّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائداً".
وكان الأحنف بن قيسٍ في محاسبته لنفسه يذكّرها نار الآخرة، فيجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتّى يحسّ بالنّار، ثمّ يقول لنفسه: "يا حنيف! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟".
هكذا كانوا.. محاسبين مراقبين لأنفسهم، فلا تمرّ ساعةٌ أو يومٌ إلّا وراجعوا حالهم مع ربّهم، فإن كانوا محسنين ازدادوا حبّاً وشوقاً لربّهم؛ فازدادوا عبادةً وامتثالاً لأوامره سبحانه، وإن وجدوا تقصيراً وغفلةً؛ بادروا بتوبةٍ صادقةٍ، وعاهدوا ربّهم أن لا يعودوا.
2- الاحتفال بعيد رأس السّنة الميلاديّة
الأعياد ظاهرةٌ بشريّةٌ، عُرفت منذ قرونٍ طويلةٍ، يحتفل فيها أصحابها بمناسبةٍ دينيّةٍ أو ذكرى سارّةٍ أو حدثٍ بارزٍ، وكانت العرب قبل الإسلام تحتفل بعيدين اثنين، فلمّا جاء الإسلام وضع الحدود الشّرعيّة للأعياد، وبيّن آدابها، ومقاصدها، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا). وهذا يفيد الاختصاص.
وإنّ بعض المسلمين -اليوم- ذُهلوا عن التّوجيه السّليم في تشريع الأعياد، فراحوا يتمثّلون أعياد غيرهم، ويحتفلون بمناسبات غيرهم، سواءً كانت مناسباتٍ دينيّةً أم غير دينيّةٍ، كما هو الشّأن في الاحتفال بعيد رأس السّنة الميلاديّة، تطبيعاً وتمثّلاً، حتّى صار من الأمور الرّاسخة، مما استوجب بعض الوقفات المضيئة لجوانب قد تخفى على مثل هؤلاء:
• الاحتفال بعيد ميلاد المسيح لا أصل له لا في الإسلام، ولا في النّصرانيّة نفسها، وإنّما أدخله الوثنيّون الرّومان إلى النّصرانيّة لما تنصّروا في القرن الرّابع الميلاديّ.
• وبما أنّ هذا الاحتفال من خصائص النّصارى -عبّاد الصّليب- فمشاركة المسلم لهم فيه نوعٌ من الولاء لهم والجهر بمحبّة دينهم والانحشارِ في زمرتهم والرّضا بمعتقداتهم، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
ويقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ).
• ومن عجبٍ أنّ النّصارى لا يبادلون هؤلاء المتعاطفين من المسلمين مع دينهم تعاطفاً مماثلاً مع ديننا، فما سمعنا أحدهم يحتفل بعيد الفطر أو عيد الأضحى، بل يعتبرون استسلام بعضنا لعاداتهم ومعتقداتهم تحكّماً في رقابهم، وتحقيقاً للتّبعيّة لأهوائهم، كما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ).
والقرآن الكريم ذكر هذه الهواجس النّفسيّة التي تعتريهم، فقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
فكان الرّدّ: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
• ما يصحب هذا الاحتفال من مخالفاتٍ شرعيّةٍ وأخلاقيّةٍ وعقديّةٍ؛ فإذا كان عيد الفطر عندنا يعقب عبادة الصّيام وعيدُ الأضحى يعقب عبادة الحجّ، فإنّ عيد رأس السّنة مناسبةٌ -عندهم- لاحتساء كؤوس الخمور، والرّقص على نغمات المجون، وممارسة فنون الفواحش، وألوان الموبقات، وصنوف الفجور، مع اعتقاد أنّ المولود في هذا التّاريخ هو الرّبّ، أو ابن الرّبّ، القائم على الكون خلقاً وتدبيراً وتخليصاً.
• هلا انتبهنا إلى موقف نصوص شريعتنا من مثل هذه الاحتفالات؟! عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو، قَالَ: "مَنْ بَنَى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ولقد أجمع الأئمّة الأربعة على تحريم احتفال المسلمين بأعياد المشركين الّتي تخصّ دينهم، وكان علماء المالكيّة من أكثرهم تشدّداً في هذا الأمر.
فقد قال ابن القاسم: "لا يَحِلُّ للمسلمينَ أن يبيعوا للنّصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ، لا لَحْماً، ولا إداماً، ولا ثوباً.. ولا يعانون على شيءٍ من دينهم، وهو قولُ مالكٍ وغيرهِ، لم أعلمْ أحداً اختلفَ في ذلكَ".
وقال ابن القيّم: "وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصّة به، فحرامٌ بالاتّفاق، مثل أن يهنّئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا.. بمنزلة أن يهنّئه بسجوده للصّليب".
3- التّاريخ الهجريّ هو تاريخ المسلمين
نحن كمسلمين عندنا تاريخنا الهجريّ الّذي أكرمنا الله به، وتأتي أهمّيّة التّاريخ الهجريّ من كونه الأداة الّتي تُساعد المسلمين على تحديد مواعيد العبادات، حيث يقول الله جلَّ في علاه: {َويسْـئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ} [البقرة: 189].
وتتمثّل أهمّيّته في:
تحديد الصّيام: حيث يُحدّد التّاريخ الهجريّ مواقيت صيام شهر رمضان المبارك، وصيام ستّة أيامٍ من شهر شوّال، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء...
تحديد موسم الحجّ: حيث يُحدّد التّاريخ الهجريّ موعد الحجّ إلى بيت الله الحرام.
تحديد وقت عيد الفطر وعيد الأضحى.
تحديد الزكاة: حيث يرتبط التّاريخ الهجريّ بتحديد الزّكاة، وهي المقدار الّذي يتمّ دفعه إذا بلغ المال النّصاب، وحال عليه الحول، ويُقصد بالحول: السّنة الهجريّة.
بيان عدّة الطّلاق: حيث يتمّ تحديد عدّة الطّلاق من خلال التّاريخ الهجريّ.
كما يرتبط التّاريخ الهجريّ بهجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، حيث كانت الهجرة المنطلق الّذي بدأ منه تكوين الأمّة الإسلاميّة.
وفي الختام:
فقد مضى عامٌ وانقضى، ولا زال قلبك ينبض حيّاً، ولا زلت تنعم بحياةٍ وهبك إيّاها خالقك ومولاك، فجدّد العهد مع الله تعالى، واعقد نيّةً جديدةً صادقة أن تتدارك ما فاتك من تقصيرٍ، وأن تقبل على الله تعالى إقبال التّائب المحبّ الخائف، واجعل من بداية هذا العام صلحاً مع الله تعالى، وإيّاك والمشاركة بطقوسٍ وأعيادٍ ليست من ديننا في شيءٍ، واعلم بأنّ العيد الأكبر يوم يغفر الله لك ويدخلك جنّةً عرضها السّماوات والأرض.