1- ضرر المخدرات على الفرد والمجتمع
2- بعض أسباب انتشار المخدرات في المجتمع
3- موقف الشّرع من المخدّرات والمسكرات
مقدمة:
لقد كرّم الله عز وجل الإنسان على كثيرٍ من مخلوقاته {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَـاهُمْ مّنَ الطَّيّبَـاتِ وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
كرّم الله جل جلاله بني آدم بخصالٍ كثيرةٍ، امتاز بها عن غيره من المخلوقات، كرّمه بالعقل، وزيّنه بالفهم، ووجّهه بالتّدبّر والتّفكّر، فكان العقل من أكبر نعم الله على الإنسان، به يميّز بين الخير والشّرّ، والضّارّ والنّافع، به يسعد في حياته، وبه يدبّر أموره وشؤونه، به ترتقي الأمم وتتقدّم الحياة، وينتظم المجتمع الإنسانيّ العامّ، وبالعقل يكون مناط التّكليف، العقل جوهرةٌ ثمينةٌ، يحوطها العقلاء بالرّعاية والحماية؛ اعترافًا بفضلها، وخوفًا من ضياعها وفقدانها، وبالعقل يشرّف العقلاء، فيستعملون عقولهم فيما خُلقت له، كما قال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 17]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100].
وإذا ما فقد الإنسان عقله؛ لم يُفرّق بينه وبين سائر الحيوانات والجمادات، بل لربّما فاقَه الحيوان الأعجم، وإنّ هذا العقل الثّمين -الّذي هو مناط التّكليف- يوجد في بني الإنسان، من لا يعتني بأمره، ولا يُحيطه بسياج الحفظ والحماية، بل هناك من يضعه تحت قدميه، ويتّبع شهوته، وتعمى بصيرته.
كلّ هذا يبدو ظاهرًا جليًا، في مثل كأسة خمرٍ، أو جرعة مخدّرٍ، أو استنشاق مسكرٍ، وشرب مفتّرٍ، تُفقد الإنسان عقله؛ فينسلخ من عالم الإنسانيّة، ويهدم صرح الأمّة، وينسى السّكران ربّه، ويظلم نفسه، ويهيم على وجهه، ويقتل إرادته، ويمزّق حياءه، وبذلك كلّه يطرح ضرورةً من الضّروريات الخمس، الّتي أجمعت الشّرائع السّماويّة على وجوب حفظها، ألا وهي ضرورة العقل، إذ إنّها واجبة الحفظ والرّعاية؛ لأنّ في حفظها قوام مصلحة البشريّة؛ ففاقد العقل بالسّكر، يسيء إلى نفسه ومجتمعه، ويوقع مجتمعه وبني ملّته في الذّلّ والدّمار؛ فيخلّ بالأمن، ويرّوع المجتمع.
إنّ أمّةً لا تحافظ على عقول بنيها أمّةٌ ضائعةٌ.
1- ضرر المخدرات على الفرد والمجتمع
فمن أضرارها: السّفه في التّصرّف؛ فيفعل ما يضره، ويترك ما ينفعه، قد قاده الشّيطان إلى كلّ رذيلةٍ، وأبعده عن كلّ فضيلةٍ.
ومن أضرارها: فقدانه للأمانة، وتفريطه فيما يجب حفظه ورعايته؛ فلا يؤمن على مصلحةٍ عامّةٍ ولا على أموالٍ ولا على أعمالٍ، ولا يؤمن حتّى على محارمه وأسرته؛ لأنّ المخدّرات قد أفسدت عليه إنسانيّته.
ومن أضرارها: أنّ متعاطيها عالةٌ على المجتمع؛ لا يقدّم لمجتمعه خيراً، ولا يُفلح فيما يُسْندُ إليه.
ومن أضرارها: تبديده لماله وعدم قدرته على الكسب الشّريف، فيلجأ إلى كسب المال بطرقٍ إجراميّةٍ.
ومن أضرارها: قِصرُ العمر؛ لما تُسبّبه من تدميرٍ لأجهزة البدن، ولما يعتري صاحبَها من الهموم والاكتئاب.
ومن أعظم مضارِّ المخدّرات: ثقل الطّاعة وكراهيّتها وبغضها، وكراهيّة الصالحين وبغضهم وعدم مجالستهم، والبعد عن مجالس الذِّكر ومواطن العبادة، وحبّ الجرائم وإلف المعاصي، ومصاحبة الأشرار وصداقتهم ومودّتهم.
ومن أضرارها: تشريد الأبناء وتفكّك الأسرة، فكم من أسرٍ تدهورت أحوالها، كلّ ذلك بسبب تعاطِ المخدّرات، واستعمال الحشيش، وغيرها من أنواع السّموم المحرّمة، كم من أسرةٍ عمّ الخراب جدرانها، ومزّق التّوتّر أهلها! فهرب الأبناء من الأب المدمن، وهجرت الزّوجة زوجها المجرم، فوقعوا ضحيّة أصحاب السّوء وأهل الفساد، وتلقّفتهم أيدو العابثين بالأعراض.
ومن أضرارها: كثرة حالات الطلّاق، فإنّ كثيراً من حالات الطّلاق وقعت نتيجةً لعدم قيام المدمن بحقوق زوجته وأولاده، أو نتيجةً للخلافات الّتي تحدث بين الزّوجين، بسبب الإدمان وآثاره.
عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: "سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي مَجْمَعٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَصُونُ عِرْضِي وَأَحْفَظُ مُرُوءَتِي، لِأَنَّهُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ كَانَ لِعِرْضِهِ وَمُرُوءَتِهِ مُضَيِّعًا".
2- بعض أسباب انتشار المخدرات في المجتمع
ضعف الوازع الدّينيّ والبعد عن دين الله: فكلّ من أهمل الواجبات الشّرعيّة وتهاون بأحكام الدِّين وضيّع الصّلاة وتساهل بما أوجب الله عليه من حقوقٍ لوالديه وأقاربه وعامّة النّاس، فإنّه يكون صيداً سهلاً لهذه السّموم القاتلة.
الفراغ: الّذي يعود بالأثر السّيّء على صاحبه، فيقضي وقته بما لا ينفعه، لا سيّما مع تهيّؤ الفرص له، وسهولة الحصول على المحرّم، وكثرة المثيرات والمغريات، مع ضعف التّوجيه وقلة المتابعة وانعدام المراقبة.
ولعل مِن أخطر أسباب انتشار تعاطي المخدّرات: أصدقاء السّوء: وهذا أمرٌ ظاهرٌ للتّربويّين والدّعاة ورجال المكافحة، حيث يتبيّن لهم بعد مقابلة بعض المتعاطين والتّائبين أنّ البداية كانت من صديقٍ يُظهر النّصح والإخلاص، لكنّه ذئبٌ لبس جلد إنسانٍ، وحيّةٌ لان ملمسها، لكنّها تحمل السّمّ القاتل، واسألوا -إن شئتم- بعض التّائبين النّادمين؛ لتعرفوا حقيقة هذا الأمر.
ومن أسباب انتشار المخدّرات إهمال الوالدين: وانشغالهما بأعباء الحياة وكماليّاتها، وهنا يكون الأولاد ضحيّة هذا الإهمال، فيدخل إلى حياتهم أشخاصٌ غرباءٌ، بحجّة ملئ أوقاتهم، والوالدان في غفلةٍ عمّا ينحدرون إليه، ولا ينتبهون حتّى تقع الكارثة.
ومن أسباب تعاطي المخدّرات: المشاكل والهموم في هذه الحياة: وذلك مثل فقد الأهل والبعد عنهم، والمرض والفشل في الدّراسة والزّواج والتّجارة وغيرها، فهذه الحالة الّتي يضعف فيها الإنسان ويبتعد أحياناً عن ربّه يقوى فيها الشّيطان وأعوانه، ويستغلّون هذه الظّروف، ويوقعون أمثال هؤلاء في حبائل السّوء.
3- موقف الشّرع من المخدّرات والمسكرات
لقد حرّم ديننا الحنيف تعاطي المخدّرات والمسكرات بكلّ أشكاله ومسمّياتها، لآثارها السّلبيّة السّيّئة، ومضارّها القاطعة اليّقينيّة، ومخاطرها المحقّقة على الأفراد والمجتمعات البشريّة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
فالمخدّرات تلتقي مع الخمر في علّة التحريم.
وقال سبحانه: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
ولا يُتصوَّر من عاقلٍ أن يُصنِّف المخدّرات إلّا من جملة الخبائث.
وقال جلّ في علاه: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
فمن المبادئ الأساسيّة في الإسلام: الابتعاد عن كلّ ما يضرّ بصحة الإنسان، وإنَّ تعاطي المخدّرات يؤدّي الى مضارّ جسميّةٍ ونفسيّةٍ واجتماعيّةٍ.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ".
والمخدّرات -بأنواعها- مفتّرةٌ، بل فاتكةٌ بالعقول والأجساد.
وقد سُألت عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيذِ، فَقَالَتْ: "يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا، وَكُلُّ شَرَابٍ يَكُونُ عَاقِبَتُهُ كَعَاقِبَةِ الْخَمْرِ فَهُوَ حَرَامٌ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ".
قال ابن عابدين: "وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ وَالْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونُ" لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْلِ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ".
خاتمةٌ:
إنّ المخدّرات بشتّى أنواعها: من حبوب الكابتاجون، أو الكوكايين، أو الأفيون، أو الحشيش، أو غير ذلك: كلّها بوّابة جحيمٍ تُفتح على من تعاطاها أو توّرط فيها.
فلنكن عونًا لأبنائنا وبناتنا، ولنكن حصنًا لمجتمعنا، فإذا اكتشف الإنسان شيئًا من البلاء بالمخدّر في أهله، أو ولده، أو جاره، أو قريبه، فليبادر إلى المعالجة، فالصّمت ليس حلًّا، إنّما هو مشاركةٌ في إيجاد البلاء، وتوريط النّاس في الشّرّ.
إنّ المخدّرات آفةٌ لا تقتصر شرورها وأضرارها على المتعاطي، إنّها تنال المتعاطي ومن حوله، بل تطال المجتمع بأسره، فإذا بُلي الإنسان بالإدمان كان عنصرًا مشلولًا هدّامًا في مجتمعه، وكان عنصرًا مفسِدًا ساعيًا بالفساد في نفسه وأهله ومحيطه، إنه يسعى لكلّ ضررٍ، ويبذل كلّ جهدٍ في الإفساد لنيل مآربه ومقاصده، إضافةً إلى ما يكلّفه من أعباءٍ عظيمةٍ في المعالجة، أو ما يترتّب على هذه الآفة من الأمراض.
ولنعمل على محاربة الأسباب الّتي تؤدّي إلى انتشار التعاطي والإدمان بين أفراد مجتمعنا، كما يجب علينا أن نبيّن حكمها الشّرعيّ وعظيم جريمة التّعاطي، وأن نزيد من وعي أبنائنا وبناتنا.
فإنّ انتشار التّعاطي بين أفراد المجتمع هو مؤشّرٌ خطيرٌ، وعلامةٌ على انحدار الأفراد والجماعات.